أحمد جلال بسيوني: الشعب الكردي معتز بقوميته والأتراك يشعلون الحرائق في المنطقة

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة غير مسبوقة، لا سيما مع التطورات المتلاحقة على صعيد القضيتين الكردية والفلسطينية، وخاصة التوافقات الأمريكية الإسرائيلية التركية.

أجرت وكالة فرات للأنباء (ANF) حواراً مع الدكتور أحمد جلال بسيوني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمنهور المصرية، وأحد المتخصصين في تحليل السياسات الدولية، ودار الحديث معه حول عديد من القضايا والملفات التي تتصدر الاهتمامات في الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وما لذلك من تداعيات على العلاقات المصرية – الأمريكية – الإسرائيلية.

تطرق الحوار كذلك إلى محور مهم للغاية يتعلق بتطورات القضية الكردية، لا سيما السياسات التركية، ومواصلة النظام التركي عدوانه على شمال وشرق سوريا، وما تقوم به أنقرة من مراهنات وألاعيب بالقضيتين الفلسطينية والكردية، إذ يؤكد "بسيوني" أن تركيا تتلاعب بمواقفها تجاه فلسطين مع الولايات المتحدة لتترك واشنطن لها الساحة خالية في الملف الكردي.

إلى نص الحوار:

*بداية، في ظل حالة التوتر الكبيرة بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل بشأن تهجير سكان قطاع غزة، هل اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب مهددة؟

- بشكل عام معاهدة السلام لن تتأثر ولن يستطيع أحد المساس بها، لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن ببساطة دخول القاهرة في عملية سلام مع تل أبيب كان مطلوباً على مدار السنين. ونحن رأينا أنه بمجرد تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أيام قال فيه إن تهجير الفلسطينيين ظلم تاريخي لا يمكن لمصر المشاركة فيه، ثم بعد ذلك كان هناك بياناً من وزارة الخارجية المصرية أشار إلى أن معاهدة السلام قد تكون في خطر. لاحظنا بعد ذلك حدثت التراجعات وتغيرت المواقف المتشددة على الفور، سواء من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكل القوى الدولية التي كانت داعمة لفكرة التهجير تراجعت؛ لأن المعاهدة بالنسبة لهم مسألة أمن شامل. وبالتالي بشكل عام لن يجرؤ أي طرف على اختراق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فهذه المعاهدة كانت أملاً منشوداً.

*كيف تفسر إذن السياسات الأمريكية الحالية ومواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل؟

- عملية صنع واتخاذ القرار في الولايات المتحدة تكون عبر عدد من المؤسسات، مثل مؤسسة الرئاسة، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ووزارة الخارجية، ومؤسسات أخرى قد لا تأخذ قراراً لكنها أهم شيء في القرار وهما القضاء والكونجرس. بالنسبة للرئيس فهو مؤسسة فردية ويستطيع اتخاذ قرارات بشكل منفرد، لكن على مر التاريخ الأمريكي كان الرئيس يحرص على تحقيق التوازن بين هذه المؤسسات المختلفة.

*صحيح ولكن يبدو أن هذا الأمر لا ينطبق على ترامب حالياً، أليس كذلك؟

- أتفق معك؛ فنحن أمام رئيس جاء من خارج كل المؤسسات، فلم يكن له أي انتماء حزبي، ولم يكن يشغل أي منصب رسمي في الدولة، وعلى سبيل المثال أكثر من ثلث الرؤساء الأمريكيين شغلوا منصب وزير الخارجية، وهناك أكثر من الثلث كانوا نواباً للرئيس قبل الترشح والفوز بالرئاسة، أي أن ثلثي الرؤساء الأمريكيين كانوا من دهاليز الإدارة، بينما ترامب خارج كل هذا، ولا يؤمن بالمؤسسية ولا التدرج الوظيفي. وبالتالي يتخذ القرارات بشكل منفرد، كأن لا أحد له الفضل عليه، كما أنه يأتي بعد خسارته دورة انتخابية يقول إنه تعرض لظلم فيها، وبالتالي كأنه ينتقم. ولهذا نرى تصريحاته التي تشبه "الفرقعات الإعلامية".

*كيف ظهر ذلك في قراراته خلال هذه الفترة القصيرة من ولايته الثانية تجاه الشرق الأوسط؟

- ترامب تاجر، وهو تاجر عقارات، ويتعامل مع الأمور بمنطق المكسب والخسارة، وعندما يقوم ببيع شيء فإنه يضع سعراً عالياً للغاية لكي يصل إلى حد أدنى من السعر الذي يريده. هكذا يفكر ترامب، يرمي الفرقعات لتتم الاستجابة لها، لكن مصر وضعها مختلف؛ فنحن دولة ركيزة ولها تاريخها انتفضت من أجل أمنها عندما رأت مشروعاً مثل تهجير سكان غزة، خاصة أنه قد مر عليها مثل هذه الأحداث من قبل، فالذين هُجروا عام 1948 لم يعودوا إلى أماكنهم حتى اليوم. وبالتالي مصر انتفضت بشكل قوي ضد الموقف الأمريكي أو الإسرائيلي الذي يقول إنه لإعمار غزة يجب تهجير الفلسطينيين لبعض الوقت. وقد رافق التصريحات الرسمية المصرية تحركات على الأرض، منها ما هو عسكري ومنها ما هو شعبي ومنها ما هو إعلامي. وبالتالي تراجع ترامب خطوة للوراء، لكن هذا لا يعني تنازله عن مخططه وسيفكر في خطط بديلة، ويجب أن تكون هناك يقظة واستعداد دائم للتعامل.

*دعني أنتقل بك إلى ملف القضية الكردية، كيف ترى التعامل التركي مع الكرد وما تحليلك للموقف الأمريكي، لا سيما أن ذلك يأتي في ظل تطورات غزة، وأيضاً الحديث عن مباحثات للسلام مع الأسير عبد الله أوجلان؟

- الموضوع الكردي معقد للغاية، وكما نعلم فإن الكرد مقسمون على 4 دول تقريباً، ولديهم مشكلة جغرافية تاريخية، ومناطقهم تتمتع بثروات كبيرة، وهم شعب يعتز بقوميته، وبالتالي نحن أمام مجموعة عوامل في هذه القضية تتداخل مع بعضها. وهذه الدول الموزع عليها الكرد ترى هذا الشعب خطراً عليها، ولهذا يتعاونون معاً ضده مثل تركيا وإيران. وفيما يتعلق بالقضية الكردية، فإن تلاعب الأتراك بالقضايا الإقليمية يظهر من أجل مصالحهم الشخصية. أي على سبيل المثال سنجد أنه في اللحظة التي يكون الطيران التركي يقصف فيها مناطق الكرد فإن أنقرة تتلاعب بملف آخر مثل القضية الفلسطينية أو غزة، فيكون الأمر بالنسبة "شيء مقابل شيء"، وهذه هي اللحظة التي نحن فيها الآن.

*كيف؟

- نحن لا نرى صوتاً مسموعاً من قبل أردوغان فيما يتعلق بتهجير شعب غزة، ولا القتل الذي يجري هناك، لكن نسمع فقط ما يقوم به من ضرب بحق الكرد، وهنا عندما يتم انتقاده أو الحديث معه عما يقوم به بحق الكرد، فيكون الأمر بالنسبة له أنه ترك ملف فلسطين وغزة مقابل إطلاق يده في الملف الكردي. وبالتالي فالأتراك أو القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي على غرارها لن تأتي لنا منها أية مصالح، وإنما فقط يتلاعبون بقضايانا لتحقيق مصالحهم، وقد لا يتم ذلك بشكل مباشر وإنما عبر وسطاء أو وكلاء في دولنا، عبارة عن جماعات وظيفية تحقق تلك المصالح دون أن يكون هو في الصورة.

*فهمت من حديثك أن تركيا تتلاعب بالقضية الفلسطينية مع أمريكا وإسرائيل، في المقابل يتركوا لها المساحة مفتوحة في التعامل مع الملف الكردي، أليس كذلك؟

- بالفعل، استراتيجية تركيا مبنية بالأساس على هذه الأمور، إذ تقحم نفسها في عديد من مشاكل الآخرين، من أجل الظفر ببعض المصالح والمكاسب. وأنقرة لا تتلاعب بالملف الفلسطيني فقط، بل تتلاعب بأمور أخرى منها الإرهاب، والتحريض ضد الدول مثل ما كان يتم ضد مصر خلال السنوات الماضية. أيضاً ما تقوم به تركيا نفسه ما تقوم به إيران، بدليل أن الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قتل على الأراضي الإيرانية، وهذا تم مقابل بعض المكاسب. يقومون بذلك من خلال الجماعات الوظيفية، إذ أن لديهم أطماع في المنطقة بشكل كامل، وفي نفس الوقت ينظروا إليها بنوع من الدونية، وفي نفس الوقت فإن ثقافتهم ولغتهم وعاداتهم لا تسمح لهم بالاندماج مع منطقتنا، ولهذا يلجأ إلى وسيلته التقليدية منذ السلطان العثماني سليم الأول وهي استنساخ "خاير بك" جديد الذي أطلق عليه المصريون مسمى "خاين بك" والي حلب الذي عاون العثمانيين للقضاء على الدولة المملوكية بقيادة قانصوه الغوري مقابل تعيينه حاكماً على مصر لاحقاً.

*أيضاً إيران تقوم بنفس الأمر وصنعت أكثر من "خاير بك"..

- بالفعل، إيران تقوم بنفس الأمر، فهي دولة شيعية لكن كل مقدساتها في الدول العربية، وهي الأخرى صنعت أكثر من "خاير بك" – كما قلت – فهي تحتاج إلى هؤلاء دائماً كي يكونوا "حصان طروادة" الذي تدخل من خلاله في الدول العربية. في المقابل فإن الدول العربية لم تحقق أي مصالح من وراء تركيا أو إيران، بل نجد أنقرة تشعل الحرائق في كل مكان، ونجد نحن مهمتنا إطفاء تلك الحرائق.