رحلة "حفيدة عشتار" من الموت إلى النجاة.. 8 أشهر وسط الجبال والوديان والملاحقات
يجسد نضال المقاتلة ريفان مقاتلات الكريلا البواسل، في رحلة مطاردة بلغت ٨ أشهر، نسجتها في عمل أدبي الأديبة روناك مراد.
يجسد نضال المقاتلة ريفان مقاتلات الكريلا البواسل، في رحلة مطاردة بلغت ٨ أشهر، نسجتها في عمل أدبي الأديبة روناك مراد.
تعتبر "ريفان" إحدى مقاتلات الكريلا التي سطرت قصة نضال عجيبة عندما تاهت عن كتيبتها لتسطر بطولة نادرة من النجاة من المطاردة لمدة ٨ أشهر قاومت خلالهم العدو والطبيعة والغرباء، لتسطر تلك البطولات مقاتلة أخرى وأديبة هي روناك مراد داخل ملحمة "حفيدة عشتار".
تدور أحداث رواية حفيدة عشتار في ولاية غرزان في كردستان، وبطلة الرواية هي المقاتلة ريفان، وتنتمي إلى قوات "الكريلا" وهي الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني، التحقت بالحرب الثورية في جبال كردستان، القادمة من منطقة كوباني في شمال وشرق سوريا.
تبدأ قصتها الصعبة والعجيبة عندما عبرت إلى قرية شقيق لتضميد الجرحى، ليواجهوا القروجيين وهم المرتزقة الذين سمتهم الدولة بـ "حراس القرى" في المنطقة المحيطة بدليس الواقعة في ولاية غرزان، لقد جرحت البطلة في إحدى العمليات ضد المرتزقة والجيش التركي.
كانت العقبة الأولى أمام ريفان هي الخروج من موقع العملية، واستطاعت النفاذ من بين الحشود الكثيرة، فقد رمت نفسها نحو الوادي العميق رغم جراحها، مرتطمة بالصخور والأشواك، مما زاد من جروحها. انقطعت عن مجموعتها، واستشهد بعض رفاقها.
شاهدت نفسها وقد قطعت شلالاً صعوداً، وجالسة تحدق في موقع العملية من الطرف الآخر للنهر، وكانت بينها وبين الجنود المطاردين لها مسافة لا تزيد عن 5 أمتار حيث كانوا أعلى صخرة وهي أسفلها.
قامت ريفان خلال مسيرتها بالعديد من عمليات التنقل بدءاً من البرية المقفرة التي يصل لها الطعام داخلها حتى وصلت إلى منزل أحد المتعاونين مع الجيش والذي تعاون معها وخبأها في مخبأ داخل منزله وكان يخشى من القنبلتين معها، ورغم ذلك رافقها في مخبأها إلى الصباح.
كانت أبرز محطات رحلتها إحدى القرى العربية في كردستان والتي بدأت رحلتها داخلها طريدة في إحدى البيوت التي قامت بتشغيل الأغاني الثورية لها باللغة الكردية حتى وصلت إلى تنظيم أهل القرية واستخدامهم في جمع معلومات عن العدو، بل إن أهل القرية دلوها على أماكن أسلحتهم وهي دربتهم على استخدامها.
جاء الربيع وتحركت من القرية إلى الوادي على أمل لقاء رفاقها، نجحت في عبور طريق الحرير وزارت قبر رفيقتها ديلان، في طريق العودة قابلتها عقبة الجسر والكمين المنصوب عليه والرادار فوقه، نجحت في عبوره والعودة إلى القرية مرة أخرى.
كانت فترة بقائها في القرية في المرة الثانية أصعب لأن القروجيون (حراس القرى) وقوات العدو كانت تبحث عنها، ويقومون بحملات تمشيط داخل القرية، في أول وصولها للقرية نجحت في التخفي في زي القرويين ومرت بجانبها جنود العدو والقروجيين دون أن يكتشفوها، حتى أن بعض القرويين من المتعاملين مع العدو فزع ولكن بقت بهدوئها المعتاد.
استقرت بعد ذلك في كهف الدببة داخل الغابة مع بقاء الإمدادات والمؤن من القرية وكان المكان آمناً طوال فصل الشتاء، ولكن مع دخول الربيع اقتربت قوات القروجيين (حراس القرى) من الكهف، وكان الوضع صعباً وحالتها الصحية تزداد سوءاً.
وصل لها الرفاق من قوات الكريلا بعد ٨ أشهر من اختفائها
كشفت روناك مراد كاتبة الرواية عن ريفان، أنه لا تزال بطلة الرواية مستمرة في نضالها في ثورة روج افا وقد استشهد اخاها كيفو محمد سيدو ببطولة في حملة تحرير كوباني في الواحد والعشرين من شهر شباط في عام 2015 بعد ان استشهد ابنه مظلوم في شمزينان عام 2012.
وأكدت روناك مراد في سردها عن البطلة، لقد استشهدت بنت كيفو محمد سيدو، زنارين المقاتلة ضمن قوات وحدات حماية المرأة في كوباني في أواخر عام 2014 واستشهد أخوها الآخر نجيب في كوباني ولا تزال شقيقتها ساكينا معتقلة في السجون التركية.
وهذه حال العائلات والمجتمع الكردي حيث أن النضال والسجون والاستشهاد أصبحت من يوميات العائلات الكردية الوطنية.
بينما كشف دلشاد مراد رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، أن رواية "حفيدة عشتار" للكاتبة الروائية روناك مراد والتي صدرت بطبعتها الأولى في أيار 2008، تعكس واقع حياة الثوار في جبال كردستان، والأحداث والتناقضات التي يعايشونها في مسيرتهم الثورية والنضالية، تماماً كأي ثورة في أي بقعة من العالم، فنجد الانتصارات والبطولات والانكسارات في الوقت عينه، كما قد نجد حالات رفاقية مثالية إلى جانب الخيانة والجبن. إنه صراع الخير والشر، صراع الإرادة الحرة ضد الظلم والجشع والاستغلال والاضطهاد.
وأكد مراد في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الرواية تقص حياة (ريفان) الفتاة التي عاشت في وسط اجتماعي مشبع بالأفكار الإقطاعية، وتمكنت من تجاوز جميع الصعوبات التي اعترضت تقدمها، فقدت والدتها في صغرها، وحرمت من التعليم، وباتت تعمل في الأرض مع بقية أفراد عائلتها.
وأضاف رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، إلا أنها بعد تعرفها على الثوار، التحقت بالحرب الثورية في جبال كردستان لتحرير شعبها من ظلم واستعباد آلاف السنين وتحقيق بناء الشخصية والهوية الكردية، وكانت من الثائرات الأوائل اللواتي حملن قيادة فصيل عسكري في جبال كردستان، حتى وصلت بنضالها ضمن ظروف وبيئات مختلفة إلى قيادة المقاتلات في ولاية غرزان الواقعة تحت الاحتلال التركي.
وبيّن مراد، أن هناك تقع ريفان في كمين للمرتزقة والاحتلال التركي مع رفيقاتها، فتستشهد اثنتان من رفيقاتها، بينما هي تصاب بجروح وبأعجوبة تتمكن من النجاة بعد أن ترمي بنفسها في واد عميق، لتبدأ رحلة شاقة من المغامرات أثناء فرارها من ملاحقات العدو وسط بيئة ريفية موالية للاحتلال، لتتمكن بعد ثمانية أشهر مليئة بالأحداث من الالتحاق برفاقها من الثوار مجدداً.
وأوضح رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، أنه تقول الروائية روناك مراد في مقدمتها "قد تكون الحقيقة أغرب من الخيال في تاريخ ثورتنا الكردستانية، والأغرب عندما تكون المرأة هي البطلة في أغلب روايات وأحداث تاريخنا الحديث، خاصةً عندما يكون عشق الحقيقة وأمل الحرية زاد وزوادة الكريلا في الصمود والتصدي، في المقاومة والتحدي ضمن ظروف الحرب والحصار في جبال الوطن. وهذه الرواية حقيقة ونموذج من صمود فتاةٍ كردستانية".
وأشار مراد، إلى أن رواية "حفيدة عشتار" هي واحدة من عشرات الروايات التي وثقت الثورة الكردستانية وحياة وبطولات الثوار في جبال كردستان، وهي انموذج لما نطلق عليه مصطلح "أدب الثورة" أو "أدب المقاومة"، وهذا النوع من الأدب قلما نجده في العالم الراهن، حيث الكاتب هو نفسه المقاتل والثائر، ويكتب عن حياة رفاقه ورفيقاته.
وأردف رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، أن هذا دليل على عظمة حركة التحرر الكردستانية التي تحمل السلاح والقلم في آن واحد، فالأدب والكتابة جزء لا غنى عنه في حياة الثوار الكرد، حيث يحمل كل مقاتل إلى جانب سلاحه دفتر مذكرات يدون يومياته وخواطره وأفكاره كي تكون أرشيفاً مادياً للحركة والثورة والأجيال القادمة. إنها ثورة فكرية وحضارية وإنسانية بامتياز.