توسع النفوذ التركي في القارة الإفريقية.. الواقع والتحديات

أظهرت التحركات التركية خلال العقد الأخير اهتماما غير مسبوقا بدول القارة الإفريقية من قبل النظام التركي الساعي إلى فرض نفوذه في القارة السمراء في ظل انحسار نفوذ القوى الدولية والاضطرابات الجيوسياسية التي تضرب بعض دول القارة .

يحاول النظام التركي فرض نفسه على الدول الإفريقية من خلال العمل وفق قاعدة المصلحة المشتركة في علاقاته مع الدول الإفريقية مع التركيز على مجالات بعينها للتعاون ومن بينها الدفاع والأمن وخلق علاقات اقتصادية قوية عبر منح الدول مزايا فيما يخص عمليات الاستيراد والتصدير والادعاء بمساعدة الدول في توطين الصناعات والتكنولوجيا الحديثة في محاولة من النظام التركي لإقناع القارة السمراء بأنه الأداة الوحيدة لكسر احتكار القوى العظمى للتكنولوجيا ووسائل التصنيع إلى جانب الاستثمار في مجال الطاقة والنفط.

مظاهر النفوذ التركي في أفريقيا

في عام 2002 لم تكن تركيا تحظى بعلاقات دبلوماسية واسعة في القارة الإفريقية حيث اقتصرت على سبع دول فقط وخلال السنوات الماضية وصل عدد الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع حكومة أردوغان إلى 49 دولة ما يؤشر إلى اهتمام النظام التركي بدول القارة ضمن مساعي استعادة نفوذ الدولية العثمانية القديمة، كما اهتم أردوغان بالانخراط في المؤسسات والمنظمات الإفريقية حيث حصلت تركيا على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي عام 2005 وانضمت أنقرة إلى منظمتي (إيكواس وإيجاد) المعنيتين بالاقتصاد والتنمية الإفريقية  فضلا عن انضمامها للبنك الإفريقي وصندوق التنمية الإفريقي.

وحرصت تركيا على لعب دور الوسيط في بعض النزاعات القائمة في القارة الإفريقية ومن بينها النزاع الصومالي الأثيوبي واستضافت جولة محادثات للوساطة بين الطرفين في سبتمبر الماضي في إطار الحرص على فرض النفوذ في القارة وخاصة الدول المشاطئة للبحر الأحمر وسط تحديات جمة تواجه النفوذ التركي في تلك المنطقة وخاصة الصومال وجيبوتي ثم أثيبويا وإريتريا بسبب تعاظم الطلب الدولي على التعاون مع تلك الدول وخاصة من قبل القوى العظمى.

اتفاقيات اقتصادية وعسكرية

عقدت تركيا اتفاقية مع الصومال مطلع العام الجاري للتعاون في مجالي الدفاع والاقتصاد وتتضمن بناء القوات البحرية الصومالية ومعاونتها في التصدي لعمليات القرصنة البحرية وتهريب الأسلحة، ومدت أنقرة الجيش الصومالي بعدد من الطائرات دون طيار  من طراز (TB2لمساعدته في استهداف حركة الشباب، كما سلمت عددا آخر من الطائرات لأثيوبيا في أثناء حربها مع التيجراي، ووقعت اتفاقية أخرى مع جيبوتي في فبراير الماضي للتعاون في مجال التدريب العسكري والتعاون المالي العسكري، وحرصت أنقرة على عقد اتفاقيات مع دول القارة في مجال النفط  حيث وقعت اتفاقية مع الصومال للتعاون في مجال استشكاف وإنتاج النفط واتفاقية أخرى لاستكشاف وإنتاج الهيدروكربون فضلا عن التنقيب عن حقول النفط البحرية التابعة للصومال في شهر سبتمبر الماضي. 

دوافع أنقرة 

الدكتور كرم سعيد الباحث في الشأن الإفريقي أكد في اتصال مع وكالة فرات للأنباء أن تركيا تتطلع إلى بسط نفوذها في القارة الإفريقية مستغلة تراجع النفوذ الفرنسي والغربي والأمريكي من خلال تحركات على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري املاً بعقد قمة إفريقية تركية في المدى القريب فضلا عن  عقد اتفاقيات اقتصادية تستهدف التعاون في مجالات استثمارية متنوعة أبرزها مجال الطاقة لافتا إلى أن أنقرة تسعى الى استغلال الثروات الإفريقية سواء النفطية أو التعدينية إلى جانب مساعيها لخلق موطئ قدم لها على البحر الأحمر وسبق وأن حاولت إقامة قاعدة بحرية في سواكن السودانية إلا ان التوترات الجيوسياسية حالت دون إتمام الاتفاق.

وفسر كرم المساعي التركية بأنها محاولات للانخراط في السيطرة على منطقة مشاطئة للبحر الأحمر الذي تمر عبره 12% من التجارة العالمية المحمولة، ونحو 30% من حركة الحاويات العالمية، لذا فإن تعزيز الوجود التركي في الدول الإفريقية المُطلة على البحر الأحمر يعزز حضورها الإقليمي ويحمي تجارتها الدولية فضلا عن استخدام الوجود التركي كورقة ضغط على الصعيد الدولي فيما يخص الحرب على غزة وذلك لإدراكها أهمية الممرات الملاحية الدولية في صناعة القرار الدولي، ويعزز أهمية منطقة القرن الإفريقي في الصراع الدولي والإقليمي، تمتعها بموقع استراتيجي مهم؛ إذ تعتبر نقطة ربط بين القارات الثلاث؛ إفريقيا وآسيا وأوروبا، من خلال وصولها الأوسع إلى البحر، وهي محاطة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية والمعدنية والنفط. 

التحديات والمعوقات 

أحمد الشرقاوي الباحث في الشأن التركي والمقيم في اسطنبول قال لـ(وكالة فرات للأنباء) أن الصناعات الدفاعية التركية قليلة التكلفة ما يجعلها سوقا رائجة للدول الفقيرة مثل  توغو والنيجر ونيجيريا والصومال وتسعى تركيا من خلال زيادة مبيعات الأسلحة لإفريقيا، إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب. فبمجرد أن تشتري دولة إفريقية طائرات من دون طيار أو غيرها من المعدات العسكرية؛ فإنها تعتمد على المُورد للحصول على الذخيرة وقطع الغيار والصيانة؛ مما يخلق تبعيات دائمة قد تصبح ورقة مساومة قيّمة للمُصدر إلى جانب مساعدتها في الانتشار العسكري من خلال الشركات الدفاعية التركية في القرن الإفريقي لتأمين مصالحها، وتعزيز نفوذها في المنطقة.

كما تتطلع إلى تنويع إمدادات النفط الخام من خلال اتفاقيات اقتصادية في مجال الطاقة، في ظل سعي أنقرة لتقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران، وبالتالي ان التحركات التركية تجاه القرن الإفريقي تعكس رغبتها في تحقيق مصالحها في مقابل جملة من التحديات التي تواجهها على هذا الصعيد ومن بينها ارتباط الاتفاقيات مع الدول الإفريقية بالمساعدات وهو ما يصعب الأمر على الإدارة التركية التي تعاني من تدهور اقتصادي يحول دون تقديم مساعدات مغرية لدول القارة الإفريقية فضلا عن الحضور القوي لروسيا والصين وبعض القوى الإقليمية العربية.

وبناء على ما سبق يمكن القول أن أنقرة هي المستفيد الأكبر من التعاون مع دول القرن الإفريقي نظرا للتحديات الجمة التي تواجهها الأخيرة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري بسبب انتشار الصراعات الجهوية والقبلية، ووجود نزاعات مسلحة ومشاكل حدودية تهدد استقرار تلك الدول وتؤثر في الأنظمة السياسية الحاكمة ما يجعل من تلك الاتفاقيات مصدرا آخر لعدم الاستقرار لاقتصار المنفعة على طرف واحد دون الآخر.