أكاديميون مصريون: "الأمة الديمقراطية" لـ "أوجلان" روشتة لعلاج تشوهات الدولة القومية

"الأمة الديمقراطية"، مصطلح يتوقف عنده كل المهتمين بدراسة نظريات قيام الدول، المفهوم الذي صاغه القائد أوجلان لمعالجة عوار الدولة القوميةالرأسمالية الحداثية.

عانت شعوب منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال تعاني، من التشوهات التي خلقها مفهوم الدولة القومية الحداثية، المفهوم الذي لم يكن نابعاً من بيئة هذه المنطقة ولا من طينتها، وإنما فرضته قوى الاستعمار والإمبريالية التي تلاعبت بالهويات والقوميات والثقافات والحدود الجغرافية، خدمة لمصالحها الضيقة.

الدولة القومية التي تحولت إلى آلة لقهر القوميات الداخلة ضمنها وطمسها، وسبباً في التفتت والصراعات واندلاع حركات التمرد، ويزداد الأمر صعوبة بطبيعة الحال عندما يغيب النظام الديمقراطي القائم على الشراكة واحترم الحقوق والحريات، فنجد على سبيل المثال الشعب الكردي موزعاً بين 4 دول، سوريا والعراق وإيران وتركيا، وجميع تلك الدول تتفانى في محاولات طمس الهوية الكردية لصالح التمسك بشكل دولة جاء من صنيعة قوى الاستعمار.

هنا كانت الحاجة إلى صياغة رؤية جديدة تعبر عن هوية المنطقة، فكانت تجربة القائد عبد الله أوجلان الفكرية الفلسفية الملخصة في مفهوم الأمة الديمقراطية التشاركية التي تؤمن بفكرة المواطنة والحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين، التي يؤكد مثقفون مصريون أنها قدمت، بلا شك، روشتة لعلاج التشوهات التي خلفتها الدولة القومية التي فرضها الاستعمار على شعوب المنطقة.

بين المطرقة والسندان

يقول الأكاديمي المصري الدكتور علي ثابت، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن نموذج الدولة القومية الأحادي مثل نقطة ارتكاز للمنظومة الدولية الحاكمة في تنفيذ مخططاتها في منطقتنا ونهب ثرواتها، مؤكداً أن هذا النموذج أثر بشكل مباشر على الشعوب التاريخية، حيث وضعها بين المطرقة والسندان، وعلى رأسها الشعب الكردي الذي مزق بفعل فاعل بين أربعة دول قومية عملت على صهر ودمجه ومحو هويته في إطار هذا النموذج.

ويضيف ثابت أن هذا التقسيم جاء ليخدم مصالح الرأسمالية على حساب الشعب الكردي، إلا أن الشعوب التاريخية للمنطقة وعلى رأسها الشعب الكردي قاوم هذه التحركات الخبيثة ولا يزال يدفع ثمنها في تركيا بشكل مباشر، ويقدم ذلك دليلاً دامغاً على الأسس المشبوهة التي قامت عليها الجمهورية التركية، وبطبيعة الحال وفق مفهوم الدولة القومية.

ويقول الأكاديمي المصري إنه وسط هذه الأجواء ظهر بصيص أمل مع بزوغ نجم القائد أوجلان وأفكاره الإصلاحية التي من بينها مشروع الأمة الديمقراطية الذي يعد المفهوم الأبرز لتحقيق التعايش السلمي في المنطقة، وبتطبيق قواعد المشروع يتحقق السلام المجتمعي بالمنطقة.

ويؤكد، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن مشروع الأمة الديمقراطية ليس حلاً خاصاً بالشعب الكردي فقط، ولكن لكل الشعوب التاريخية التي تعاني من سطوة النموذج القومي الأحادي، مشيراً إلى أن أوجلان رفض فكرة إقامة دولة قومية للكرد، وإنما الدولة بالنسبة له قائمة على فكرة التشارك والمواطنة على نحو يتسع لجميع الشعوب.

أوجلان يقدم نموذجاً فريداً

بدوره، يقول الأكاديمي المصري الدكتور أحمد أنبيوة، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أوجلان طرح بنية نظرية خاصة به حول مهوم الدولة والديمقراطية في أكثر من كتاب له، وبصيغ مختلفة ما بين "الكونفدرالية الديمقراطية" و "حل الأمة الديمقراطية"، وقد تركزت بشكل أكبر في المجلد الخامس من "مانفيستو الحضارة الديمقراطية" والموسوم بـ "القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية".

وأضاف أنه كذلك ابتكر نموذجاً سياسياً ومجتمعياً فريداً للعيش المشترك، عبر كتاباته ذات عمق إنساني لا كردي فقط، وهي باترونات نظرية ذات ثقل تاريخي واستلهامي للنضال العام من أجل التحرر، تتحدى نموذج الدولة القومية من خلال تصوراته بشأن الديمقراطية واللامركزية والاستقلالية، التي أثار التطبيق العملي لها تساؤلات حول المفهوم الراسخ للدولة القومية، الذي كان بمثابة قوة مهيمنة في السياسة العالمية على مدى القرنين الماضيين، كما أطلق شرارة نقاشات مهمة في الأوساط الأكاديمية وخارجها.

ويشير إلى أن ظهور الدول القومية رافقته مشاكل خارجية كالحروب على السيادة والنفوذ، وكذلك مشاكل داخلية كحروب الاستقلال وحركات التمرد، مؤكداً أن ميراث التأسيس للدولة القومية ترك بصمته جلية على جسد هذه الدولة الحداثية الحديثة، ولا يزال يلقي بظلاله التأثيرية على حراك وأداء دولة اليوم.

ويقول إنه بمجرد إنشاء الدولة القومية، وجدنا أنه حتى أكثر الأنظمة الديمقراطية كانت تفرض جبراً عناصر ثقافية بعينها، على الرغم من عدم وجود أساس في النظرية الديمقراطية للقيام بذلك، إذ تعزز الدول القومية لغات وثقافات وهويات وقيم اجتماعية معينة وتتجاهل أو تقمع أخرى، وفي سبيل ذلك، تم تصميم نماذج معينة من الاندماج والاستيعاب وتقاسم السلطة نظرياً ووضعها موضع التنفيذ من قبل بعض الدول القومية.

ويضرب أنبيوة مثالاً على ذلك بتركيا، إذ قال إن السيادة الوطنية فيها تشكل تحديا خاصا للأقليات، إذ تم فرض اللغة والثقافة والهوية والأيديولوجيات القومية التركية المحددة من أعلى إلى أسفل بموجب الدستور، ويتم تقديم قومية الأغلبية كواجب مدني بموجب الدستور، ولا تعمل المؤسسات التمثيلية الرسمية بشكل صحيح لأن النواب ورؤساء البلديات المنتخبين من الكرد وغيرهم يتم تجريمهم وسجنهم باستمرار، كما يتم قمع الأقليات من خلال مفهوم السيادة الوطنية.

الدولة القومية أصل المشاكل

في هذا السياق، يشير أنبيوة إلى أن عبد الله أوجلان يعتقد أن الدول القومية هي أصل مشاكل الشعب الكردي في الشرق الأوسط، كما أن تأسيس دولة قومية كردية منفصلة لن يحل قضايا الشعب الكردي، بل سيعيد إنتاج نفس المشاكل التي يعانون منها حالياً تحت سيطرة الدول القومية الأخرى.

وأشار أنبيوة إلى أن أوجلان وجه انتقادات حادة لمفهوم السيادة الذي تستند إليه الدولة القومية، فمفهوم السيادة يفترض أن للدولة سلطة عليا لا يمكن مساءلتها، وهو ما يراه أوجلان أداة للسيطرة على الشعوب والموارد الطبيعية، ويرى أن بديل ذلك يكمن في ممارسة السلطة بشكل مشترك من قبل المجتمعات المحلية وليس من قبل حكومة مركزية قوية.

ويقول أيضاً إن أوجلان رفض مفهوم المواطنة القائم على الهوية (الثقافية أو المدنية)، ويرى أن المواطنة يجب أن تقوم على مبدأ المشاركة المتساوية في اتخاذ القرارات السياسية والتمتع بالحقوق والحريات الأساسية بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني، معتبراً أن المشروع الكردي يرفض النموذج السائد للدولة القومية بكل مكوناته تقريباً، بما في ذلك مفهوم السيادة والديمقراطية التمثيلية والحدود والمواطنة الحصرية.