وحسب كثير من تسريبات نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية فإن قوة كوماندوز إسرائيلية نفذت اقتحامًا دمرت من خلاله منشأة لتصنيع الصواريخ تابعة لحزب الله داخل الأراضي السورية بالقرب من الحدود مع لبنان، ما تسبب في مقتل عدة أشخاص، فضلًا عن ذلك فإن معلومات تشير إلى أن تلك القوة قد تكون صادرت بعض المواد الاستخباراتية المهمة في موقع الاستهداف الفريد من نوعه.
ولم تمض سوى أيام قليلة حتى نفذ الموساد الإسرائيلي عملية جديدة هذه المرة داخل لبنان من خلال اختراقه سلسلة توريد لشنحة من أجهزة "بيجر" اللاسلكية التي يستخدمها حزب الله اللبناني ودس مادة متفجرة داخلها يتم التحكم بها بشفرة، وقد كانت قادمة من شركة "جولد بولو" التايوانية، الأمر الذي أدى إلى سقوط قتلى ومصابين بينهم السفير الإيراني لدى بيروت.
هل حدث إنزال أم لا بالفعل؟ وكيف تم اختراق أجهزة البيجر؟ هذه أسئلة مطروحة وتتباين الإجابات حولها، إلا أن الأكيد وفق مراقبين أن إسرائيل تقوم بتطوير أنماط وأدوات المواجهة مع وكلاء إيران، خصوصًا مع اعتمادها نسبيًا في الفترة الأخيرة على ما يعرف بـ"خطة شمشون" أو "الملاذ الأخير"، وفق أجهزة الأمن الإسرائيلية.
تحول استراتيجي
"نحن أمام تطور في استراتيجيات المواجهة مع وكلاء إيران"، بتلك العبارة استهل هاني سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات تعليقه على عملية الإنزال الإسرائيلية التي جرت مؤخرًا داخل الأراضي السورية والتي وصفها "بعملية نوعية" تعبر بشكل أولي عن نوع من الجرأة العسكرية، إذ أنه نادرًا ما تقوم إسرائيل بإنزال بري في مواجهاتها الإقليمية.
وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن إسرائيل تعي جيدًا أن ما يحقق تفوقها هو سلاح الجوي ونهج الضربات المحددة، لكن معروف أن مسألة الإنزال البري لا تحقق لها التفوق الذي تريده، معتبرًا أن لهذه الأسباب فإن هذه العملية تضعنا أمام تحول نوعي ونمط جديد من أنماط المواجهة وقد تكرره إسرائيل مستقبلًا.
ويقول سليمان إن هذه العملية تأتي في إطار التحركات الإسرائيلية التي تستهدف تجريد حزب الله من أدوات قوته وتسليحه عبر الأراضي السورية وكذلك عمليات التصنيع التسليحية التي تزيد قوة الحزب، وبالتالي تهدف إلى وقف خطوط إمداده وتجفيف تلك المنابع، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذا الأمر يشكل مخاطرة كبيرة من الجانب الإسرائيلي لما يفتقر إليه من خبرات في مجال الإنزال العسكري البري.
ورغم عدم إعلان تل أبيب مسؤوليتها كالعادة، فإن التقارير الصحفية الإسرائيلية المختلفة وصفت العملية بالمداهمة الجريئة التي نفذتها القوات الخاصة الإسرائيلية والتي هدفت إلى الوصول إلى نقاط سرية للحصول على معلومات الأسلحة التي يجري تصنيعها لصالح حزب الله حليف إيران الرئيسي في المنطقة، على نحو يعني أن إسرائيل تطور أدواتها وآلياتها يومًا تلو الآخر في مواجهة أذرع ووكلاء إيران.
شكوك حول الإنزال؟
الكاتب الصحفي السوري عبدالرحمن ربوع يبدو أن لديه رؤية أخرى فيما تم الكشف عنه من قبل الإعلام الإسرائيلي فيما يتعلق بطبيعة العملية التي جرت في مصياف أي قيام إسرائيل بإنزال بري، إذ يؤكد أنه لا يستطيع تصديق أن إسرائيل يمكن أن تقوم بعملية كهذه داخل الأراضي السورية.
ويضيف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن إسرائيل عندما تقوم بمثل هذه الضربات فإنها تنفذها من خلال البحر أو من داخل الأجواء اللبنانية لكن لا تدخل الأجواء السورية ويمكن أن تستخدم نوعًا من القنابل الذكية عبر الأقمار الصناعية، مشيرًا إلى أن هناك حوالي 100 ألف مقاتل إيراني على حد قوله داخل سوريا، معتبرًا أن الحديث عن إنزال جوي أمر لا يصدق، حسب تعبيره.
"خيار شمشون" إلى الواجهة
خبرات الأشهر الماضية شهدت بدورها تحولات في الضربات التي يقوم بها وكلاء إيران والتي كان آخرها إطلاق صاروخ باليستي من قبل جماعة الحوثيين اليمنية باتجاه إسرائيل، وهنا يبدو في الوقت الحالي أن تل أبيب بصدد استدعاء مفهوم "خيار شمشون" أو "خطة الملاذ الأخير" النووية ولكن بالوسائل التقنية، أي تحقيق الردع بالوسائل التخريبية وليس بالسلاح النووي.
يقول الدكتور طارق فهمي الخبير المصري البارز في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الهجوم على مصياف حدث بالفعل، إلا أن مسألة الإنزال الإسرائيلي في الأراضي السورية قد تكون نظريًا ممكنة لكنها لم تثبت ولو حدثت لأعلنت عنها إسرائيل بالفعل من باب التفوق العسكري.
لكن فهمي يرى أنا ما يجب الانتباه له في ضوء عملية مصياف وانفجارات البيجر بلبنان أن إسرائيل تطور بشكل كبير المواجهات والاخترافات التي تقوم بها، لدرجة أن مسألة الاغتيالات أصبحت أمورًا قدمية الآن بالنسبة لها، وهو ما يعني وفقًا له أن علماء المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي هم من يتقدمون الصفوف الآن في المواجهات الجارية.
ويرى الخبير السياسي أن إسرائيل بالفعل في طور الاستدعاء لـ"خيارات شمشون" أو خطط الملاذ الأخير لتحقيق الردع من خلال استخدام التكنولوجيا في عملياتها التي ستقوم على تخريب بعض مواقع تصنيع الأسلحة، ويمكن أن تخترق أنظمة أسلحة في يد خصومها أو تعطيل سفن، مشيرًا إلى أن تل أبيب فعلت ذلك من قبل في بعض المواقع النووية الإيرانية فقامت بتخريبها وفي نفس الوقت سرقة بعض المواد التي يمكن الاسفادة بها استخباراتيًا.
ومنذ العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تصاعدت حدة المواجهات بين تل أبيب وإيران ووكلائها في المنطقة، ورغم اعتماد نهج "ضربة مقابل ضربة" لا تزال المخاوف تتصاعد من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، حيث لم تعد المواجهات قاصرة على حدود القطاع الفلسطيني.