عقد المؤتمر يومي 25 و26 أكتوبر/تشرين الأول بمشاركة العديد من التيارات والحركات والمنظمات والشخصيات المستقلة في سوريا وبلدان المهجر المعروفة بإيمانها بالديمقراطية، وبمشاركة ممثلين عن أحزاب وحركات سياسية وتنظيمات نسائية في شمال وشرق سوريا، واجتمع هؤلاء تحت هدف واحد هو بناء سوريا ديمقراطية حرة لا مركزية، ودفع مسارات الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254.
والواقع يقول إن الأزمة السورية المندلعة منذ 2011 تعيش حالة من الثبات العميق على مدار الأشهر الماضية، فباستثناء بعض التحركات الإقليمية والدولية التي رافقت تطبيع حكومة دمشق علاقاتها مع بعض الأنظمة العربية والعودة إلى جامعة الدول العربية، لم يكن هناك حدث أو خطوة تدفع ولو قليلاً مسارات تسوية الأزمة، وكأن كل طرف يريد أن يبقى الحال على ما هو عليه.
إشكالية رئيسية
وبمنتهى الواقعية فإن الإشكالية الرئيسية أن الأزمة السورية تحول القطاع الواسع من طرفها الثاني أي "المعارضة" إلى مجرد أداة ابتلعتها تركيا وجماعة الإخوان، فأصبحت لا تعبر إلا عن مصالح أنقرة داخل الأراضي السورية، ما شكل ضربة عميقة لفكرة قيادة هؤلاء لمشروع وطني جامع، ومن ثم كانت هناك ضرورة للبحث عن الشخصيات والكيانات المؤمنة بالديمقراطية غير المرتهنة بأية أجندات خارجية، بل أولويتها الأجندة الوطنية، وهي الفكرة التي قام عليها مؤتمر المسار الديمقراطي في بروكسل.
والملاحظة الجديرة بالذكر حول مؤتمر المسار الديمقراطي أنه بشكل أو آخر أتى ليعبر عن الأفكار والرؤى القادمة من مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تتوالى المبادرات المقدمة من السياسيين المؤمنين بأفكار الإدارة الديمقراطية الذاتية، ومن قاعدة وسط بين النظام والمعارضة طرحوا فكرتهم على أرضية الحفاظ على وحدة الدولة السورية وكيانها، وقيادة العملية السياسية نحو وطن يتسع للجميع.
رؤية لتجاوز الوضع الحالي
يقول علي رحمون نائب الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية إن مؤتمر المسار الديمقراطي جاء كمؤتمر للقوى والشخصيات الديمقراطية، وقد جرى العمل عليه منذ فترة طويلة، وعقد العديد من الندوات واللقاءات وورش العمل حتى الوصول إلى انعقاده في هذا الظرف الهام.
وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن المؤتمر عقد كخطوة أولى بطريق تجميع القوى والشخصيات الديمقراطية، كون هؤلاء مشتتين ومتشظيين ومبعثرين ويعملون بشكل فردي، وبالتالي لن يكون لهم وزناً أو فاعلية إن لم تكن هناك هيئة تمثلهم، ولذلك جاء هذا المؤتمر.
وعما إذا كان المؤتمر يمكن اعتباره تياراً ثالثاً بين النظام والمعارضة، نفى رحمون أن يكون كذلك بشكل قاطع، وقال إنه قد يكون خطوة أولى أو نقطة تجمع لكل القوى السورية، وكل من يؤمن بالحل السياسي وفق القرارات الأممية وعلى رأسها القرار 2254، وبالتالي كما قلت هو خطوة أولى باتجاه مؤتمر عام وطني شامل يمكن أن يكون له دوراً كبيراً في حل الأزمة السورية.
وقد أكد المؤتمر ضرورة العودة إلى تطبيق القرار 2254 واستصدار قرار دولي جديد يسرع عملية الانتقال السياسي في سوريا وإيجاد حل لهذه الأزمة التي قاربت العقد والنصف، وأنه مهما كانت الضمانات الدولية أو الإقليمية للحل في سوريا، إلا أنه لا بد من أن يجلس السوريون مع بعضهم البعض على طاولة حوار واحدة يتم خلالها تفكيك الصعوبات.
ويدعو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 الصادر عام 2015 إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، ويحث جميع الدول الأعضاء إلى دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية، والتمهيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي، على أن يتم التحول السياسي بقيادة سورية، لكن هذا القرار لا يزال حبراً على ورق.
ورغم أن الأزمة سورية وتخص السوريين، فما كان حقاً مثيراً لكثير من علامات الاستفهام على مدار الفترة الماضية أن الحراك الرئيسي ارتبط بروسيا وإيران وتركيا وخاصة الأخيرة في إطار ما عرف بـ"منصة أستانا"، هذا الثلاثي الذي أتت تصرفاته تعبر عن استغلال كبير للفراغ على مستوى الأجندة الوطنية السورية وغياب الرؤية الداخلية حول حل سوري – سوري، الأمر الذي دعت إليه مراراً الإدارة الذاتية، التي لهذا تواجه مقاومة شرسة.
البحث عن أجندة وطنية
يقول رياض درار الرئيس المشترك السابق لمجلس سوريا الديمقراطية، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن المؤتمر كان الهدف منه لم شمل القوى والشخصيات السياسية السورية المؤمنة بالديمقراطية، من أجل دفع مسار الحل السياسي للأزمة السورية إلى الأمام، لا سيما أن الطرف الآخر الذي يطلق عليه "المعارضة" أصبح يسير في فلك الأجندة التركية.
ويضيف درار أن المؤتمر في المقابل أراد جمع هؤلاء حول أجندة وطنية تتبنى أفكار الديمقراطية واللا مركزية وفكرة التوافق والعيش المشترك بين مكونات الشعب السوري الذي يتسم بتعدد الرؤى، ومن ثم جاء المؤتمر كفرصة لإذابة الخلافات والانقسامات التي قد تحول دون العمل المشترك لدى هؤلاء المؤمنين بالديمقراطية.
وكانت الأزمة السورية لديها زخماً كبيراً العام الماضي، خصوصاً في ظل المبادرة العربية التي طرحت وكانت موضع استحسان دولي كبير، إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول قبل الماضي سحبت بساط الاهتمام الدولي من الأزمة السورية، كما هو حال أزمات أخرى عدة بالمنطقة مثل ليبيا واليمن والسودان.