مناقشة المهاتما غاندي مع القائد الشعب الكردي عن العنف واللاعنف والدولة

هذه المناقشة الخيالية بين المهاتما غاندي والقائد عبد الله أوجلان كتبها آشيش كوثار، الناشط البيئي على المستوى العالمي وقام بالعديد من الأنشطة الرائعة من أجل البيئة.

عبد الله أوجلان: السيد غاندي؛ "المرأة، الحياة، الحرية" تحية من كردستان.

المهاتما غاندي: الرفيق أوجلان، تحية طيبة "Zînde Bad"من الهند.

عبد الله أوجلان: شكراً جزيلاً لك على استخدام كلمة الرفيق، لقد لاحظتُ أنك قلت "Zînde Bad" في تحيتك، فهل لهذه الكلمة علاقة بحرية المرأة والحياة؟ كالمفهوم الذي لدينا، "المرأة، الحياة، الحرية"؟

المهاتما غاندي: نعم، إنه كذلك، وعندما أقول "zînde bad" ، أقصد "بالتحية، واستمرار للحياة"، معظم الحركات في الهند استخدمت هذه العبارة وأنا أستخدمها طوال الوقت مؤخراً، إذ لم أكن مخطئاً، فقد استخدمت كلمة "جيانjiyan-"، مثل الكلمة الهندية "جيفانيcîvanî-" والتي تعني الحياة، وكلمة "جِنjin-" باللغة الكردية يقابلها كلمة "women" باللغة الإنجليزية، أليس كذلك؟ إنه أمر مثير للاهتمام، لذلك بدأت تحيتك بكلمة "المرأة"، أليس كذلك؟

عبد الله أوجلان: بالطبع هو كذلك، لأنه بدون المرأة لا وجود للحياة والحرية، لذلك أريد أن أتحدث عن شيء ما، خلال هذه السنوات الطويلة من السجن، كتبت شيئا من هذا القبيل، لكنني لا أتذكر في أي كتاب دونتهُ. لقد كتبتُ في نصي كما يلي: بدون وجود المساواة والتكافؤ بين الجنسين، لا أمل في الحرية والمساواة، ومن أهم مكونات التحول الديمقراطي هي حرية المرأة.

المهاتما غاندي: رائع! هل تعلم  ، في رأيي، لقد تأخرتُ كثيراً في رؤية المرأة في مركز سوارج”siwarj-، ومع ذلك أنت على حق بشكل تام، ولكن ما أريد أن أناقشه معك هو مسألة "العنف واللاعنف"، ولهذا السبب أردتُ التواصل بك، وما أعلمه فإن وقتك محدود للتواصل مع الأشخاص من خارج السجن، لذلك …

عبد الله أوجلان: أنا آسف على مقاطعتك يا سيد غاندي، ولكن هل يمكنك توضيح الكلمة سوارج”siwarj- التي استخدمتها في سياق حديثك؟

المهاتما غاندي: نعم، بكل سرور، أعتبر كلمة "سوارجي" من أجمل الكلمات الذي نطقتُ به، لقد تحدثتُ عن هذه الكلمة بكل وضوح في عدة مواضع، ولا سيما في كتابي المسمى بـــ "هند سوارج"، وتعني هذه الكلمة بشكل مباشر عن "الموقف الأخلاقي والسياسي والحرية والحكم الذاتي، وينصب تركيزه على شرح مشكلة السلطة ليس في الحكومة بل بين الأفراد، وكما تركز على قوة المقاومة ضد الحكم العنفوانية. هذه الكلمة الجميلة والمعتدلة ومن خلالها نستطيع التأكد من أن الآخرين يمكنهم أيضاً تحقيق رغباتهم وكما أنه يقيم التوازن بين الواجبات والحقوق.

عبد الله أوجلان: إنه أمر مثير للاهتمام، نحن في كردستان نحاول الالتزام بمبادئ القرارات الذاتية، وفي الوقت نفسه، نحاول إنشاء مثل هذا النظام الذي يشمل معظم الدول، وقد أسميته الكونفدرالية الديمقراطية. في الواقع، أعتقد أنه يمكننا قبول هذا باعتباره الأساس المبدئي للحكم الذاتي لشعوب العالم، من الأكثر محلية إلى الأكثر عالمية. ومن ثم يمكن تشكيل الكونفدرالية الديمقراطية في العالم كبديل للمنظمات مثل منظمة الأمم المتحدة، وهي منظمة تحتلها القوى العظمى للدول القومية.

المهاتما غاندي: نعم، أعتقد أنني ذكرت في مكان ما عن تلك الحلقات الجزرية التي تتكون من مناطق سوارجي الأوسع وبدون أي تسلسل هرمي بينها، فهي ملزمة بالقرارات التي تتخذها المنظمات الذاتية للفرد. وفي رأيي أن كل فرد يستطيع أن يبني حكماً ذاتياً عالمياً على هذا الأساس، ومع ذلك فإنني أدعو مراراً وتكراراً إلى دعم فكرة كونفدرالية الدول الحرة، وأعتقد أننا قريبون من إحلال السلام العالمي في الميدان.

عبد الله أوجلان: علينا أن نناقش على قوة الدولة القومية، وأعتقد أنه أحد أسس الاستعمار العالمي، لقد استمتعت بكلماتك، الكلمات المتعلقة "بالحلقات الجزرية" انها حقا شاعرية، لكنك قلت أنك تريد التحدث معي عن اللاعنفوانية، وأريد أيضاً أن أطرح عليك بعض الأسئلة حول هذا الموضوع، ومع العلم باني قرأت بعض أفكارك في كتاب ستانلي وولبرت Stanley Wolpert، والذي حملت عنوان "أمنية غاندي، حياته وإرثه" لقد جلب الكتاب لي المحاميين إلى السجن، لقد فوجئتُ جداً بأفكارك.

المهاتما غاندي: كما تعلم، أيها الرفيق أوجلان، فإن حياتنا هنا، أي الحياة ما بعد الموت، تختلف عن وضعك، جميع كتب العالم متوفرة، ولمعلوماتك، مارتن لوثر كينغ ويسوع المسيح موجودان هنا أيضاً. لقد قرأت للتو بعض الأشياء عن حركتك الشجاعة، أعتقد أن فلسفتك الأيديولوجية المتعلقة بــــ "الأمة الديمقراطية والكونفدرالية والمجتمع الإيكولوجي" لديها العديد من النقاط المشتركة مع "سوارج"، وكما لا ينبغي أن يكون هناك أي عنف في أي جزء من مناطق "سوارج" جيد، لماذا عندكم جيش في الحركة وحتى للنساء أيضاً أسستم جيشاً؟ أليس هذا تناقضاً؟

عبد الله أوجلان: هذا صحيح، لم أقم بتأسيس الديمقراطية فحسب، بل هناك أيضاً تأسياً لــ "جنولوجبا"، والمقصود بها "علم حرية المرأة" الذي يعزز السلام والوئام مع العالم، وفي رأيي أن "الدفاع المشروع" هي من أهم الاحتياجات لكل كائن حي بما في ذلك الإنسان، وأكدت على إن الدفاع المشروع، يتعلق بالدفاع عن الهوية والوعي و الدفاع السياسي وإرساء الديمقراطية. لكن يا سيد غاندي، العنف والقوات العسكرية لهما سياق تاريخي أوسع من الدولة، لقد سيطر على حياتنا، وحدث تعذيب وعنف وإبادة جماعية للأرمن والآشوريين واليونانيين والعديد من عمليات الإبادة الجماعية الأخرى في كردستان، والدفاع المشروع يأتي أيضاً في إطار الاستراتيجية لمنع الإبادة الثقافية التي تنفذها الاحتلال التركي بحق الشعوب.

لقد حاولنا لسنوات عديدة إجراء محادثات سلمية معهم، وحتى في كثير من الحالات أعلنا وقف إطلاق النار من جانب واحد، وبعد وقت قصير تبين أن هذا النوع من الحلول ليس مهما بالنسبة لهم، ولا يمكنهم الموافقة على فكرة الحكم الذاتي الكردي، ورغم أننا وافقنا على العيش داخل حدودهم وعدم المطالبة بالدولة، إلا أنهم ما زالوا يقصفوننا ويتسببوا باستشهاد رفاقنا ويقاتلوننا، في مثل هذا الوضع، كان لدينا خيار الدفاع عن أنفسنا بقوتنا وإلا سيقضون على الوجود الكردي.

المهاتما غاندي: لكن هل أنت متأكد من أنك بذلت قصارى جهدك للتعبير بشكل كامل عن اللاعنف؟ أعتقد أنكم من المفكرين المستعدين تماماً لللاعنف، ومع ذلك، فإن حالة الاستعداد مهمة جداً لذلك.

عبد الله أوجلان: يجب أن أعترف أنني لست على دراية تامة بمفهوم اللاعنف، ولم أدرسه بشكل جيدا، ورغم ذلك عليّ أن أستعد لفهمها ودراستها بشكل معمق، إلا أنها إذا كانت من مرحلة الفكر والتطور الثقافي لمجتمعنا أو تكون نوع من العنف البعيد للدول القومية، فعلينا أن نواجهه بحزم. من الواضح أن الكفاح المشروع يحمينا، ونحن نعمل دائماً على ابتكار وخلق عقلية لا تبرر العنف، وأقصد بها العقلية التي تدعو إلى السلام وإعادة الإعمار.

المهاتما غاندي: أستطيع أن أفهم ذلك، إن المجتمع الذي يريد الاستعداد الكامل لاستخدام اللاعنف كسبب للمقاومة، يحتاج إلى تدريب عقلي وروحي. أعتقد بإن المجتمع الكردي لم يكن لديه الوقت اللازم لهذا الإعداد من التدريب، ولكن من فضلكم استمع جيداً إلى ما سأعنيه في قولي، أريد أن أوضح أنني لا أقصد أن اللاعنف هو سلوك قسري، بل على العكس من ذلك، أنا أتحدث عنه كمبدأ أساسي، ولقد قلت هذا أيضاً، عندما يستعد السكان للاعنف بهدف التحرر، فقد يجوز أن يحتاجوا إلى قوة مسلحة صغيرة، ومن هنا، أحيي جنودكم، وخاصة النساء اللواتي وضعن أجسادهن في خطوط الجبهة الأمامية.

عبد الله أوجلان: أشكركم على رحابة صدركم وتَفهُمِكم، كما تعلمون، أريد ولو لمرة واحدة أن تتصل بكم الحركة الكردية لتتحدثوا عن مبادئ اللاعنف وسوارج وطريقتكم لها، آسف، لا أتذكر جميع الأسماء، وكما أن أفكارك العميقة حول القضايا البيئية يمكن أن تساعدنا في الإصرار على اللاعنف.

المهاتما غاندي: سأكون سعيداً بزيارة كردستان، بقدر ما أعلم أنك تتبع أيضاً بعض القواعد القريبة مني، لقد تعلمت هذه الأشياء بالفعل من أشخاص آخرين، في الحقيقة يا رفيق أوجلان، أعتقد أنه من الضروري بالنسبة لي أن أعلن أضراباً عن الطعام من أجل حريتك.

عبد الله أوجلان: إنه مكان فخر بالنسبة لي، كما تعلم، يا سيد غاندي، أن العديد من رفاقي أضربوا عن الطعام في عام 2019، مثل ليلى كوفن، التي أصرت على إطلاق حريتي، نحن بحاجة إلى بحث في الإضراب الخاص بك، وخاصة فيما يتعلق بكيفية قدرة الصحة العقلية والجسدية للناس على تحمل هذه الأنواع من الأعمال، وهو أمر مهم جداً لثقافة المقاومة السياسية الديمقراطية.

المهاتما غاندي: لقد جاوبت بشكل رائع على سؤالي، بالنسبة لي، لم يكن الإضراب عن الطعام تكتيكياً، بل على العكس، كان جزءاً من مقاومتي، ولكن بطريقة ما كان أيضاً سلوكاً للتطهير الذاتي، كنت أقولها دائماً أن الإضراب عن الطعام ليس أزمة جوع، بل على العكس من ذلك، فهو يعمل على رفع مستوى الوعي العام وأعتبرها من أقوى الأدوات على الإطلاق.

عبد الله أوجلان: سيد غاندي، لقد كان شرفاً عظيماً حقاً. أعتقد أنني أفهم الآن سبب تسمية المهاتما غاندي بهذا الاسم، نعم، لديك حقا روح عظيمة.

المهاتما غاندي: أيها الرفيق أوجلان، من فضلك لا تقل مثل هذه الكلمات.

عبد الله أوجلان: لدي نفس المشاعر، أريد أن أعتذر منك لأن حراس السجن ينادونني، لقد انتهت فترة اتصالي بالعالم الخارجي، وآمل مخلصا أن يكون لدينا الوقت مرة أخرى قريبا للتحاور مع بعضنا البعض، أريد أن أتحدث معك عن السلوكيات في المرة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بما تسميه ساتيجراها (satyagraha).

المهاتما غاندي: نعم بلا شك، إن شعبك يسعى إلى سوارجي، كما يسعى إلى الديمقراطية على أساس أطروحاتك حول الكونفدرالية الديمقراطية، وأريد أن أتعلم أنا أيضاً منهم، وسأحاول معرفة المزيد من المعلومات عن رفاقك الشهداء الذين أسماؤهم هنا ( يعني الحياة ما بعد الموت) وفي كل مكان، وخاصة هؤلاء النساء اللاتي شكلن جيشهن الخاص، يجب أن أناقش معهن عن العنف واللاعنف، آمل أن أتمكن من نقل مبادئك بشأن الديمقراطية إلى المقاومة المقدمة من أجل الحرية في الهند، إن شعبينا يقاومان الأنظمة الحاكمة، لذا علينا أن نتعلم من بعضنا البعض.

عبد الله أوجلان: أحييكم بهذه الكلمات: "المرأة، الحياة، الحرية".