ولا يخفى على أحد التعاون الذي يسير على قدم وساق بين عائلة البارزاني في جنوب كردستان وسلطات الاحتلال التركي، على نحو أعطى ضوءً أخضر للأخير ليصعد عدوانه على الأبرياء في تلك المناطق، تحت مزاعم "مواجهة الإرهاب" الكاذبة في إشارة إلى الحرب التي يشنّاها ضد حزب العمال الكردستاني.
المفارقة أن البيانات الرسمية الخاصة بلقاء أردوغان ونيجيرفان خلت من أي إشارة إلى العمليات العسكرية العدوانية على جنوب كردستان، لكن الإعلام التركي المعارض كشف جانباً من المستور في تلك المباحثات، إذ أكد أن مطالب النظام التركي باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مواجهة حزب العمال الكردستاني كانت على رأس أجندة اللقاء بين الجانبين.
دور البارزانيين
"البارزانيون العنصر الفاسد في القضية الكردية"، بتلك العبارة استهل الكاتب الصحفي المصري وليد الرمالي تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF) على ما أثير بشأن لقاء أردوغان مع نيجيرفان البارزاني، موضحاً أن أي لقاء مع رئيس النظام التركي "وأنت مغمض عينيك" لا ولن يصب في مصلحة الشعب الكردي.
ويدلل الرمالي على قناعته أن "البارزانيين هم العنصر الفاسد في القضية الكردية والخائن لها"، بأنهم تواصلوا مع أعداء الكرد وهم الأتراك وتحديداً أردوغان، والأخير لديه مشكلة مع الكرد لن تنتهي في القريب العاجل، بل أنه مقدم على تشديد العمليات والإجراءات ضد جنوب كردستان وضد مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
وأعرب الكاتب الصحفي المصري عن اعتقاده أنه في ضوء اللقاء بين أردوغان ونيجيرفان، فإن الاحتلال التركي سيصعد هجماته ضد الكرد خلال الفترة المقبلة في سوريا والعراق، كما أن الرئيس التركي يستغل اللحظة الراهنة التي تضطرب فيها المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان لتحقيق بعض مصالحه في مواجهة الكرد، وسيضغط أكثر على الإدارة الذاتية وجنوب كردستان.
ويرى الرمالي أن أردوغان يخطط مع "البارزاني الخائن" من أجل إقامة منطقة عازلة بين تركيا وجنوب كردستان، أو يتوسع في المنطقة العازلة التي يريد إقامتها في شمال سوريا، ويمارس مزيداً من الضغوط على قوات سوريا الديمقراطية، مشيراً إلى أن الاحتلال التركي يستغل هذا الظرف الدولي الدقيق لصالحه ولمواصلة عدوانه.
وتأتي زيارة البارزاني في وقت يصاعد الاحتلال التركي عملياته العسكرية التي تستهدف جنوب كردستان، كما تتزامن مع تعزيز التعاون بين أنقرة وبغداد الذي جسدته اتفاقية أمنية تتضمن إنشاء مراكز عسكرية مشتركة في العاصمة العراقية وبعشيقة بالقرب من من مدينة الموصل، وتشمل التعاون في مجالات مثل التدريب العسكري والشرطي وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتدابير الأمن الحدودي.
العصا والجزرة
يقول هاني الجمل الباحث في العلاقات الدولية والإقليمية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن النظام التركي يتعامل بفكرة العصا والجزرة في مواجهة حزب العمال الكردستاني، فنجده كأنه يستخدم الجزرة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق (البارزانيين)، ويستخدم العصا تقريباً مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (الطالبانيين)، والهدف واضح هو إما الحث على مزيد من المواجهة مع حزب العمال الكردستاني بالنسبة للأول، أو تقليل الدعم من قبل الثاني، على حد قوله.
وأضاف الجمل أن أنقرة بالتعاون مع البارزانيين أقامت عديداً من النقاط العسكرية في جنوب كردستان في إطار مساعيها للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وفي سبيل ذلك فإنها تتحدث معهم عن مشروعات التنمية (كجزرة أيضاً للبارزانيين)، في وقت يقوم الاحتلال التركي بعمليات عسكرية عدوانية تشكل انتهاكاً واسعاً للقانون الدولي ولسيادة الدولة العراقية، والأمر ذاته يحدث من قبل أنقرة في سوريا وينتهك كذلك بشكل واضح السيادة السورية.
ويؤكد أن هذا التوافق بين البارزانيين وأردوغان في مسألة القضاء على حزب العمال الكردستاني، يهدف إلى الحد من نفوذ الحزب، وإيجاد وسائل ضغط كذلك على الكرد الأتراك لقبول التعديلات الدستورية التركية المزمع تقديمها والتي تسمح لأردوغان بالترشح لولاية جديدة، مشدداً أن الأمر برمته يعبر عن اهتمام الرئيس التركي بأهدافه الخاصة وأن يكون هو الفائز الوحيد بصرف النظر عن أي شيء، ولهذا فإنه يعمل على "تقليم أظافر المقاومة الكردية" وسط توافق معه من قبل بعض القوى الدولية.
ويؤكد مراقبون أن عائلة البارزانيين فضلت التحالف مع تركيا من أجل ضمان استمرارها على رأس السلطة في إقليم كردستان، وكذلك الهيمنة على ثروات هذه المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب القضية الكردية، إلا أنهم يرون كذلك أن البارزانيين سيكونون أول من يبيعهم الاحتلال التركي إذا نجح في القضاء على حزب العمال الكردستاني، لأن هذا النظام يعادي جميع الكرد ولا يستثني منهم أحداً.