تركيا والشرق الليبي بعد زيارة نجل حفتر إلى أنقرة.. هل تصالحت المصالح؟

يبدو أن المشهد السياسي الليبي يشهد بداية تحول استراتيجي في العلاقات بين أطرافه الداخلية والخارجية، في ظل تلاق واضح للمصالح عبرت عنه زيارة نجل خليفة حفتر إلى تركيا.

فقد أتت زيارة بلقاسم حفتر لتكشف عن ملامح مرحلة جديدة تنسج خيوطها بين العدوين اللدودين قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر المسيطر على الشرق الليبي والنظام التركي، يتم فيها طي الخلافات التي وصلت إلى الصدام المسلح سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء داخل الأراضي الليبية، وهو توافق حسب كثير من التقديرات يرتبط بلغة المصالح التي يبدو أنها قد تصالحت.

وربما يرجع مراقبون الأمر إلى التحولات الدراماتيكية التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط، خاصة التقارب الواضح بين مصر وتركيا وحل الخلافات التي استمرت بينهما لأكثر من عقد وكان لها انعكاسها داخل ليبيا، فضلاً عن المشهد الدولي وصراع النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، وعدم رغبة واشنطن في ترك الساحة لموسكو في الشرق الليبي التي تدعم حفتر، وبالتالي يحقق الجميع مصالحه في إطار تفاهمات بينية.

ماذا يحدث؟
لا يتوفر وصف.

يقول السياسي الليبي محمد صالح بويصير، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن زيارة بلقاسم حفتر إلى تركيا يمكن تفسيرها من خلال فهم طبيعة السياسة الخارجية التركية، فهي سياسة مبنية على المصالح التركية فقط، وهي مصالح ثابتة أكثر منها سياسات ثابتة.

وأوضح أن الأتراك كانوا ضد حفتر وحلفائه الروس وضد سيطرتهما على ليبيا، ولكن إذا كان حفتر مستعداً أن يعطيهم النفوذ والمصالح مثل الروس فلا مانع من التقارب، معتبراً أن ما حدث يبدو أنه تقاسم للمصالح أتى أيضاً في ضوء حل المشاكل التي كانت بين مصر وتركيا على نحو خفف التوتر، كما أن أنقرة والقاهرة تريدان الاستفادة معاً في ليبيا سواء فيما يتعلق بإعادة الإعمار أو الاستفادة من الموارد الليبية غير المستغلة.

وقد كانت ليبيا إحدى أبرز ساحات المواجهة بين مصر وتركيا، ففي حين كانت الأولى تدعم الشرق الليبي وخليفة حفتر كانت الثانية تدعم بكافة الوسائل سلطات الغرب الليبي المتحصنة بمليشيات اتهمت بالإرهاب، إلى أن حدث التقارب بين الجانبين المصري والتركي وصولاً إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي كانت قد قطعت بسبب مواقف نظام أردوغان الداعمة لجماعة الإخوان والرافضة للإطاحة بها من سدة الحكم عقب ثورة 30 يونيو/حزيران.

ويقول محمد صالح بويصير، في سياق حديثه لوكالة فرات، إن بلقاسم حفتر قبل أن يذهب إلى تركيا منح الشركات التركية أعمالاً كبيرة سواء في مجالات الصيانة أو الإنشاءات، وبالتالي أصبح الشرق الليبي يدخل أموالاً للخزينة التركية، كما أن ليبيا يمكن أن تعوض الأتراك بالغاز، وقد جرى من قبل إبرام اتفاقية ترسيم للحدود البحرية التركية الليبية مع حكومة طرابلس، لكن الأتراك كي يعملوا في هذه المنطقة لا بد من وجود علاقات جيدة بمن يحكم في الشرق، مشدداً على أن هذا التقارب كله قائم على أسس اقتصادية أما مسألة الديمقراطية في ليبيا فلا ذكر لها.

ويلفت السياسي الليبي إلى أن السلطات المسيطرة على الشرق الليبي من مصلحتها طمأنة الأتراك أن مصالهم مصونة، وبالتالي الأتراك لن يقاتلوا ضد خليفة حفتر، معتبراً أن "المصالح قد تصالحت" في ليبيا، التي قال إنها منطقة فراغ وبها موارد كثيرة للغاية، ويبدو أنه تم التوصل إلى اتفاقيات مبدئية لتقاسم المصالح.

وكان بلقاسم حفتر عين في منصب مدير صندوق إعمار ليبيا في فبراير/شباط من العام الجاري، وبعد شهرين فقط من تعيينه أعلن عن إبرامه اتفاقية مع شركة سلاحدار أوغلو التركية لتنفيذ أعمال صيانة وتطوير المكتبة المركزية لجامعة بنغازي، على نحو يجعلنا نقول إنه قد بات مهندس العلاقات بين الشرق الليبي وأنقرة.

انعكاسات خارجية

لا يتوفر وصف.

 

يقول عبد الستار حتيتة الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن المشهد لليبي تتحكم فيه أطراف إقليمية ودولية، معتبراً أن الزيارة تأتي في سياق التغلغل التركي بشكل عام في عموم الدولة الليبية، ما يتضح من خلال عديد من الزيارات التي قامت بها شخصيات من الشرق الليبي إلى أنقرة.

ويضيف حتيتة أن قيادات الشرق الليبي كانت في حالة مقاطعة تامة مع الدولة التركية لا سيما بعد عام 2020 مع إبرام السلطات التركية اتفاقات التعاون الأمني والاقتصادي مع حكومة طرابلس، لكن الأمور تغيرت وازداد التواجد التركي في شرق ليبيا خلال السنوات الأخيرة وزادت العلاقات، وكانت هناك زيارة لرئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق المستشار عقيلة صالح إلى تركيا، وبعض القيادات في الجيش والقيادة العامة، وبالتالي لم يعد هناك مانعاً فيما يتعلق بتبادل الزيارات وفقاً له.

ويرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي أن الأمر لا يرتبط بإمكانية القول إن هناك تحولاً في الموقف بشرق ليبيا بقدر ما يرتبط بقدرات وإمكانيات تركيا، فهي قادرة على تجاوز الخط الفاصل بين الشرق والغرب في سرت والجفرة والوصول إلى الشرق عن طريق استقطاب قيادات وفتح شركات وتصدير منتجات غذائية واستيراد مواد نفطية في إطار المصالح الاقتصادية.

واعتبر أنه في نهاية المطاف، فإن تركيا هي المستفيد الأكبر وما ستتركه لدول أخرى بالمنطقة في الأراضي الليبية سيكون فتاتاً، خاصة أن وجود أنقرة ينفذ بعض من الأهداف التي تريدها الولايات المتحدة داخل الأراضي الليبية لا سيما الرقابة على النشاط الروسي في شرق ليبيا وإدارة الأزمة بما يتوافق مع المصالح العليا الأمريكية.

وقد بدأت إرهاصات المرحلة الجديدة في هذه العلاقات من خلال لقاءات استكشافية بعضها لم يعلن عنها بين مسؤولين من الشرق الليبي ومسؤولين أتراك مع تصريحات عن فتح السفارة التركية في بنغازي شرق ليبيا، ثم أخذت العلاقات المنحنى الأهم مع تولي بلقاسم حفتر صندوق الإعمار ليوقع مع أنقرة عديداً من الاتفاقيات، في وقت تحدث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن أن هناك علاقات لبلاده مع شرق ليبيا كما هو الحال بالنسبة للغرب الليبي.

وكان النظام التركي صاحب دور رئيسي في تأجيج الصراع الليبي عبر دعم سلطات الغرب عسكرياً سواء بشكل مباشر من خلال المستشارين والأسلحة، أو عبر إرسال فرق من المرتزقة وعناصر متهمة بالإرهاب، وقد كان حفتر قريباً في وقت ما من السيطرة على ليبيا بالكامل لولا التدخل العسكري التركي.

ومنذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وليبيا غارقة في فوضى سياسية عززتها المليشيات والتنظيمات الإرهابية والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية، حتى باتت البلاد أمام حكومتين متنازعتين إحداهما في الشرق وأخرى في الغرب، فيما لم تثمر أية جهود دولية عن حل يمكن أن يوحد مؤسسات الليبيين الذين يتجرعون مرارة صراع أخذ في أوقات كثيرة طابعًا دمويًا منذ عام 2011.