يعاني الشرق الأوسط من الكثير من المشكلات والتي ألقت بظلالها على واقع الثقافة والمثقفين داخله وصنعت أزمة المثقف الحالي، ولذلك حاورت وكالة فرات (ANF) الفيلسوف حسن حماد أستاذ الدراسات الفلسفية المعاصرة وعلم الجمال بقسم الفلسفة والعميد الأسبق لكلية آداب الزقازيق، وأستاذ كرسي الفلسفة لليونسكو بمصر، وعضو اتحاد كتاب مصر، حول أزمة الثقافة والمثقفين في الشرق الأوسط وفلسفة القائد عبد الله اوجلان وبعض ملامحها مثل نقد الدولة القومية وقضية المرأة والعزلة الجسدية التي يتعرض لها القائد وأسره لمدة تجاوزت الـ25 عام، وإلى نص الحوار:
كيف ترى أزمة الثقافة والمثقف حالياً؟
يعد مفهوم الثقافة بالمعنى الخاص المرتبط بطبقة المثقفين مرتبط بالأوضاع العامة ولا نستطيع أن نفصل بين المناخ العام وقضية المثقف، حيث أن قضية المثقف تتشكل بدوره عبر الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي العام والواقع الديني فكل هذا يشكل صورة المثقف، في أي مجتمع من المجتمعات، صورة المثقف عموما كإبداع تتمثل في العلم وفي الأدب والفن، والفلسفة والعلوم الإنسانية، كل هذه الفروع ترتبط بقضية أساسية وهي قضية الحرية مساحة الحرية المتاحة، وبالنسبة للمثقف يكون له دور كبير جدا في تشكيل عقل ووجدان المثقف، وأيضا له دور رئيسي مهم بالنسبة للمجتمع أم أنه كائن زائد عن الحاجة كائن طفيلي بهذا المعنى هنا نجد نحن أمام سلطتين رئيسيتين السلطة السياسية والسلطة الدينية، كلما كان فيه هامش من الحرية بالنسبة للسلطة السياسية كلما كانت هناك حاجة ماسة وضرورية للمثقف ودوره واهميته، كلما كان هناك استقلال بين المؤسسة الدينية والمجتمع وتحييد للمؤسسة الدينية بحيث لا تمارس وصاية على المجتمع والمثقفين كلما استطاع المثقف أن يتنفس بحرية.
وتعتبر السلطة الثالثة التي لها دور كبير في تشكيل دور المثقف وأهميته السلطة الاقتصادية، الجانب الاقتصادي وخاصة في المجتمعات الرأسمالية الطفيلية نتكلم عن الرأسمالية الوطنية ونذكر دائما طلعت حرب، وهناك رأسمالية طفيلية ثرائها يعتمد على تجارة العملة وعلى العقارات، رأس المال الميت. هذه الطبقة لا تهتم بالثقافة، على العكس تنظر للثقافة أنها بلا قيمة، عندما نترجم الواقع الذي نعيش فيه نجد أن المثقف في هذه الفترة ومن عهد مبارك هو كائن طفيلي، كائن زائد عن حاجة المجتمع، لأن المسيطر أكثر هو المثقف الثقلي التكنوقراط.
من هو المثقف التكنوقراط وسر ظهوره؟
هو الرجل الذي يجلس على الكمبيوتر ويقول لك السيستم واقع، ليس لديه خيال، ليس لديه القدرة للتمرد على أي شيء، مجرد آلة يتوحد مع الآلة ويصبحوا شيء واحد، هذه الطبقة لا تصنع ثقافة، لكن هي طبقة تسود والنموذج الموجود في معظم المؤسسات، ومعظم المسؤولين من هذه الطبقة، من فترة طويلة رؤساء الوزراء مهندسين، هذه الفئة عيبها أنها ليس لديها خيال سياسي، ويحكمها أكثر البراغماتية أو النفعية، انعكس بصورة مباشرة على الخطاب التعليمي الآن، وما يحدث في مؤسسات التعليم تخريب للتعليم، لأن التعليم عماد الثقافة.
تشكل كلا من وزارتي التعليم والثقافة العقل الجمعي والفردي للمواطنين، ونظام التعليم في مصر تحول إلى مجرد سلعة، ولذلك تجد أن مدارس خاصة بدأت كثيرة تظهر وأصبح هناك تعليم موازي وهو ما كان مخطط له منذ أيام مبارك، وأصبح هناك تعليم مجاني، وتعليم بالأموال، أو بمعنى أدق تعليم للميسورين وتعليم للمقهورين، وهذا ترجم بشكل عملي تقريبا في أن كل جامعة حكومية يقابلها جامعة خاصة، وبالتالي أدى ذلك إلى تسليع التعليم، ونفس الشيء في المدارس، ناهيك عن أزمة أخرى وهي التعليم الديني، المتمثل في الأزهر حيث وصل أعداد من يدخلون التعليم الديني بدءاً من رياض الأطفال إلى الجامعة إلى ٤ أو ٥ مليون شخص، وهذه ظاهرة تنفرد بها مصر، لأن أي دولة في العالم بها كلية اللاهوت، لكن ما جدوى أن طبيب يدرس فقه وأحاديث ويدرس فكر، وهو فكر تراثي أحيانا يتعارض مع العلم نفسه، وبالتالي مسألة تديّن التعليم وتسليع التعليم لدينا كارثتين بالنسبة لمؤسسات التعليم، الأولى هي تسليع التعليم، والثانية تديّن التعليم وخضوعه للخطاب الديني.
كيف ترى دور الإعلام وارتباطه بقضية المثقف؟
بالنسبة للإعلام مشغول بفستان هند عاكف، ومشكلة شيرين عبد الوهاب وحسام حبيب، مشغول بسعد الصغير يعمل الإعلام على الأشياء التافهة، ويعمل الإعلام على الخطاب الفاضح يرتبط بالجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة والقضايا التافهة، لكن أين القضايا التي يتبناها الإعلام تخص الجماهير وتخص الدولة، وتخص مصلحة الدولة، وزارة الثقافة بها قصور الثقافة معظمها مجرد أبنية وموظفين كانوا زمان يقرأون الجرائد، الآن ليس لديهم ما يفعلوه، ليس لديهم خطة للنهوض بالثقافة في مصر، كل ما يحدث مجرد دعاية لكن منذ عدة سنوات بعد ثروت عكاشة وبعد فاروق حسني لم يأتي وزير لديه رؤية لتنشيط الحركة الثقافية في الواقع المصري، هذه المؤسسات أساس عماد المثقف، المثقف الآن مشروع خائب، كانوا يقولون على المثقف مشروع خاسر، لأنه ليس لديه دور، وأصبح رجل الدين الذي يمارس الوصاية على المقهورين والبؤساء والتعساء الذين ضاقت بهم الأرض الذين لا يجدون حل ويبحثون عن معجزة وعلى حل سحري، حيث أصبح رجل الدين المثقف الرئيسي الآن، في ظل مجتمع يبحث عن مخلص بهذا المعنى، أصبح المثقف بالمعنى التقليدي الذي ينشر الوعي ويحرض الناس على التحرر المثقف العضوي مرتبط بالطبقة التي ينتمي إليها ومرتبط بأهداف اجتماعية واقتصادية وسياسية ولديه رسالة، ولكن المثقف الرسولي لم يعد موجوداً.
وأصبح المثقف النجم عمرو خالد وعبد الله رشدي الحويني، هم السلفية أو الإخوانية من ينتمون للتيار السلفي أو التيار الإخواني، وبالتالي ليس لديك مثقف بالمعنى التقليدي بالمعنى العضوي ولكن عندنا صورة هزلية وشبحية للمثقف الذي ليس لديه دور. المثقف الحقيقي في وسط هذا المناخ وفي ظل سيطرة ثقافة السلع وفي ظل سيطرة اغاني المهرجانات أصبح معزولاً ومقصياً، ومنبوذا، وبالتالي المثقف خاليا في أزمة، والثقافة في أزمة، لأنها لم تعد تمثل لأصحاب السلطة تمثل قيمة ينبغي الحرص عليها أو ينبغي صيانتها من الضياع.
هل الفقر هو السبب في تغذية الإرهاب؟
يستخدم الإرهاب الجموع والسلطة التي يعتمد عليها هي الجموع لكن في نفس الوقت البعد الاقتصادي ليس وحده هو السبب لأن الجانب الفضاء العام يلعب دور كبير في تشكيل رؤيته للعالم، وتشكيل رؤيته الدينية، لكي تقاوم الإرهاب تقاومه بالثقافة والفن، والإبداع، حيث يوجد تسحر في هذه الروافد البديل هو الفكر الهوسي المتطرف، لكن البعد الاقتصادي دوره محدود، يمكن أن يكون محرك، لأن البسطاء ليس لديهم أمل وبالتالي اسمي التطرف عقيدة يأس لأنه ينتحر أو يصبح درويشاً.
كيف تري عملية اعتقال القائد عبد الله أوجلان لمدة ٢٥ عام؟
هذا رجل ظلم ظلما بيناً وهو مفكر وسياسي، ورجل شريف، للأسف الأنظمة القمعية تآمرت ضده.
هل ترى أن هذه الأنظمة ترى في استمرار اعتقال أوجلان هو لقهر الشعب الكردي أو عدم إعطاء الكرد حقوقهم؟
هذه قضية سياسية قديمة وهناك تحالف بين القوى الكبرى وبين القوى الداخلية التي تضطهد الكرد لأن القوى الكبرى تبحث عن مصالحها، المصلحة والنزوع البراغماتي هو الذي يحكم العالم، ولا توجد قيم ولا اي شيء.
كيف ترى فلسفة الأمة الديمقراطية وتجاوز فكرة الدولة القومية إلى الإدارة الذاتية؟
أفكار أوجلان تنويرية ومهمة جداً، ولكن أي فكرة لكي تتحقق لابد لها من قوة هذه هي المشكلة لابد أن يكون عندك قوة عسكرية الفكر وحده لا يكفي لابد أن يكون لديك سلطة تحرك هذا الفكر وتطبقه، والشعب الكردي شعب عظيم وعنده حضارة وثقافة، ولكن العالم محكوم بقوى بتوازنات تنعكس على دول الشرق الأوسط.
المرأة لا بد أن تأخذ حقوقها، واستفراد الرجل بمقاليد الأمور، وكانت من أفكار عبد الله أوجلان مشكلة المرأة، حيث المرأة ترتبط بالمشكلة السياسية وترتبط بفكرة سيطرة الفكر القبلي الذكوري، والفكر الديني، وفي العراق الشيعة والسنة لهم موقف سلبي من النساء. وبالتالي ينعكس ذلك على وضع الكرد في هذه المنطقة، وفي تركيا منذ أن نشأ تخالف ما بين أردوغان والإخوان وبالتالي ذلك انعكس على رؤية أردوغان السياسية، وموقفه من الدين وموقفه من المرأة.
هل ترى أن الوطن العربي مقصر في مساندة ودعم القائد عبد الله أوجلان؟
معظم الدول العربية تعاني من عدم وجود الحرية فكيف سيدافع عن حرية الغير وهو ليس حر، كيف لمن يفتقد الحرية أن يدافع عن حرية الآخر.