أولها الصمت عن الاحتلال للشمال السوري.. قراءة في الشروط التركية للتطبيع مع دمشق
تستمر الرسائل بين أنقرة ودمشق حول تطبيع العلاقات بينهما، والتي كان آخرها الشروط التركية وأولها عدم الحديث عن الانسحاب من الشمال السوري أو بشكل أدق "شرعنة" احتلالها.
تستمر الرسائل بين أنقرة ودمشق حول تطبيع العلاقات بينهما، والتي كان آخرها الشروط التركية وأولها عدم الحديث عن الانسحاب من الشمال السوري أو بشكل أدق "شرعنة" احتلالها.
حددت مصادر في وزارة الخارجية التركية، 4 شروط لعودة العلاقات التركية - السورية إلى مستويات ما قبل عام 2011، تتمثل في تطهير سوريا من العناصر الإرهابية، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة، وإنجاز العملية السياسية ودستور جديد في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، مع ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية.
وتحدثت المصادر صراحة أن سحب تركيا قواتها من سوريا "غير ممكن" حالياً بسبب ما اسمته بـ"التهديدات الإرهابية" للحدود الجنوبية للأراضي التركية، مما يفتح باب التساؤلات حول تلك الشروط ومدى ارتباطها بشرعنه الاحتلال التركي والتحالف ضد قوات سوريا الديمقراطية.
الشروط التركية
تقول ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه تمثلت الشروط التركية شريطة التطبيع مع حكومة دمشق أربعة شروط الذي تتعلق بالعودة الآمنة للاجئين، ومكافحة الإرهاب، وعملية انتقال سياسي ودستور جديد وفق القرار الأممي 2254، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين.
وأضافت، أنه بالعودة إلى الشروط التي فرضتها تركيا لوجدنا بأن تركيا هي المعرقل الأساسي لكل تلك الشروط، حيث لم يعد خافياً على أحد علاقات أنقرة ودعمها المباشر لتنظيم داعش على كافة الأصعدة وقادة التنظيمات الإسلاموية المسلحة التي ترتكب جميع أنواع الانتهاكات بحق السوريين وبالتالي تشكل تهديد جدي على حياة المدنيين، وهذه بيئة طاردة للمدنيين.
الأراضي السورية المحتلة من تركيا
تعتبر أكثر الملفات الشائكة بين حكومة دمشق وأنقرة هو الأماكن التي تحتلها تركيا في الشمال السوري، والتي تبلغ مساحتها 8835 كم² وتشمل أكثر من 1000 بلدة محتلة، بما في ذلك مدن مثل عفرين، كري سبي، سري كانيه، الباب، أعزاز، دابق، جرابلس، جندريسه، راجو وشيخ الحديد، والتي استولت عليها تركيا في حملاتها المتتابعة درع الفرات التي شنتها ضد تنظيم داعش وحملتي التي سمتها بـ غصن الزيتون ونبع السلام التي شنتها ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وعبر الجانبان عن حساسية بند الانسحاب من الأراضي المحتلة، حيث ذكر ذلك الرئيس السوري بوضوح قائلاً: هدفنا هو الانسحاب من الأراضي السورية.. هدف أردوغان من الجلوس معي هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا"، بينما وضعت تركيا أحد شروطها بعدم الحديث عن الانسحاب العسكري".
وأوضحت "ليلى موسى"، أن ما يثير مخاوفها أن تركيا أكدت على لا انسحاب على المدى المنظور، وسوريا تراجعت عن شرط انسحاب مقابل التطبيع، وخاصة أن التاريخ التركي معروف بأن الأراضي التي تحتلها أنقرة لا تخرج منها وأن لم تنل الاعتراف الدولي مثل قبرص على سبيل مثال، وكذلك لواء الإسكندرونة التي احتلتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، متسائلة عن وضع الأراضي المحتلة في الشمال السوري وهل ستكون تجربة مشابهة لنماذج سابقة الذكر، مما يعني نسف للقرار 2254، وقبول دمشق شرط بقاء تركيا، وهو يعد مرحلة جديدة من الإدارة بالأزمة السورية بدلاً من إدارة الأزمة وحلحلتها بما يلبي تطلعات الشعب السوري.
بينما تقول عضوة مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي في حلب روشين موسى في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هناك مؤامرة على كرد عفرين وربما يوافق النظام على بقاء تركيا في عفرين فقط لمدة أطول من باقي المناطق المحتلة بحيث يتم التنسيق مع ما بين الروس والنظام وتركيا للضغط على قوات سوريا الديمقراطية عبر مهجري عفرين بالشهباء وحلب واستغلالها كنقطة نقطة ضعف، مشيرة إلى انه انكشف التنسيق بين الجانبين بمؤامرة الهفل في دير الزور تحت غطاء تمرد العشائر.
وأضافت، أن الخطة المؤكدة ما بين هذه القوى هي تشكيل فصيل من الجيش الحر وقيادتهم تحت رعاية الروس وتوجيههم نحو قوات سوريا الديمقراطية، وكل من يرفض قتال قسد سوف يعتقلونه ويضعونه في السجن.
ومن جهته يرى بوزان كرعو، الباحث الكردي والمتحدث باسم مركز الجيواستراتيجي للدراسات في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)، أن تركيا تتعامل بحذر مع مسألة الانسحاب العسكري من شمال سوريا لأنها تعتبر هذا الوجود ضرورياً لأمنها القومي، خشية من حصول الكرد على أي انجاز قد يؤثر مستقبلا على الوضع الكردي في تركيا، إذ تحاول أنقرة ان تجهض أي محاولة كردية من خلال إنشاء ما تسمى بالمنطقة الآمنة يمكن من خلالها إعادة توطين بعض اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا لإحداث التغير في بنية المنطقة الكردية، ولذلك تركيا تحاول تجنب الحديث عن الانسحاب كشرط مسبق للتطبيع، لأنها تخشى من فراغ أمني قد تستغله القوات الكردية في استعادة المناطق الكردية المحتلة، مما قد يهدد مصالحها الأمنية.
وأضاف، أنه من غير المرجح أن يقوم النظام السوري بشكل علني بشرعنة الوجود التركي، حيث إن النظام يعتبر تركيا قوة احتلال وتطالب دمشق باستمرار بانسحاب القوات التركية، ومع ذلك، يمكن أن تتغاضى دمشق بشكل غير مباشر عن الوجود التركي في حال حصولها على مكاسب سياسية وأمنية معينة، مثل التعاون ضد الادارة الذاتية و قوات سوريا الديمقراطية، مبيناً أنه إذا تطور التعاون الأمني والسياسي بين الجانبين، فقد تتجه دمشق إلى تجاهل الوجود التركي بشكل مؤقت، خصوصاً إذا كان ذلك سيساهم في ضرب القوى الكردية و استعادة السيطرة على كامل جغرافية سوريا، وهو أمر مشترك بين الطرفين، لكن من الصعب تصور قبول شرعنة دائمة دون انسحاب تركي نهائي.
اللاجئين السوريين
وضعت أنقرة ضمان عودة اللاجئين السوريين كأولى شروطها من أجل الموافقة على التطبيع مع النظام السوري، وتزعم أنقرة إنه منذ 1 كانون الثاني 2023، كان هناك أكثر من 3 ملايين ونصف لاجئ سوري مسجل على أراضيها.
وترى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة، أن تركيا تستثمر ورقة اللاجئين السوريين في البازارات الدولية ومازالت ماضية في ذلك، إلى جانب سياساته الغير عادلة حيال السوريين وثقافة الكراهية التي يمارسها العنصريين الأتراك حيال المواطنين السوريين داخل تركيا وقادة الفصائل داخل سوريا.
ولم تغفل ليلى موسى ذكر تحكم أنقرة بالمعابر بين سوريا وتركيا والفصائل المسلحة وبالتالي اسهاماتها المجحفة في التوزيع غير العادل للمساعدات وحرمان الكثير من المناطق من المساعدات، ودورها بالضغط عبر حلفائها بإغلاق معابر دولية كانت مخصصة لإيصال المساعدات الإنسانية معبر تل كوجر على سبيل المثال.
وأشار "كرعو"، إلى إن تركيا ترغب في إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا وخاصة ذات الغالبية الكردية بهدف إحداث التغيير الديمغرافي لإعاقة أي منجز كوردي باطنيا وتمكين عودة اللاجئين السوريين من المناطق الأخرى الذين تستضيفهم.
وأضاف، أنه من الأوراق التي تحاول تقديمها أنقرة كهدايا لحكومة دمشق في هذا الملف هو التنسيق في قضايا اللاجئين، حيث قد تساعد أنقرة في تسهيل عودة اللاجئين إلى مناطق معينة تحت سيطرة النظام، مما يمكن أن يُعتبر دعماً للنظام على الصعيدين الأمني والاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية أو تسهيلات تجارية من شأنها دعم الاقتصاد السوري المنهار، وهو أمر قد تستخدمه كورقة ضغط لتحسين العلاقات.
عملية الانتقال السياسي
شملت الشروط التركية عملية الانتقال السياسي وتنفيذ القرار 2254 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع في 18 ديسمبر\كانون الأول 2015، والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، ويعتبر القرار هو المرجع الدولي للتعامل مع الأزمة السورية.
وأشارت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة، إلى أنه فيما يخص عملية الانتقال السياسي وتنفيذ القرار 2254 الذي يحض على نقاط عدة منها تحكمها ومصادرتها لقرار الائتلاف وحكومة الإنقاذ وبالتالي منع أي تواصل سوري حقيقي يفضي إلى حوار سوري- سوري يخدم مصالح الشعب السوري لا تلبي الأجندات التركية، بالإضافة إلى العامل الأهم والذي يضر بالقرار 2254 وهو الاحتلال التركي للجغرافية السورية والذي ينافي بند أساسي في القرار الذي ينص على وحدة وسيادة سوريا شعباً وأرضاً.
وأوضح "كرعو"، أن تركيا تشدد على ضرورة دعم العملية السياسية في سوريا وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، وصياغة دستور جديد للبلاد، وأن يكون هناك تقدم في هذه العملية كجزء من شروط التطبيع، مبيناً أن أنقرة ترغب من خلف هذا البند ضمان سلامة المعارضة السورية المدعومة من قبلها وعدم تعرضها للقمع أو الملاحقة من قبل النظام في حال عودة العلاقات إلى طبيعتها.
التحالف ضد الإدارة الذاتية
يعتبر البعض التطبيع التركي السوري هو في حقيقة الأمر تحالف ضد الإدارة الذاتية، وفي هذا السياق يقول الباحث الكردي، إن الشرط التركي الأهم هو التعاون مع النظام السوري لمحاربة الكرد في عدم السماح لهم بالحصول على أي خصوصية و القضاء على الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي بمشاركة مكونات المنطقة ومؤسساتها المدنية والعسكرية وخاصة وحدات حماية الشعب (YPG) التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، حيث تريد تركيا ضمان عدم السماح لهذه الفصائل بالسيطرة على المناطق القريبة من حدودها.
وبيّن كرعو، أن أنقرة قد تقدم للنظام السوري تعاوناً عسكرياً وأمنياً ضد القوات الكردية والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وهذا التعاون يمكن أن يكون جاذباً للنظام السوري إذا رأى فيه وسيلة لاستعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته.
العقبات أمام الاتفاق
توجد العديد من العقبات أمام أي اتفاق تطبيع بين الجانبين، والتي عبر عنها الرئيس السوري عندما تساءل ساخراً: "لماذا نلتقي أنا وأردوغان؟! لكي نشرب المرطبات مثلاً!"
ولفت الباحث الكردي، إلى أن هناك انعدام ثقة كبير بين تركيا والنظام السوري، حيث يعتبر النظام السوري الوجود التركي في شمال سوريا احتلالاً، بينما ترى تركيا النظام كتهديد لأمنها القومي بسبب محاربتها القوات الكردية، بالإضافة إلى الموقف الدولي، خاصة المواقف الأميركية والأوروبية، يشكل عائقاً أمام أي تقارب تركي سوري، حيث تفرض عقوبات على النظام السوري وتدعم قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي تقودها وحدات حماية الشعب.
كما ترى "روشين موسى"، أنه توجد عقبات أمام تنفيذ المخطط السوري التركي وهي الوضع التركي الداخلي المتآكل و القرارات الدولية بوقف القتال والبدء بمرحلة المفاوضات السياسية وعدم التطبيع مع النظام وإيران وهذان العاملان تقض مضاجع أردوغان وتفشل خططه في الوقت الراهن، وكل الأطراف لا تثق ببعضها البعض فمثلا النظام لا يثق بالوعود التركية وبالتالي النظام يخشى من توريطه في حرب مع قسد المدعومة من التحالف الدولي ومعاداة الكرد والتي تعد مسألة حساسة لحكومة دمشق، لذلك الكل ينتظر أن يبدأ الآخر بالعمل العسكري خشية من غضب التحالف الدولي.
ولفتت القيادية في حزب الاتحاد الديمقراطي بحلب، إلى أن روسيا لا تثق بالأتراك وتريد توريطهم بحرب مع الناتو وأمريكا، وحتى إيران لا تثق لا بـ تركيا ولا حتى بالنظام السوري، ونتيجة هذه التناقضات لن تستطيع تركيا اللعب أكثر ومضطرة للعودة إلى الناتو ومحاربة روسيا وإيران، وطبعا لا تستطيع الاستمرار أكثر في التطبيع مع النظام السوري بسبب الضغط الامريكي، والرأي العام مع الحل السوري-السوري الذي يرضي كافة مكونات شمال وشرق سوريا.
تعديل السلوك التركي والسوري
بينما لا تزال توجد لدى الشارع السوري سؤال عالقة بشأن الحديث عن التطبيع وهو هل تعدل كل من حكومتي دمشق وانقرة من سلوكهم تجاه الشعب السوري.
ويقول عبد الرحمن ربوع، الصحفي والباحث السوري في تواصل هاتفي مع وكالة فرات (ANF)، إنه بطبيعة الحال يجب أن تكون أي عودة لتطبيع العلاقات بين أي حكومتين أو نظامين على أساس رفض أي شروط مسبقة، ولكن في الحالة السورية التركية فإن كل طرف يعتبر الطرف الآخر معتدياً، ويجب عليه تصحيح الأوضاع والأخطاء التي تراكمت عبر أكثر من ثلاثة عشر سنة.
وأضاف، أن تركيا تطالب النظام السوري بتصحيح أوضاعه وتغيير سلوكه، وهذه رؤية دولية وعالمية تنادي بها كل الدول. بما في ذلك مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وتغيير السلوك هذا ينطوي على وقف ارتكاب الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية والمخابراتية لجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين والكشف عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين. بالإضافة إلى التوقف عن إنتاج وتصدير المخدرات ووقف الاتجار بالبشر.
وأشار ربوع إلى أنه من جهتها ترى دمشق أن على تركيا سحب قواتها من سوريا. والتوقف عن دعم فصائل المعارضة، وحل مليشيات المرتزقة التي أسستها ودعمتها وتستخدمها في مشاريعها التوسعية وعملياتها الإرهابية سواء في سوريا أو كردستان أو ليبيا أو أي دولة أخرى ترسلهم إليها كمرتزقة.
وشدد الباحث السوري في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذه الشروط كلها شروط وجيهة ومعتبرة قبل أي تقارب سياسي مزمع بين الرئيس رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، ولا يمكن إبرام أي اتفاق ناجح بين الطرفين بدون إجراءات بناء الثقة وتصحيح الأوضاع التي أدت إلى تأزم العلاقات بين الجانبين.