وخلال الـ 4 أشهر الأخيرة شن النظام التركي هجمات شرسة على مناطق شمال وشرق سوريا ركزت بصفة رئيسية على استهداف البنى التحتية وضرب قوت يوم سكان تلك المناطق، واستهداف المقار الأمنية والتجارية، وقد أدت تلك الضربات في إحدى المرات إلى قطع المياه والكهرباء عن مئات الآلاف من السكان، في ممارسات لا يمكن تصنيفها إلا أن تكون واحدة من جرائم الحرب.
وبينما العالم منشغلاً بما يجري في قطاع غزة، خرجت دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية تعلن بأنها لن تسمح بإقامة "دولة إرهابستان" عند حدوها الجنوبية، وهو تعبير ظالم تشير به إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والذين يتهمهم النظام التركي بالإرهاب، وهو الأمر الذي يؤكد خبراء أنه تصريح يعبر عن رغبة أردوغان في مواصلة عدوانه تجاه الأبرياء.
هروب من المشكلات الداخلية
في هذا السياق، يقول عبدالرحمن ربوع الكاتب الصحفي السوري، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تصريح المسؤولين الأتراك حول أنهم لن يسمحوا بما يسمونه دولة "إرهابستان" في جنوب الحدود التركية أمر يحمل رسالة واضحة ومباشرة أن النظام التركي سيواصل اعتداءاته وانتهاكاته في مناطق شمال وشرق سوريا دون توقف كما يفعل على مدار الفترة الماضية.
وأضاف أن مواصلة النظام التركي هذه الاعتداءات التي يجب أن تكون مدانة دولياً تأتي في إطار هروبه من المشكلات الداخلية، فهو يواجه أزمات كثيرة لا سيما على الوضع الاقتصادي، وبالتالي يريد شغل شعبه بمثل هذه المعارك، ومن ثم يقوم بالضربات التي تطال الأبرياء في مناطق الإدارة الذاتية وكذلك في العراق، ويتهم الأبرياء هناك بالإرهاب لتبرير ما يقوم به من عدوان، والدخول في حالة الحرب ليجد مبرراً لمشكلاته.
ولفت "ربوع" إلى أن أحد الأسباب التي تدفع النظام التركي ليصدر مثل هذه التصريحات تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف الذي كما نعرف في حالة عداء تاريخية مع الكرد، ويريد استمرار هذا الصراع حتى القضاء على أي وجود للكرد، إذ أنهم يتخوفون أن تكون الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا داعمة للكرد في جنوب شرق تركيا، مشيراً إلى أن ما يتعرض له الكرد في تركيا من ظلم تاريخي لا سيما على صعيد الهوية والثقافة الخاصة بهم.
محاولة خلق نموذج البارزاني في شمال سوريا
وقال الكاتب الصحفي السوري إن الأتراك يريدون القضاء على الإدارة الذاتية، أو أن تكون هناك إدارة تحت طوع أنقرة، مثلما هو حال الحزب الديمقراطي الكردستاني في شمال العراق الذي يقوده مسعود البارزاني، أي حكومة كردية مهادنة، بل ومتعاونة مع الحكومة التركية ضد المناضلين الترك، مؤكداً أنه لو قامت إدارة ذاتية مهادنة للترك لما تعرضت لما تتعرض له.
وشدد "ربوع"، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سورية الهوية ولا تقبل أية إملاءات من تركيا أو أي جهة خارجية، وليس الأمر قاصراً على الكرد في تلك المناطق، وإنما جميع المكونات من عرب وكرد وشيشان وكلدان وغيرهم يرفضون الإملاءات التركية والتدخل في شؤونهم، وخصوصاً أن الأتراك يقصفون مناطقهم من وقت لآخر، وبالتالي لن تكون هناك إدارة مهادنة لأنقرة على الإطلاق.
ولفت كذلك إلى أن النظام التركي في سبيل القضاء على الكرد في شمال وشرق سوريا يريد التضحية بالمعارضة السورية، ويريد تسليمهم إلى نظام بشار الأسد، متغافلاً ومتجاهلاً لكل ما جرى من حكومة دمشق على مدار السنوات الماضية، وكذلك القرارات الدولية التي أكدت على الحل السياسي في سوريا وإنجاز تحول ديمقراطي، لكن الأتراك يريدون الإطاحة بكل تلك التضحيات مقابل توافقات مع بشار الأسد في مواجهة الكرد، وفي سبيل القضاء على بذرة الإدارة الذاتية.
فزاعة الإرهاب
بدوره، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن النظام التركي يستغل فكرة الإرهاب كفزاعة يخيف بها العالم، ويحاول من خلال هذا المصطلح تقديم صورة زائفة عما يقوم به من انتهاكات، مشيراً إلى أن انتهاكاته ممتدة من سوريا إلى العراق في إطار ما يسمى بـ"الوطن الأزرق" الذي يرى أن كثير من تلك المناطق تركية ويجب أن تكون ضمن أراضي تركيا.
وأضاف "العبيدي" أن النظام التركي في واقع الأمر بنى جزء من شعبيته الداخلية وشرعيته على فكرة العداء للكرد، خصوصاً بتحالفه مع حزب الحركة القومية الذي يحمل أفكاراً ليست معادية للكرد فقط، بل كذلك معادية لكل ما هو ليس تركي، ولهذا نجد ارتفاع حدة العنصرية خلال الفترة الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا وغيرهم الجنسيات الأخرى مثل العرب والأفغان.
ويرى أن الإشكالية تكمن في أن هذه العداء ضد الكرد لم يقف عند حدود تركيا، وإنما امتد ليطال أولئك الذين يقعون خارج الحدود التركية، وهذا الأمر يتقاطع مع أطماع النظام التركي في المنطقة ورغبته في استغلال حالة الانفلات التي تمر بها كثير من الدول من أجل تحقيق مزيد من النفوذ والتوسع في إطار أفكار العثمانية الجديدة.