مخيب للآمال.. مراقبون: الإعلان الدستوري السوري يعبر عن الجولاني وداعميه الأتراك

إعلان دستوري أعلن على غفلة من قبل سلطة دمشق بقيادة أبو محمد الجولاني، وأثار كثيراً من الانتقادات الشديدة، مع تجاهل تام لهوية سوريا القائمة على التنوع.

انتقادات واسعة تواجه الإعلان الدستوري الذي وقعه أبومحمد الجولاني رئيس سلطة دمشق، لدرجة أن هناك من اعتبره لا يختلف كثيراً عما كان عليه نظام البعث الذي سقط قبل نهاية العام الماضي، وسط دعوات إلى ضرورة إعادة النظر فيه، والحاجة إلى أن يخضع الأمر لحوار سوري سوري حوله يشارك فيه الجميع.

ونص الإعلان الدستوري على الحفاظ على اسم الدولة، أي الجمهورية العربية السورية، كما أن من مفارقاته أنه نص على أن دين رئيسها يكون الإسلام دون تغيير، فضلاً عن بنود أخرى مثيرة للجدل مثل حصر السلطة التنفيذية بيد الرئيس، كما أن من حقه تعيين ثلث أعضاء البرلمان المسؤول عن العملية التشريعية بالكامل.

مخيب للآمال

يقول الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الإعلان الدستوري جاء مخيباً لآمال السوريين، ولم يراعي طبيعة أن البلاد في مرحلة انتقالية يفترض أنها ملك الجميع وليس فصيلاً بعينه، لا سيما تجاهله لحقيقة أن سوريا دولة قائمة على التنوع في المكونات والثقافات.

ويرى الكاتب الصحفي المصري أنه ما كان ينبغي أن يكون هذا الإعلان تفويتاً لفرصة مهمة للسوريين تتيح لهم تجاوز المرحلة الانتقالية بشكل سليم، لا سيما في ظل طولها ووصولها إلى خمس سنوات، والتجهيز لبناء دولة مؤسسات وطنية في إطار عملية سياسية شاملة تعبر عن جميع الأطياف والمكونات، مؤكداً أن هذا الأمر كان يخشاه منذ أن قدمت الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام.

وشدد "محمود" على أن من يقودون المرحلة الانتقالية الحالية كان ينبغي عليهم ألا يقعوا في كثير من أخطاء النظام السوري السابق، حتى لا يتحول الأمر إلى أن يكون الأمر مجرد استبدال وجوه بوجوه، داعياً سلطة دمشق إلى إعادة النظر فيه، والعمل على فتح الباب أمام حوار مجتمعي بشأنه يضم كافة المكونات من عرب وكرد وسريان ودروز وعلويين وآشوريين وغيرهم.

وكانت الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم وشمال شرق سوريا أصدرت بياناً مهماً أكدت فيه أن هذا الإعلان الدستوري لا يمثل تطلعات الشعب السوري، ولا يدرك حقيقة هويته الأصلية، وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية، مؤكدة كذلك أن بنوده بعيدة عن سوريا وآمال شعبها.

إعلان الجولاني والأتراك

"هو دستور الجولاني والأتراك"، بتلك العبارة استهل الخبير الاستراتيجي الدكتور ياسر فراويلة تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على ما ورد بالإعلان الدستوري والطريقة التي أتى بها، إذ يقول إن الجولاني رجل بطبيعته خارج القانون، وجاء من تشكيلات عصابية وإرهابية، وتنقل في عدة معتقلات؛ ومن ثم فالعقلية التنظيمية له خارج حدود أفكار الدول وسيادة القانون.

وأضاف أن الجولاني لا يمثل إلا فصيله فقط، والدولة التركية التي تدعمه بكل الطرق، ولهذا أعرب عن اعتقاده بأن الأتراك هم من وضعوا له هذا الإعلان الدستوري المخيب للآمال، فالنظام التركي يلعب دور العراب لكل ما تقوم به سلطة دمشق الحالية، ويدعمها بكل الطرق والوسائل، ولهذا فإن الإعلان الدستوري لا يعبر إلا عن الجولاني وحلفائه الأتراك.

وحذر الخبير الاستراتيجي من مغبة هذا الإعلان الدستوري؛ إذ أن من شأنه دفع البلاد إلى مزيد من الصراعات، مع تجاهله التام لتركيبة سوريا متنوعة ومتعددة المكونات، معتبراً أنه تجاهل ما نص عليه الاتفاق الذي أبرم مع السيد مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، كما تجاهل الوعود التي قطعها رئيس سلطة دمشق على نفسه بعد أحداث الساحل السوري، ومع تواصل الاعتداءات التي تطال بعض مكونات الشعب السوري الآخرين مثل المسيحيين في بعض المناطق.

وفي ختام تصريحات أعرب الدكتور ياسر فراويلة عن قناعته التامة بأن أنقرة صاحبة المصلحة الأكبر في أن يخرج الإعلان الدستوري بهذا الشكل، وأن تسير المرحلة الانتقالية بهذه الطريقة؛ مبرراً ذلك بأنها تريد أن تبقى سوريا دائماً في حالة مخاض وصراع، معتبراً أنه هذه الحالة تحقق لتركيا كثيراً من المصالح التي تتلاقى فيها مع المصالح الإسرائيلية بالمنطقة وخاصة داخل الأراضي السورية.

وربما لم يأت الإعلان الدستوري بتلك الصورة مستغرباً، إذا تمت العودة إلى تصريحات الجولاني في بداية المرحلة الانتقالية، عندما سأل عن أسباب اعتماده في كل المناصب على فصيلة هيئة تحرير الشام (منبثقة عن تنظيم القاعدة الإرهابي)، حين اعتبر أن هذا الاستئثار بالسلطات من شأنه مساعدته على تحقيق الإنجازات.

كما أن الإعلان الدستوري يأتي استكمالاً للأخطاء السابقة التي كان في مقدمتها مؤتمر الحوار الوطني المزعوم، والذي تجاهل كذلك بعض المكونات السورية الرئيسية مثل الكرد، رغم كل الدعوات المحلية والإقليمية والدولية التي تؤكد على ضرورة إطلاق عملية سورية شاملة لكل السوريين.