والكرد إحدى أكبر المجموعات العرقية في الشرق الأوسط جنباً إلى جنب مع العرب والأتراك والفرس، القوميات الأربع التي تشكل القوام الرئيسي للمنطقة، وبينما كانت هناك دولة أو عدة دول للقوميات الثلاث الأخريات حرم الكرد من حقهم هذا، ووزعت أراضيهم على 4 دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.
فمع انهيار الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، تم تقسيم أراضي الكرد المتصلة جغرافياً بين هذه الدول الناشئة دون أن يتم الاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم، وقد أتى ذلك إما نتاجاً لاتفاقية سايكس – بيكو أو معاهدات مثل لوزان التي مزقت الجسد الكردي الواحد بين عدة دول قومية مصطنعة بفعل قوى الهيمنة والاستعمار.
وحتى لما خاض الكرد على سبيل المثال حرب الاستقلال إلى جانب مصطفى كمال أتاتورك مقابل دولة تركية ديمقراطية تتسع لجميع المكونات ويتساوى فيها الأتراك بالكرد بغيرهم، لكن سرعان ما تخلى أتاتورك عن كافة التزاماته وتحولت دولته إلى إحدى أسوأ أدوات طمس وإنكار للهوية الكردية حتى يومنا هذا، كما أن الكرد في إيران كانوا كغيرهم من المكونات شركاء في الثورة ضد نظام الشاه من أجل دولة ديمقراطية إلا أن الخمينيين انقلبوا على وعودهم وأقاموا بدلاً من ذلك دولة ثيوقراطية قمعية.
مؤامرات تتواصل
أيضاً السنوات الماضية كانت شاهدة على مؤامرة جديدة على الشعب الكردي، فقد لعب الكرد في سوريا دوراً محورياً في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي وضحوا بأرواحهم وقدموا الشهداء في حرب خاضوها نيابة عن العالم، إلا أنه بعد هزيمة التنظيم وجدوا أنفسهم وكأنه قد تم بيعهم لتركيا من قبل بعض الأطراف الدولية المؤثرة التي فضلت مصالحها مع أنقرة، حيث يواصل الاحتلال التركي ضرباته ليلاً ونهاراً ضدهم ويقتل ويشرد الأبرياء ويدمر بناهم التحتية.
وقبل أيام مرت الذكرى 26 على بدء المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر عبدالله أوجلان، التي تشاركت فيها تركيا مع أمريكا ودول غربية والموساد الإسرائيلي، ليس لذنب اقترفه أو لجرم ارتكبه إلا أنه طالب بحقوق شعبه، وناهض فكرة الدولة القومية التي أرستها قوى الاستعمار وكذلك أفكارها للهيمنة على المنطقة وسلب ثرواتها، وطرح أفكاراً مثل الأمة الديمقراطية من أجل مجتمعات تقوم على الاعتراف المتبادل والعيش المشترك.
في تركيا على سبيل المثال تم حظر اللغة الكردية لفترات طويلة واعتبر التعبير عن الهوية الكردية نوعاً من الانفصالية، كما شهد العراق فترات اضطهاد عنيفة بحق الكرد في عهد صدام حسين، أبرزها حملة الأنفال التي راح ضحيتها آلاف المدنيين الكرد، كما كانت مناطق الكرد غالباً مركزاً لصراعات إقليمية ودولية بسبب موقعها الجغرافي الذي يتقاطع مع مصالح متعددة، مما جعل هذا الشعب يعاني من تكرار النزاعات المسلحة التي دفع ولا يزال يدفع ثمنها.
ساحة صراع تاريخية
يقول الدكتور علي أحمد السيد أستاذ التاريخ الوسيط، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الكرد دفعوا الثمن لطبيعة موقعهم الجغرافي، فهم يقطنون منطقة جبلية منحدرة سهلية فيها كل أسباب الحياة السليمة التي تشجع التجار على الانتقال إلى أراضيهم، كما بها مجرى نهر الفرات الذي قامت الحضارات حوله، ومع الأخذ في الاعتبار ثروات تلك المناطق ونشاط الشعب الكردي الدؤوب كانت التجارة نشطة في مناطقه.
وأضاف أن مناطق الكرد إذا قد كانت مميزة أمام حركة التجارة، فإنها كذلك كانت مهمة لانتقال جيوش وقوات الإمبراطوريات المجاورة، ولهذا كانت أرضهم موضع تنقل للجيوش، حيث وقع الكرد بين عدد من الأمم القوية مثل العرب والفرس والأتراك والأرمن، ومن وراء هؤلاء الصين والهند شرقاً وأوروبا وروسيا غرباً، وإذا كان الكرد يقعون في منطقة متوسطة بين هذه الأمم فإنهم أصبحوا مجالاً للصراع وهي بمثابة حاجز للأمم، ولهذا تسمى مناطق الكرد بـ"دولة الجيب" أو "الدولة المتوسطة" بين الدول الكبيرة، ولهذا كانت ساحة للتفاهمات والتوافقات بين القوى الإقليمية والدولية تاريخيا وقد وقعوا ضحية لها في كثير من الأوقات.
تفاهمات على حساب الكرد
وحتى تلك الأمم المتصارعة فيما بينها تشهد التطورات الجارية كذلك أنها يمكن أن تتفاهم وتتوحد في مواجهة الشعب الكردي مهما كان بينها من خلافات، وعلى سبيل المثال شهدت الفترة الماضية تنسيقاً كبيراً وتفاهمات بين تركيا وإيران في مواجهة الكرد وخاصة في شمال وشرق سوريا من أجل إحباط تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
كما أن بعض الأوساط السياسية وربما الحاكمة في العراق المعروفة بموالاتها لإيران تغض الطرف عن ضربات الاحتلال التركي المتكررة في جنوب كردستان، التي أزهقت أرواح الأبرياء وشردت وهجرت آلاف الآمنين من قراهم، بل عندما رفضت بعض القوى ذلك وانتقدت موقف حكومة محمد شياع السوداني تدخلت طهران ليتم رأب هذا الصدع لصالح تفاهماتها مع أنقرة.
يقول السياسي الكردي العراقي الدكتور حكيم عبدالكريم، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الطبيعة الجغرافية للكرد ووقوعهم بين الإمبراطوريتين الكبيرتين العثمانية والفارسية حرمتهما من توحيد صفوفهم وأراضيهم، ومع قيام فكرة الدولة القومية التي أرساها الاستعمار في المنطقة تم تقسيم أراضي الكرد "بمقص"، على حد قوله.
ويضيف عبدالكريم أن الإشكالية الثانية أن الكرد وسط هذه القوى لم يكن لديهم مشروعاً سياسياً موحداً دقيقاً متقناً يمكنهم من التعامل برؤية مع ما يدور حولهم والأمر ينطبق – وفقاً له – حتى على قوى التحرر الكردية، ولهذا فإن الكرد كانوا ضحية للخارج وللداخل كذلك ممثلاً في بعض النخب الكردية والإيديولوجية التي تحولت جزء رئيسي في عمق الأزمة الكردية وكذلك أزمات المنطقة.
ويلفت السياسي الكردي إلى إشكالية أخرى لوضع الكرد هذا، إذ قال إن بعض القوى تاريخياً والآن حاولت اللعب على وتر الوازع الديني لدى الكرد، وبدلاً من الاعتراف بهوياتهم حاولوا صهرهم في إطار أنهم جزء من الأمة الإسلامية، كالدولة العثمانية التي وظفت طاقات الكرد لمحاربة الصفويين والأرمن، مؤكداً أنه لا يزال حتى الآن هناك قوى كردية في جنوب كردستان ضمن تيارات الإسلام السياسي تروج لهذه الأفكار ولهذا فهي قريبة من تركيا الآن.
وما من شك أن منطقة الشرق الأوسط تشهد الآن تطورات متسارعة وغير مسبوقة، كما أن هناك فيما يبدو إرهاصات لتحولات في هيكل النظامين الدولي والإقليمي، ولهذا فإن هناك بعض القوى مثل إيران وتركيا تحاول أن يبقى وضع الكرد كما هو، مستغلين المصالح المشتركة مع القوى الدولية الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة اللتان لديهما ما يشغلهما في الوقت الحالي.