الألوسي: نداء أوجلان قوة ضغط حقيقية لتحقيق السلام والشعوب العربية تتضامن معه

يكتسب نداء القائد عبد الله أوجلان من أجل السلام احتراماً وتقديراً كبيراً بين المثقفين والسياسيين والمفكرين في العالم العربي.

ثمّن المفكر والأكاديمي العراقي الدكتور تيسير عبد الجبار الألوسي نداء السلام الذي أطلقه القائد والمناضل عبد الله أوجلان قبل أيام، بدعوته حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح، وعقد اجتماع عام لاتخاذ قرار بحل الحزب، معتبراً أن مبادرته تعكس مساع القائد "آبو" المستمرة من أجل السلام.

ولاقت دعوة القائد "آبو" على مدار الأيام الماضية دعماً وترحيباً إقليمياً ودولياً واسعاً، سواء في الأوساط الرسمية أو غير الرسمية، وسط دعوات تحث النظام التركي على التعاطي الإيجابي معها، وألا تفوت تلك المبادرة غير المسبوقة كفرصة لتحقيق السلام والاستقرار والعيش المشترك بين الكرد والأتراك وطيّ صفحة الصراع.

مبادرة تقرأ الشرق الأوسط

وقال الألوسي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مبادرة السلام أو نداء السلام والديمقراطية للمناضل عبدالله أوجلان استكمال لمسيرة طويلة من المبادرات بهذا الاتجاه، من جانب القيادات الكردية وهي تسعى لفرض إرادة شعب يتعلق نضاله تماماً بقضية جوهرية له ولشعرب المنطقة، وهي الحق في تقرير المصير، والتعايش بين شعوب المنطقة، بعيداً عن قضايا الصراع التي فرضت من طرف جهة نعرف من تكون.

وأضاف الألوسي أننا أمام مبادرة من أوجلان تقرأ الشرق الأوسط جيداً والوضع العالمي ومستجداته وسعيه نحو بناء السلام والتقدم لصالح الشعوب، ولهذا السبب فإن توقيت المبادرة مهم جداً ومناسب، ويشكل إضافة مهمة لحركة السلام وجهود بناء الديمقراطية سواء في الشرق الأوسط عامة، أو في تركيا.

وشدد المفكر العراقي في هذا السياق على ضرورة أن تعيش شعوب تركيا على أساس تعظيم قيم الديمقراطية، واحترام جموع تتشكل من شعوب استُغلت طويلاً، منذ إلغاء تلك الوعود التي أُطلقت بداية القرن الماضي، لكن اليوم هناك مستجدات يجب الأخذ بها، وقد باتت البندقية والرصاصة ليست الوسيلة المناسبة حالياً، ومن هنا فإن هذه المبادرة ليست أمراً عابراً، وإنما قوة حقيقية للضغط على جميع الأطراف من أجل أن تتحقق مسيرة السلام والديمقراطية.

من هنا يأتي النجاح

وأعرب الدكتور الألوسي عن اعتقاده أن نجاح مبادرة القائد أوجلان رهن التفاعل من الطرف الآخر (النظام)، والذي عليه – بدلاً من الحديث عن تهديدات أو ضغوط ما – أن يتفاعل بروح السلام وروح الديمقراطية التي تتطلب تقديم كثير من التضحيات، وتقديم التنازلات من قبل جميع الأطراف لصالح بناء حركة السلام، وإنجاز قضية حق تقرير المصير، بالصيغ التي تراها خيارات شعوب تركيا على الأقل في الوقت الحاضر، وخيارات شعوب الشرق الأوسط وبينها شعوب الأمة الكردية في جميع أجزاء كردستان.

وأكد المفكر العراقي أن جميع شعوب الأمة الكردية توافقت حول نداء أوجلان، وعملت على الدفع به إلى الأمام، ومحاولة فرضه على أسس سليمة، لافتاً إلى أن الشعوب العربية تتضامن معها، وتتضامن مع نداء القائد أوجلان من أجل إنجاح عالم جديد وشرق أوسط جديد، وتركيا جديدة يمكن التعامل معها على أساس أنها إذا حققت هذا النداء فإنها تتجه اتجاهاً ديمقراطياً، يلبي تطلعات شعوبها كافة بمن فيهم الترك، بعيداً عن آثار الماضي وصراعاته ونزاعاته وأزماته.

وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات، أعرب الدكتور تيسير عبد الجبار الألوسي عن تمنياته بنجاح هذا النداء، بفضل مزيد من الإصرار على التمسك بحركة السلم، وبدعم شعوب العالم كلها، وليس شعوب المنطقة فقط وقياداته في هذا الظرف التاريخي الجديد.

وما إن أطلق القائد عبد الله أوجلان دعوته حتى أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار مع تركيا، استجابة للنداء، إذ أعلن أنه "سيمتثل لدعوة قائده الأسير بتحقيق السلام، وإعلان وقف إطلاق النار بدءاً من السبت (1 آذار)"، مبدياً أمله في الإفراج عن القائد "آبو" الأسير في سجن إمرالي منذ أكثر من ربع قرن.

ويؤسَر المفكر والمناضل عبد الله أوجلان، البالغ من العمر 75 عاماً، في سجن بجزيرة إمرالي، منذ عام 1999، وذلك في إطار مؤامرة دولية شاركت فيها الاستخبارات التركية والموساد الإسرائيلي، وكذلك دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الأطراف الأخرى.

التمسك بالسلام

وكان الدكتور تيسير عبد الجبار الألوسي، قال في مقال له، إنه في ظل مشارف متغيرات جوهرية عالمياً وشرق أوسطياً، يأتي نداء السلام الجديد الذي أطلقه أوجلان ليؤكد أن كفاح حركة التحرر القومي الكردية وقيادته في تركيا تبقى متمسكة بغصن زيتون السلام، وتعمل جاهدة على أن توفر له ظروف النجاح والممارسة الوطيدة ميدانياً.

وأضاف أن الحركة تستثمر الظروف التاريخية الجارية ومتغيراتها باتجاه إنهاء وسائل العمل المسلحة واختيار طريق السلام نهجاً نوعياً، فإنها تتبنى هنا نداء السلام بوصفه طريقاً صلباً ومتمكناً لتحقيق الديمقراطية للشعوب والعدالة الاجتماعية لمكوناتها، بخاصة من القوى المهمشة التي يزداد استغلالها والحيف الواقع عليها، وأكثر من ذلك فإن خيار السلام يمنح المرأة والشبيبة والفئات المهمشة قوة مضافة لتمكينهما من أداء أدوار البناء والتغيير المناطة بهن وبهم.

وشدد على أنه إذا كان من المؤمل للسلطة وقياداتها في أنقرة أن تتخذ بالمقابل وسائل التنفيذ وتلبية عقد مؤتمر يُنهي كل أشكال العنف المسلح، ويتخذ السلام طريقاً، فإن شعوب الأمة الكردية في الأقسام الأخرى من كردستان تتطلع هي الأخرى إلى إعادة رسم نظام ديمقراطي يحترم مكونات شعب سوريا، ومنها الكرد، مشيراً إلى سياق التدخل في بنية الجيش الوطني الذي لا تديره قوى غير مهنية أو عقائدية مؤدلجة من قبيل عناصر كانت حتى يومنا فصائل مسلحة عدَّها المجتمع الدولي إرهابية.

وأكد هنا أنه ينبغي أن يتشكل الجيش الوطني السوري دستورياً بصورة نوعية مختلفة، فضلاً عن تحقيق قيادة تشارك بها جميع القوى السياسية المجتمعية للطيف السوري المدني، الذي يؤسس دولة عَلمانية تنتمي للعصر، لا تجتر أزمنة العصور الوسطى بأية ذريعة أو حجة، منوهاً إلى أنه هنا مكمن الحلول الاستراتيجية التي لا مناص منها.