ظهر مؤخراً الناطق باسم حركة تحرير أزواد محمد المولود رمضان في تصريحات يتحدث عن هذا الدور التركي، ويؤكد أن أنقرة أصبحت عدواً للشعب الأزوادي الذي كان ينظر بإجلال إلى تركيا كدولة إسلامية كبيرة، إلا أن دعمها لمرتزقة مجموعة فاجنر الروسية بالمسيّرات والتي تحصد أرواح الأبرياء يومياً خيب ظن الأزواديين، مشيراً إلى أنها دفعت بمنظمة سادات التركية التي تتكون كذلك من مجموعة من المرتزقة الأتراك.
وشدد رمضان في تصريحاته على أن تركيا بالنسبة للشعب الأزوادي في خندق العدو، وتشن حرباً على شعب مسلم أعزل لا يطالب إلا بالعيش بحرية وكرامة، كما أن الحكومة التركية يدها ملطخة بدماء الأبرياء من الشعب الأزوادي.
ويطالب شعب أزواد وهم من الطوارق منذ عام 1969 بالاستقلال عن شمال مالي وتكوين دولة مستقلة، خاصة وأن لهم ثقافتهم وعاداتهم وحضارتهم المختلفة كلية عن بقية مالي، لينشب صراع منذ ذلك الحين وسط اتفاقيات سلام وهدن لم تصمد لفترات طويلة، بما في ذلك اتفاق السلام الذي أبرم عام 2015.
شريكة في الإبادة
يقول الكاتب والخبير الاستراتيجي أكلي شكا، أحد أبرز شخصيات الطوارق على الساحة الدولية: "إننا قد تفاجئنا للأسف بدور تركيا ووقوفها إلى جانب الانقلابيين وخاصة عبر الطائرات المسيرة، في الوقت الذي كان الطوارق تاريخياً من أشد الداعمين للدولة التركية وقد وقفوا إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى لدرجة أن إحدى بنادق المحاربين الطوارق الآن معروضة في متحف إسطنبول".
وأضاف مؤسس منظمة "إيموهاغ" الدولية من أجل العدالة والشفافية أن ما يحدث الآن أن المسيرات التي يصنعها أتراك ويقودها فنيون أتراك تقتل الأبرياء في أزواد، مشيراً إلى أنها لو كانت تقتل متمردين أو إرهابيين لقبلنا، لكن ما يحدث أن هذه الطائرات لا تقتل إلا الأبرياء، وسط جهل من العالم بحقيقة الوضع في أزواد واستغلال الانقلابيين لهذه الحالة.
وقال شكا إن تركيا إلى جانب كثير من الجهات الأخرى مثل الأمم المتحدة والتعاون الإسلامي كانت شاهدة على الاتفاق الذي أبرم عام 2015 بين حركة تحرير أزواد والسلطات الحاكمة في باماكو ووقع رسمياً برعاية جزائرية ولم تلتزم به باماكو ومع ذلك لم يرفع الأزواد السلاح حتى جاءت السلطات الانقلابية الحالية التي أطاحت بهذا الاتفاق، وبالتالي فإن أنقرة تقف إلى جانب من انقلبوا على اتفاق كما تمت الإشارة إليه كانت شاهدة عليه.
وشدد على أن النظام التركي شريك في قتل الأبرياء ودعم سلطات تجاوزت كل الحدود في انتهاكاتها لدرجة أنهم يشوون الجثث ويأكلون لحومها، مؤكداً أن هذه الجرائم موثقة، بل ووصل الحال بهم إلى قطع رؤوس الأبرياء والمدنيين وتفخيخ الجثث حتى لا يمكن دفنها، وإذا حاول شخص دفنها تنفجر فيه، معتبراً أن هذه الممارسات كاشفة عن حالة الاختلاف الحضاري بين شعب أزواد والماليين.
واعتبر أكلي شكا أن تركيا شريكة في الإبادة التي يتعرض لها شعب أزواد، فالمسيرات التركية لا تصيب إلا المدنيين والأبرياء والحيوانات والنباتات ولم نجدها تستهدف المسلحين ولا الجماعات الإرهابية، وهذا ما يدعو إلى التأكد أن الأزواد أمام مؤامرة للقضاء عليهم تماماً من مالي، مطالباً أنقرة بوقف بيع مسيراتها إلى السلطات الانقلابية في باماكو.
تركيا ومالي
وتستهدف تركيا تعزيز نفوذها في أفريقيا على مدار العشر سنوات الماضية، فعندما حدث الانقلاب العسكري في مالي قبل عدة سنوات اتخذت أنقرة موقفاً مناهضاً له، لكن سرعان ما بدلت موقفها وبدت بشكل واضح منحازة للمجلس العسكري الحاكم، أو على الأقل لا تتخذ أي مواقف مناهضة له عندما يتم مناقشة أي أمر يتعلق بالشأن المالي في المحافل الدولية.
ويقول كرم سعيد الخبير في الشأن التركي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إن هذا التبدل في الموقف التركي والانحياز للمجلس العسكري يعود إلى عدة أبعاد في الصدارة منها الجانب الاقتصادي، فمالي سوق رابحة للمنتجات التركية، لافتاً إلى أن البعد الثاني وهو عسكري وله أهميته، إذ تعمل أنقرة على تطوير العلاقات الدفاعية مع باماكو وبيع أسلحتها هناك.
وأشار إلى أن مالي هي الأخرى لديها مساع للحصول على طائرات مسيّرة من تركيا ومساع لتطوير العلاقات العسكرية بشكل أو بآخر، فالسلطات الحاكمة في باماكو ترى أن تركيا سوق مهمة لتلبية احتياجاتها من التسليح، وبالتالي هنا استفادة متبادلة فيما يتعلق بالبعد العسكري كسبب لتواجد تركيا في الأراضي المالية.
ويقول كرم سعيد إن البعد الثالث يرتبط بالموقع الجغرافي لمالي، إذ أنها تقع في غرب أفريقيا، وبالتالي لها أهمية كبيرة في إطار دوائر النفوذ التركي في غرب وشمال القارة السمراء، حيث مكامن الموارد الطبيعية من معادن وطاقة، فمالي غنية بمعدن مثل اليورانيوم وأنقرة بحاجة إليه في ظل توجهها نحو برنامج نووي سلمي في المرحلة المقبلة.
وحول ما إذا كان هذا سبباً في اتخاذ مواقف مناهضة لحركة الأزواد كذلك، يرى الخبير في الشأن التركي أن الأمر ليس مناهضة تركية للحركة بقدر ما هو موقف برجماتي يعبر عن مصالح أنقرة مع السلطات الحاكمة في مالي سواء اقتصادياً أو عسكرياً ورغبتها في تعزيز صادراتها العسكرية إلى مالي، وبالتالي فإنها إن لم تأخذ مواقف لصالح الحكم المالي فإنها على الأقل لا تأخذ مواقفه ضد هذا النظام.
وجدير بالذكر أن حركات الأزواد تزايدت أهميتها على مدار السنوات الماضية لدورها البارز في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بل ولعبت دوراً محورياً في الحد من تمدد مرتزقة داعش الذين كانوا يخططون لأن تكون مالي نقطة انطلاق لهم في مناطق غرب القارة الأفريقية.