تركيا وسوريا والإرهاب في ميزان ترامب.. ترقب لحسابات الولاية الثانية

يترقب النظام التركي سياسات الولايات المتحدة بعد فوز دونالد ترامب، الرجل الذي أوجعه كثيراً في ولايته الأولى، لا سيما العقوبات التي دفعت وقتها الليرة التركية لانهيارات تاريخية.

وجاء فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت 5 نوفمبر/تشرين الأول في وقت يكثف الاحتلال التركي هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا، والتي تمتد كذلك إلى جنوب كردستان في العراق، موقعاً العديد من الضحايا والأبرياء، وسط إجماع من مراقبين على أن إدارة جو بايدن كانت تتغاضى بشكل كبير عن هذه الاعتداءات التركية لمصالح عديدة تجمع البلدين.

وكان ملاحظاً أن الهجمات التي يقوم بها الجيش التركي تطال بعض المراكز والمقار الأمنية، ما أثار مخاوف من إمكانية أن يكون ذلك سبباً في عودة التنظيمات الإرهابية وخاصة "داعش"، لا سيما وأن العلاقات بين أنقرة والتنظيم قائمة، بل إن هناك من يرى أن النظام التركي يفضل وجود الدواعش على وجود الكرد في شمال وشرق سوريا، ما اعتبره مراقبون إعاقة لجهود مكافحة الإرهاب.

توترات الولاية الأولى

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، فقد شهدت العلاقات الأمريكية –التركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى (2017-2021) تذبذبات كبيرة، وكان عنوانها الرئيسي التوترات، وقد أثرت فيها عدة ملفات إقليمية ودولية، فقط ما كان يحد من تصاعد هذه التوترات أكثر المصالح المشتركة بين أنقرة وواشنطن في ضوء عضويتهما بحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأتت الأزمة السورية على رأس ملفات الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا وقتها، حيث جمعت واشنطن شراكة مهمة مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في إطار المواجهة مع تنظيم "داعش"، في المقابل كانت أنقرة تدعم التنظيم بشتى الطرق، بل وتجاوزت تحذيرات أمريكية عديدة ونفذت هجمات واسعة النطاق على مناطق شمال وشرق سوريا، ومن ثم فنحن أمام تساؤل حول تعاطي البلدين مع ملفي سوريا والإرهاب.

يقول الدكتور جبريال صوما عضو الفريق الاستشاري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه في السابق انتقل عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى سوريا عبر الأراضي التركية، أي أنهم دخلوا من تركيا، ما دفع الرئيس ترامب وقتها إلى استخدام الطائرات وضرب أماكن التنظيم، ومن ثم فإن واشنطن في ظل الإدارة الجديدة المنتخبة لن تسمح أن يكون لهؤلاء الإرهابيين وجوداً جديداً سواء في سوريا والعراق.

وتطرق صوما، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إلى موقف ترامب من الهجمات التركية التي تستهدف مناطق شمال وشرق سوريا وكذلك شمال العراق، إذ قال إن الرئيس ترامب لديه كثير من التحفظات على الممارسات التركية، خاصة وأن هذه المناطق يها الكرد الذين لعبوا دوراً محورياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد سيضغط على أنقرة باتجاه وقف تلك الهجمات.

أزمات عديدة

وإلى جانب قضية سوريا، كانت الأزمة الثانية في العلاقات بين البلدين صفقة صواريخ إس-400 الروسية، فقد قررت تركيا شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية، مما أدى إلى توتر كبير بين البلدين، على إثره فرضت واشنطن عقوبات على أنقرة وأخرجتها من برنامج طائرات إف-35، بسبب تخوفها من أن استخدام أنقرة للنظام الروسي قد يعرض التكنولوجيا العسكرية الأمريكية للخطر.

كما فرضت إدارة ترامب عقوبات على مسؤولين أتراك، وردت تركيا بإجراءات مماثلة، مما أثر على الليرة التركية وأدى إلى توترات اقتصادية، إضافة إلى قضية القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي اعتقلته السلطات التركية بتهمة التورط في أنشطة إرهابية، مما أثار غضب ترامب، الذي ضغط على أنقرة لإطلاق سراحه، ما تم بعد أزمة سياسية ودبلوماسية عنيفة.

براغماتية ترامب وأردوغان

يقول الدكتور إحسان الخطيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة موري ستايت الأمريكية إن ترامب سياسي براغماتي، والبراغماتية أمر مفيد بالنسبة لتركيا، حتى عندما اشترت أنقرة منظومة إس 400 الروسية تفهم ترامب الأمر في نهاية المطاف ولم يمانع شرائها، لأن واشنطن لن تمنح الأتراك في المقابل نظامها الدفاعي.

وأضاف الخطيب، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه فضلاً عن ذلك فإن الجانب التركي في الوقت الحالي أعاد إصلاح علاقاته بدول الخليج ومصر، وهذا أمر ستأخذه الإدارة الجديدة في الاعتبار، معرباً عن اعتقاده أن تشهد ولاية ترامب الثانية تحسناً في العلاقات بين البلدين في ظل البراغماتية الكبيرة لرئيسي الدولتين.

أما فيما يخص سوريا كملف خلافي في الولاية الأولى، يقول أستاذ العلوم السياسية إن ترامب لا يرى مصلحة للولايات المتحدة في الأراضي السورية، وكان يريد الخروج منها تماماً، ولكن تم إقناعه بأهمية الدور الأمريكي في سوريا، معتبراً أنها تشهد تعايشاً بين عدة أطراف سواء الأتراك أو الروس أو الإسرائيليين أو الأمريكيين وكل لديه أجندته، على حد قوله.

ويتفق الدكتور إحسان الخطيب مع الرأي السابق للدكتور جبريال صوما، بأن ترامب لن يسمح لتركيا بضرب الكرد، لكنه يرى في الوقت ذاته أن هناك إمكانية لأن تقوم أنقرة بضرب أهداف معينة داخل الأراضي السورية بتنسيق مسبق مع واشنطن، مشدداً على أن هذا هو الوضع الذي سيستمر فيما يتعلق بالعلاقات بين الجانبين التركي والأمريكي تجاه الوضع في سوريا.

موقف يعول عليه؟

وقد تغاضت إدارة جو بايدن عن الاعتداءات التركية المتواصلة على مناطق شمال وشرق سوريا، لأسباب عديدة من بينها رغبة واشنطن في الحيلولة أكثر دون ارتماء أنقرة في أحضان روسيا في ظل الأزمة الأوكرانية وحالة الاستقطاب العالمية الكبيرة التي أفرزتها، فضلاً عن العضوية التركية في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

لكن ولاية ترامب الأولى كانت شاهدة على احتلال تركيا كثير من المناطق في شمال وشرق سوريا وتنفيذ عمليات لاقت انتقادات دولية واسعة، ومن ثم فإنه لا يعول كثيراً على الموقف الأمريكي بشأن ما يجري في سوريا على الأقل في ضوء المتغيرات الحالية، كما أن أكثر الأزمات التي أثارت جدلاً بين أنقرة وواشنطن خلال ولاية ترامب الأولى لم تكن مرتبطة بشكل رئيسي بالأزمة السورية.

وتتعدد الأصوات في الأوساط السياسية الأمريكية التي تندد بصمت واشنطن حيال الممارسات التركية داخل الأراضي السورية، لا سيما استهداف أنقرة بعض المواقع الأمنية وأماكن احتجاز لعناصر إرهابية في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، ما يثير مخاوفاً من شأنها تقويض جهود مكافحة الإرهاب، متهمين النظام التركي بالتصرف عكس المصالحة الأمريكية.