وسط تقارب حذر .. رسائل أول اتصال بين وزير الخارجية المصري ونظيره بحكومة دمشق

جاء أول اتصال بين وزير الخارجية المصري ونظيره في حكومة دمشق يؤكد الثوابت المصرية تجاه الأزمة في سوريا، لا سيما رفض التدخلات الخارجية، ورفض الإقصاء لأي طرف سوري.

يرى مراقبون سياسيون تابعوا الاتصال أن مصر جاء موقفها ثابتاً في جميع الاتصالات التي جرت بشأن تطورات الأوضاع في سوريا، عقب سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، لا سيما التأكيد المستمر على ضرورة أن تكون هناك عملية سياسية تشمل جميع المكونات السورية، وتجنب الارتهان بأي إملاءات أو أجندات خارجية.

وجرى اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووزير الخارجية المعين بالحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا أسعد الشيباني، حيث صرح السفير تميم خلاف المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية أن الوزير عبد العاطي أكد وقوف مصر بشكل كامل مع الشعب السورى الشقيق ودعم تطلعاته المشروعة.

كما دعا وزير الخارجية المصري كافة الأطراف السورية في هذه المرحلة الفاصلة إلى إعلاء المصلحة الوطنية، ودعم الاستقرار فى سوريا والحفاظ على مؤسساتها الوطنية ومقدراتها ووحدة وسلامة أراضيها، مضيفاً أن مصر "تأمل ان تتسم عملية الانتقال السياسي فى سوريا بالشمولية، وان تتم عبر ملكية وطنية سورية خالصة دون إملاءات أو تدخلات خارجية، وبما يدعم وحدة واستقرار سوريا وشعبها بكل مكوناته وأطيافه".

رفض التدخلات الخارجية

يقول السفير إبراهيم الشويمي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن ما جاء بشأن الاتصال بين وزير الخارجية المصري ونظيره في حكومة دمشق أكد ثوابت موقف القاهرة تجاه الأزمة السورية، خاصة التمسك برفض أي تدخلات خارجية في الشأن السوري، وهو ما يتماشى مع تعاطي الجانب المصري مع مختلف أزمات الشرق الأوسط المتفاقمة على مدار السنوات الماضية.

وأضاف الشويمي أن مصر ترفض جميع التدخلات في الشأن الداخلي السوري من جميع الأطراف، أياً كانت، في ظل قناعة من القاهرة أن هذه التدخلات هي التي كانت السبب الرئيسي في الأوضاع الصعبة التي عانى منها جميع السوريين على مدار السنوات الماضية، فنحن نتحدث تقريباً عن قرابة عقد ونصف.

ويرى الدبلوماسي المصري السابق أن تمسك مصر برفض التدخلات الخارجية في سوريا من شأنه الحفاظ على سيادتها، وأن يحول ذلك دون اندلاع صراعات داخلية، ويجنب السوريين الانقسامات القائمة على ولاءات خارجية، ومن شأنه تحقيق الاستقرار لسوريا، وهو الأمر الذي يكون له انعكاسات كبيرة على الأمن القومي الإقليمي وعلى الأمن القومي المصري.

مقاربة شاملة وجامعة

وخلال الاتصال، أكد وزير الخارجية المصري أهمية أن تتبنى العملية السياسية مقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية السورية، تعكس التنوع المجتمعي والديني والطائفي والعرقي داخل سوريا، وأن تكون سوريا مصدر استقرار بالمنطقة.

كما دعا الوزير المصري إلى إفساح المجال للقوى السياسية الوطنية المختلفة لأن يكون لها دور في إدارة المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء سوريا ومؤسساتها الوطنية، لكى تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية التي تستحقها، فيما أشار بيان وزارة الخارجية المصرية على أنه قد تم الاتفاق في نهاية الاتصال على استمرار التواصل خلال الفترة المقبلة بين البلدين.

بدوره، يقول طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن كل البيانات التي خرجت عن وزارة الخارجية المصرية بشأن الأزمة السورية ما بعد بشار الأسد، وكذلك تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي تتمسك بضرورة أن تكون هناك عملية سياسية شاملة لجميع المكونات السورية.

وأوضح أن القاهرة حين تقول ذلك فإنها تقصد جميع مكونات الشعب السوري، دون إقصاء لأحد، سواء العرب أو الكرد أو الآمن أو التركمان، سواء السنة والعلويين، المسلمين والمسيحيين، فهذا هو مفتاح المستقبل بالنسبة للسوريين، إذا أرادوا بناء دولة تتجاوز أزمات الحاضر، فإنه يجب أن تكون جميع مكونات الشعب السوري جزء من إدارة المرحلة الانتقالية.

ويقول البرديسي إن مصر كل ما يعنيها أن تستعيد سوريا عافيتها، أياً كان من يحكم، لأن السوريين وحدهم هم أصحاب الشأن، والقاهرة سيكون دورها دعم خيارات الشعب السوري، وتقديم النصيحة والرؤية، ورؤية الجانب المصري تتلخص في وقف التدخلات الخارجية، وعدم إقصاء أي طرف سوري، وعدم الارتهان لأي أجندات خارجية، فتلك هي "ثلاثية النجاح" بالنسبة للسوريين.

تقارب حذر؟

وأتى الاتصال بين الوزيرين بعد 3 أسابيع تقريباً من سقوط بشار الأسد، وسط أحاديث متناثرة عن شكوك إزاء إيجابية العلاقات المستقبلية بين حكومة سوريا الحالية ومصر، لا سيما وأن الأخيرة خاضت حرباً شرسة في مواجهة إرهاب جماعة الإخوان، وغيرها من تيارات الإسلام السياسي الذي تنحدر منه هيئة تحرير الشام.

وهنا يقول البرديسي إن الاتصال طبيعي أن يحدث حتى وإن كان في إطار تقارب حذر، فنحن أمام حكومة أمر واقع، والعالم كله يجري الاتصالات معها، والقاهرة في كل الأحوال لا تريد أن يكون الشعب السوري في حالة عزلة، أو أن تترك الساحة السورية كما حدث في وقائع سابقة، مؤكداً أن الجانب المصري لديه خطوطه الواضحة بشأن الوضع في سوريا حالياً، وعلى إثرها ستتطور العلاقات بين الجانبين.