كشفت تقارير عن استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي خلال حرب غزة عبر نظام "لافندر" الذي شارك في تحديد 37 ألف هدف خلال الأسابيع الأولى من الحرب، مما يشير إلى كيف أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أدوات الحرب الفعالة، والتي قد تنجح في تغيير شكل ومسار الحروب للأبد.
ولا يقف الذكاء الاصطناعي عند هذا الحد، حيث يمكن لجميع أنواع الأسلحة، أكانت روبوتات أو طائرات مسيّرة أو طوربيدات أن تتحول إلى أنظمة ذاتية التشغيل بفضل أجهزة استشعار متطورة تحكمها خوارزميات تسمح للكمبيوتر بالتحكم فيها عن بعد، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي الذي أحدث ثورة في الحروب، وغير مفاهيمها للأبد.
دخول الذكاء الاصطناعي في الحروب
وطور الذكاء الاصطناعي الأسلحة لتصبح قادرة على تحديد مواقع الأهداف البشرية واختيارها ومهاجمتها أو الأهداف التي يوجد بداخلها بشر، من دون تدخل بشري.
يقول دكتور أحمد فتحي المدرس بقسم الصحافة كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية وصاحب كتاب "الحروب السيبرانية" في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء، إن الذكاء الاصطناعي أعاد بالفعل تشكيل قواعد الاشتباك في الحروب والأحداث العسكرية التي يشهدها العالم الآن، وتبقى الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة أبرز الأمثلة على دخول الذكاء الاصطناعي ساحة المعركة وبقوة.
وأضاف، أن تاريخياً ولدت التكنولوجيا من رحم الحروب، فالكمبيوتر ما هو إلا آلة اخترعها العالم البريطاني "آلان تورنغ" في معامل المخابرات البريطانية MI6 لكسر آلة التشفير النازية "إنجما" خلال الحرب العالمية الثانية، وشبكة الذي نستخدمه الآن كانت نواته الأولى اختراع العسكرية الأمريكية لشبكة الأربانت" لنقل البيانات داخل الجيش الأمريكي، والذكاء الاصطناعي قبل أن يظهر في الحياة المدنية كان السلاح السري لتطوير تقنيات الطائرات الشبحية وأنظمة المراقبة والدفاع الجوي في الجيوش الأمريكية والإسرائيلية.
بينما تقول إيمان الوراقي صاحبة مبادرة ثورة الذكاء الاصطناعي في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء، إن استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في الحروب بات حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو يتطور بسرعة ليصبح أحد أهم العناصر الفاعلة في ساحة المعركة الحديثة، مشيرة إلى أن دخول الذكاء الاصطناعي في الحروب وتطبيقاته المتعددة بدأ بالفعل يؤثر بشكل كبير على كيفية إدارة النزاعات العسكرية، وكيفية اتخاذ القرارات في ميادين القتال.
وأضافت أن الذكاء الاصطناعي دخل بالفعل إلى مجال الحروب، ويمكن القول إنه أحدث تغييراً نوعياً في العديد من جوانبها. الذكاء الاصطناعي يستخدم في تحليل البيانات الضخمة المستمدة من ميادين القتال، وتقديم توصيات مبنية على تلك البيانات للقيادات العسكرية، مما يساعد في اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة، مبينة أنه على سبيل المثال، تعتمد أنظمة الرادار الحديثة على الذكاء الاصطناعي لتمييز الأهداف بدقة عالية، وتحديد ما إذا كانت التهديدات حقيقية أم مزيفة، وهو ما يقلل من احتمالات وقوع أخطاء مكلفة.
وأشارت "الوراقي"، إلى أن أحد أبرز الأمثلة هو استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الهجمات الإلكترونية (Cyber Warfare)، حيث تقوم الأنظمة الذكية برصد الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الأنظمة العسكرية، وترد عليها بشكل فوري، مما يحمي البنية التحتية الحيوية من التهديدات. أيضاً، تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بتحركات العدو بناءً على تحليلات نمطية للبيانات التاريخية والمعلومات المستمدة من الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.
قدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير مسار الحروب
وحول قدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير مسار الحروب، أكدت صاحبة مبادرة ثورة الذكاء الاصطناعي، أنه قادر بالفعل على تغيير مسار الحرب بفضل سرعته في معالجة المعلومات ودقته في التنبؤ بالنتائج، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد أفضل استراتيجية للهجوم أو الدفاع بناءً على مجموعة كبيرة من البيانات والمعطيات، وهو ما يمنح الجيوش التي تعتمد عليه ميزة تكتيكية كبيرة.
وضربت "الوراقي" مثلاً بما حدث أثناء الحرب الروسية-الأوكرانية في 2022، حيث استخدمت الأطراف المتنازعة تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الجوية وتحديد مواقع العدو بدقة، مما أثر بشكل كبير على نتائج المعارك الميدانية، كما أن تطوير أنظمة الدفاع الجوي المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ساعد في التصدي للصواريخ والطائرات المعادية بشكل أكثر فعالية، مما أسهم في تعديل ميزان القوى في بعض المناطق.
الطائرات المسيرة وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي
تعتبر أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية هي عملية التحكم في الطائرات المسيرة وتوجيهها، وهو ما ظهر في الهجمات الحوثية الأخيرة التي شنتها ضد إسرائيل والحرب المستمرة في أوكرانيا، خاصة مع التطور التكنولوجي المتزايد في صناعة المسيرات.
وأشار "أحمد فتحي" إلى أن الشرق الأوسط هو حقل تجارب لأسلحة الذكاء الاصطناعي، والبداية كانت مع مشروع “مايفين" (Project Maven)، الذي يعد أداة الذكاء الاصطناعي الأكثر وضوحاً لدى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، الذي صُمم لمعالجة الصور ومقاطع الفيديو كاملة الحركة من المسيرات، وقد نفذت الولايات المتحدة أكثر من 85 غارة جوية في الشرق الأوسط في مارس 2024 فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي، طبقاً لتصريح شويلر مور، كبير مسؤولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية، وخلال العمليات الحالية يتم استخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية الخاصة بالمشروع بنشاط في أماكن مثل اليمن والعراق وسوريا – للبحث عن الأهداف والإبلاغ عن قرارات الضربات الجوية، لكن الولايات المتحدة ليست وحدها التي تستخدم “مايفين”، حيث يعد استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في الاستهداف القتالي، واستخدام أوكرانيا للذكاء الاصطناعي في دفاعها ضد روسيا.
وأوضح أستاذ الإعلام، أن الجانب الإسرائيلي، استغل حالة الصراع التي امتدت على عدة جبهات من غزة إلى جنوب لبنان، وسوريا والعراق واليمن لتجربة أنظمة الذكاء الاصطناعي المعتمدة على المسيرات في عمليات المراقبة وتحديد الأهداف وتصفيتها سواء بشكل فردي أو جماعي تلقائياً دون سيطرة بشرية، فقد اعتمد على نظام "لافندر" لتحديد أعضاء حركة حماس والجهاد كأهداف محتملة للقصف، ونظام "حسبورا" الذي يوصي المباني والهياكل كأهداف بدلاً من الأفراد ليقوم بتوجيه المسيرات للقصف بشكل أتوماتيكي بدون تدخل بشري ودون تردد، واخيراً نظام "أين أبي" الذي يعد فخر جيش الاحتلال في عمليات الاغتيالات، حيث يتتبع المستهدفين حتى منازلهم للتأكد من احتمالية وجودهم لتنفيذ عملية القصف.
وقال فتحي، إن كل تلك التجارب دشنت عصر الحروب باستخدام الذكاء الاصطناعي سواء على المستوى الهجومي الخاص بالمسيرات أو الدفاعي كسلاح مضاد للمسيرات لاستهدافها باستخدام تقنيات الليزر، ويكفينا أن السلاح الجوي الأمريكي قد أعلن في أبريل\نيسان الماضي عن نجاح أول اختبار لمناورة جوية بين مقاتلة من طراز F-16، وهي أكثر الطائرات الأمريكية مبيعاً في صفقات السلاح الدولية يقودها طيار بشري في مواجهة طائرة تجريبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي X-62A VISTA، لتشارك في قتال جوي عملي في قاعدة إدواردز الجوية بكاليفورنيا، ثم تلها تعديل طائرة F-16 ليتم التحكم بها بدون طيار باستخدام الذكاء الاصطناعي وعلى متنها قائد القوات الجوية الأميركي، فرانك كيندال، حيث تسعى الولايات المتحدة للتفوق في سباق التسلح بأنظمة الذكاء الاصطناعي لإضافة أسطول يضم أكثر من ألف طائرة مقاتلة حربية متكاملة، من دون الحاجة لوجود طيارين حربيين فيها، بحلول 2028.
ولفت المدرس بقسم الصحافة كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية إلى أن واشنطن تسعي خلال حربها مع الدب الروسي إلى تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي للمسيرات بمساعدة أمريكية أوربية، بين الأنظمة البصرية التي تساعد في تحديد الأهداف وتوجيه الطائرات المسيرات، ورسم خرائط التضاريس للملاحة، والبرامج الأكثر تعقيداً التي تمكن المركبات المسيرات من العمل في تشكيل أسراب جوية مترابطة لشن هجمات أكثر دقة وشمولية أمام المعدات العسكرية الروسية الثقيلة.
بينما ترى الوراقي، أن الطائرات المسيرة (الدرونز) هي واحدة من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة، حيث أن التطور الكبير الذي شهدته هذه الطائرات يرجع إلى تكاملها مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما زاد من فعاليتها ودقة أدائها في ساحة المعركة.
وأوضحت صاحبة مبادرة ثورة الذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين قدرات الطائرات المسيرة في جوانب عدة، مثل قدرتها على التحليق بشكل مستقل دون تدخل بشري، واتخاذ القرارات المتعلقة بالمسار والتصويب وإطلاق النار بناءً على تحليلات آنية للبيئة المحيطة، على سبيل المثال، الطائرات المسيرة المستخدمة من قبل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط تتمتع بقدرات ذكاء اصطناعي تمكنها من تمييز الأهداف المدنية من الأهداف العسكرية وتقليل الأضرار الجانبية، مما يزيد من دقتها وفعاليتها في المهام القتالية.
ولفتت الوراقي إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين قدرة الطائرات المسيرة على العمل في أسراب، حيث يمكن للطائرات المسيرة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تتواصل مع بعضها البعض وتنسق تحركاتها بشكل متزامن لتحقيق أهداف محددة، مثل تطويق مواقع العدو أو تنفيذ هجمات منسقة، وهذه القدرات تجعل من الصعب التصدي لهذه الطائرات، وتزيد من تعقيد إدارة النزاع من قبل العدو.
وأكدت الوراقي في ختام تصريحاتها لوكالة فرات للأنباء، أن الطائرات المسيرة هي مثال حي على كيفية تطور التكنولوجيا العسكرية بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت أكثر فعالية ودقة في تنفيذ المهام القتالية. المستقبل يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في لعب دور أكبر وأهم في النزاعات العسكرية، مما سيغير من طبيعة الحروب بشكل جوهري.