تدعي الحكومة العراقية خلال الفترة الماضية بأنه لم يعد هناك مبرر لوجود القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في الأراضي العراقية لا سيما مع هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن الملاحظ أن هذا الحديث لم يطفو على السطح إلا مع تصاعد المواجهات بين بعض الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران مع الولايات المتحدة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة الذي يتواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبينما يروج رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن عملية الانسحاب تسير وفق خطة موضوعة تنتهي في 2026 وتلميحات إلى خروج بعض الأفراد بنهاية العام الجاري، نفت الولايات المتحدة صحة تلك الأنباء، كما أن بعض الدول الشريكة في التحالف مثل فرنسا أكدت استمرار وجودها، وبالتالي نحن أمام تساؤلات متواصلة حول جدلية هذا الانسحاب بين واشنطن وبغداد ومن يملك القدرة على اتخاذ هذا القرار أو فرض تنفيذه.
مجرد أمنيات؟
يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن التحالف الدولي لم يصدر بياناً رسمياً بشأن إخراج قوات أو أفراد تابعين له من الأراضي العراقية، معتبراً أن أي حديث عراقي عن هذا الأمر نوع من الأمنيات ليس أكثر خاصة أنه كان هناك نفياً من وزارة الدفاع الأمريكية لتلك المزاعم.
وشدد فيصل أنه حسب قراءته للنقاشات الخاصة بانسحاب القوات الأمريكية فإنه لا يوجد قرار بعد من واشنطن بمغادرة قواتها، مضيفاً أنه لو كان هناك قرار لأعلنت الإدارة الأمريكية ذلك صراحة كما حدث من قبل عندما تم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وفيتنام، معتبراً أن الإعلان الأمريكي وقتها هو الذي سيحسم مصير تلك القوات.
وأكد الخبير السياسي العراقي أنه لن يكون هناك انسحاب لقوات التحالف أو القوات العراقية أو أي من المستشارين المتواجدين في العراق، وبالتالي نحن واقعياً أمام بيان عراقي بشأن الانسحاب يعبر عن تمنيات من قبل بعض القوى السياسية العراقية، داعياً إلى متابعة المواقف الأمريكية الرسمية التي من خلالها يمكن استقراء مستقبل التحالف الدولي وتواجده على الأراضي العراقية.
وكان وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي أعلن في تصريحات تليفزيونية أنه قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن انسحاب قوات التحالف على مدى سنتين، حيث تبدأ المرحلة الأولى قبل نهاية العام الجاري وتنتهي العام المقبل في 2025، فيما تنتهي المرحلة الثانية لخطة الانسحاب في 2026.
مأزق الحكومة العراقية
يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، خلال اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يقع تحت ضغط شديد من قبل الفصائل الموالية لإيران، مشيراً إلى أن طهران ترى في العدوان الإسرائيلي على غزة فرصة للضغط من أجل إخراج القوات الأمريكية ليس من العراق فقط بل من سوريا كذلك.
وأضاف اليمني أنه في المقابل فإن الإدارة الأمريكية الحالية رأت أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط الآن مهيئ بشكل كبير لتكثيف تواجدها مرة أخرى وتعزيز حضورها السياسي والعسكري في ظل الزحف الروسي الصيني نحو المنطقة، ومن هنا فإن حكومة السوداني تقع بين الرغبتين المتضادتين والمتصارعتين الإيرانية والأمريكية.
وتساءل خبير العلاقات الدولية حول ما إذا كانت حكومة السوداني صاحبة قرار من الأساس بشأن تواجد قوات التحالف الدولي، لافتاً إلى أن توقيت تصاعد المطالب بخروج تلك القوات له هنا كثير من الدلالات فلم تظهر بتلك الدرجة إلا في ظل الحرب على غزة، لأن طهران ربما تفكر في إمكانية تكرار "السيناريو المهين" لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان سابقاً.
وهناك ما يقارب من 2500 جندي أمريكي لا يزالون يتواجدون في العراق ضمن التحالف الدولي، تحت مهمة تدريبية واستشارية ومعاونة القوات العراقية، بعد أن خفض عددهم إثر دحر تنظيم داعش من البلاد عام 2017، وربما يفرق البعض بين التحالف الدولي والقوات الأمريكية إذ قد يكون هناك انسحاب من قبل الأول، لكن الثانية لن ترحل حسب بعض وجهات النظر.
ويرى بعض العراقيين أن وجود قوات التحالف الدولي ضرورة في ظل مخاوف مستمرة من إحياء التنظيمات الإرهابية نشاطها مرة أخرى هذا على الصعيد الأمني، إلا أنه على الصعيد السياسي هناك من يرى أن وجودها ضرورة كونها تخلق حالة من توازن النفوذ داخل الأراضي العراقية في مواجهة النفوذ الإيراني ونفوذ الفصائل والقوى السياسية الموالية لطهران.