انتخابات جورجيا.. هل تندلع حرب جديدة في أوروبا على غرار أوكرانيا؟
تتجه الأنظار الأيام الماضية إلى جورجيا، بعد انتخابات فاز بها حزب الحلم الجورجي الموالي لروسيا، وسط رفض للمعارضة المدعومة غربياً، ما يثير مخاوف بشأن تكرار السيناريو الأوكراني.
تتجه الأنظار الأيام الماضية إلى جورجيا، بعد انتخابات فاز بها حزب الحلم الجورجي الموالي لروسيا، وسط رفض للمعارضة المدعومة غربياً، ما يثير مخاوف بشأن تكرار السيناريو الأوكراني.
ما حدث أن جورجيا – إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق – شهدت انتخابات برلمانية، كانت نتيجتها فوز حزب الحلم الجورجي الحاكم منذ عام 2012، والمعروف بقربه من روسيا، حيث حصل على 89 مقعداً من إجمالي 150، في حين لم يحصل تكتل المعارضة المكون من أربعة أحزاب إلا على 39 مقعداً، وهنا رفضت الأخيرة تلك الخسارة الثقيلة، وسرعان ما وجهت أصابع الاتهام بتزوير الانتخابات ليس إلى الحزب الحاكم والفائز بل إلى روسيا مباشرة.
هذا الاتهام جاء كإشارة إلى بؤرة الصراع المشتعلة بين النفوذ الروسي في مواجهة النفوذ الغربي داخل هذا البلد القوقازي، حيث أن المعارضة التي تنتمي إليها رئيسة البلاد تميل إلى الاتحاد الأوروبي وتريد الانضمام إليه وإلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة، على عكس حزب الحلم الجورجي، لدرجة أن الرئيسة سالومي زورابيشفيلي قالت إن "ما حصل في الانتخابات عملية روسية خاصة".
جذور الصراع
الوضع السياسي المتأزم حالياً في جورجيا ما هو إلا انعكاس لسلسلة طويلة ومستمرة منذ عقود للصراع بين روسيا وأوروبا أو بشكل أكثر دقة الولايات المتحدة وحلف الناتو، فمع تفكك الاتحاد السوفيتي اتبعت أوروبا الغربية والحلف سياسة تقوم على التوغل في الجمهوريات السوفيتية السابقة لحصار الروس سياسياً وأمنياً وسلبهم نفوذهم التاريخي، الأمر الذي تعتبره موسكو في المقابل خطاً أحمر وتهديداً مباشراً لأمنها القومي.
وقد شهدت جورجيا مظاهرات واسعة النطاق عام 2003 ضمن ما سمي بالثورات الملونة في القوقاز وأوروبا الشرقية أطاحت برئيس البلاد الذي كان سكرتيراً للخارجية في الحقبة السوفيتية، وأتت بحكومة موالية للغرب كانت أخطر قراراتها عام 2008 السيطرة بالقوة على جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليتين المواليتين لموسكو، ما دفع الأخيرة إلى التدخل عسكرياً وكادت أن تسيطر على العاصمة تبليسي، وصولاً إلى سقوط تلك الحكومة.
ومنذ ذلك الحين والبلاد تشهد تجاذباً سياسياً واسع النطاق، بين معسكرين أحدهما يميل إلى روسيا، والثاني يميل إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، خصوصاً وأنه سبق وقد تلقوا وعداً بذلك، ما يعيد إلى الأذهان ما فعلته تلك التكتلات وكذلك روسيا في أوكرانيا، ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى غزو روسي للأراضي الأوكرانية.
مصير أوكرانيا؟
هل نحن أمام سيناريو أوكراني؟ سؤال توجهت به وكالة فرات للأنباء (ANF) إلى الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية، الذي أبدى توافقاً مع هذا الطرح، موضحاً أنه في عام 2014 شهدت أوكرانيا مظاهرات للمعارضة ضد الرئيس الموالي لروسيا وتأتي لاحقاً إدارات موالية للغرب وأمريكا، والآن تخرج الاحتجاجات من المعارضة الموالية للغرب في جورجيا ضد حزب الحلم الجورجي الذي لديه ميوله نحو موسكو، وبالتالي هناك تفكير للإطاحة به بالقوة من الحكم.
ويضيف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ومعهم منظمة الأمن والتعاون الأوروبي يدّعون أنه كانت هناك مخالفات في الانتخابات البرلمانية التي جرت، ورصدوا نحو 300 مخالفة – حسب زعمهم – في حين أن الحكومة ترد بأن نسبة المشاركة تجاوزت 59% وهذه أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الدولة، ولأول مرة يتم التصويت إلكترونياً، ومن ثم لا ترى مكاناً للتزوير.
وقال خبير العلاقات الدولية إن هذا المشهد يقول إننا أمام فصل جديد من الصراع بين الراغبين في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في مواجهة الذين يريدون أن تظل ثقافة وهوية جورجيا قوقازية قريبة من الروس، معتبراً أن هذا الصراع قد يأخذ وقتاً ولا بد لطرف أن يسود في النهاية، لكنه يؤكد أن الأجواء تشير إلى أن سيناريو أوكرانيا يعاد تجهيزه في جورجيا.
ويرى المعسكر المناوئ لروسيا في جورجيا أن الوقت الآن مناسب للإطاحة بحكومة الحلم الجورجي، في ظل انشغال روسيا حليفته بالحرب في أوكرانيا، بل إن أفكارهم تقودهم إلى أبعد من ذلك، بالرغبة في السيطرة على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا مرة ثانية بالقوة على اعتبار أن الروس لن يكرروا تدخلهم في الأراضي الجورجية، كونهم يواجهون ضغوطاً شديدة على الجبهة الأوكرانية ولن يكون بمقدورهم فتح واحدة جديدة.
ولعل ما يشجع الراغبين في إسقاط حكومة الحلم الجورجي على تحركات كهذه، أنهم سبق وشكلوا ما يعرف بـ "الفيلق الجورجي" كمليشيا عسكرية تخوض الحرب إلى جانب الحكومة الأوكرانية المدعومة غربياً في مواجهة روسيا، ومن ثم فإن هؤلاء ربما يكونوا اكتسبوا خبرات عسكرية تمكنهم من إعادة الكرة مرة أخرى في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، لا سيما وأن القوى الدولية المناوئة لموسكو ترى في ذلك مصلحة لها، بل وربما تشجع عليه.
الوضع الحالي
يقول بهاء محمود الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية بمركز الأهرام للدراسات السياسية إن جورجيا من الأساس تعاني أزمة ممتدة على مدار الأشهر الماضية، وهي أن الحكومة الموجودة بها حالياً موالية لروسيا، وهذا على عكس توجهات رئيسة الجمهورية التي ينتمي للمعارضة، لكن هي بلا صلاحيات حقيقية، نظراً لأن جورجيا نظامها برلماني.
وأوضح، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF) أن أوروبا عملت على تقديم الدعم للمعارضة الجورجية، أملاً في الفوز بالانتخابات البرلمانية، وبالتالي تشكل المعارضة الحكومة، ومن ثم تكون جورجيا واقعياً أقرب في توجهاتها وتحركاتها للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وليس روسيا، لافتاً إلى أن نتائج الانتخابات جاءت على عكس الهوى الأوروبي، ولهذا يتم الحديث حالياً عن أن الانتخابات جرى تزويرها، على حد قوله.
ويقول محمود إنه في ضوء أن الحزب الحاكم استطاع الحصول على 54% في مواجهة أحزاب المعارضة الأربعة، وبالتالي سيشكل الحكومة منفرداً، أي سيبقى الحال على ما هو عليه بأننا أمام حكومة موالية لموسكو، منوهاً إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار كذلك أن هناك جزءاً من جورجيا وهما "أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا" تحت السيطرة الروسية فعلياً.
وكانت رئيسة جورجيا قد قالت بعد اجتماع مع زعماء المعارضة في العاصمة تبليسي "نحن شهود وضحايا لعملية روسية خاصة، وهي شكل حديث من أشكال الحرب الهجينة ضد الشعب الجورجي"، فيما دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قبل أيام إلى إجراء تحقيق في عمليات تزوير محتملة خلال الانتخابات الجورجية، وهو الأمر ذاته الذي طلبه الاتحاد الأوروبي.
وكان حزب الحلم الجورجي يتبع سياسة موالية إلى حد ما للغرب، لكنه تخلى عنها خلال آخر عامين، بداعي أنها قد تجر البلاد إلى السقوط في براثن الخلاف الروسي الأوكراني الأمريكي، وهو ما رفضته المعارضة بشدة التي خرجت في عدة تظاهرات تندد بتقييد الحريات في البلاد وضد ما قالت إنه دفع للبلاد للسير في فلك الروس.