العراق وسجون الإرهاب في سوريا .. بغداد تخشى الكارثة
تتعدد مخاوف العراق من تطورات الأوضاع في سوريا، لا سيما المخاوف من فرار الدواعش؛ حال حدث انفلات أمني واسع، قد يكون أحد أسبابه الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا.
تتعدد مخاوف العراق من تطورات الأوضاع في سوريا، لا سيما المخاوف من فرار الدواعش؛ حال حدث انفلات أمني واسع، قد يكون أحد أسبابه الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا.
كانت مخاوف العراق المجاور لسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد واضحة، فربما كان أول دولة تحركت لإجراء الاتصالات والتنسيق مع دول إقليمية وأطراف دولية، للحيلولة دون أن يكون ما حدث بسوريا سبباً في تكرار لسيناريو الموصل عام 2014، حين سيطر تنظيم داعش الإرهابي على المدينة ومناطق عراقية أخرى، حسب تصريحات رسمية.
وفي خطاب السبت تطرق فيه إلى انعكاسات ما يجري بسوريا على العراق، شدد السوداني على أن بغداد لن تقبل أي تدخل خارجي يفرض تغييرات في الملفات الاقتصادية أو الأمنية، مؤكداً أن الحكومة مستمرة في تنفيذ خطط إصلاح المؤسسات الأمنية والسياسية، داعيا إلى تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت الأيام الماضية شاهدة على تحركات وتصريحات تكشف حجم التخوف العراقي، أولها تحذير محمد شياع السوداني رئيس الحكومة العرقية من خروج السجون السورية عن السيطرة. وقبل ذلك كانت زيارة مدير الاستخبارات العراقية إلى دمشق واللقاء مع أحمد الشرع "الجولاني"، في حين لم يقم وفد دبلوماسي عراقي بالزيارة.
واقع السجون في سوريا
ومنذ اندلاع الأزمة السورية، تقاطر المقاتلون الأجانب إلى سوريا، وقاتلوا سواء في صفوف جماعات مثل "داعش"، أو فصائل معارضة منها هيئة تحرير الشام، وحسب تقارير دولية عدة فقد أتى هؤلاء من أكثر من 110 دولة العراق واحدة منهم، بما يتجاوز أكثر من 100 ألف.
ليس هذا فحسب، فتدير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" العديد من السجون في الحسكة والرقة ودير الزور والقامشلي، وتضم عناصر تنظيم داعش وأفراد عائلاتهم، فيبلغ عددهم على الأقل نحو 12 ألف مقاتل، بينهم حوالي 2000 أجنبي من أكثر من 50 دولة، يُضاف إليهم نحو 62 ألف من النساء والأطفال من عائلات التنظيم، الذين يُقيمون في مخيم الهول القريب من العراق.
خطر حقيقي
يقول المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم إن العراق لديه حساسية وصعوبة كبيرة في التعاطي مع ما يجري في سوريا، في ظل وجود الدواعش والإرهابيين والسجون المهددة، ولهذا كانت الزيارة من رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري ولقائه أحمد الشرع وليس وفداً دبلوماسياً بقيادة وزير الخارجية كما فعلت دول أخرى.
ويضيف الحكيم، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا يعكس حجم التخوف الكبير لدى بغداد من الإفراج عن الإرهابيين، كما أنه لا يخفى على أحد أن من يقودون السلطة حالياً في سوريا بينهم إرهابيون كانوا في العراق، بل إن الجولاني نفسه سجن 8 سنوات بالعراق وعليه حكم قضائي، كما أن هيئة تحرير الشام مصنفة إرهابية.
ويقول إن هناك "خشية حكومية وشعبية" من الوضع في سوريا، مضيفاً أن هذه المخاوف نابعة من وجود "مخطط إسرائيل أمريكي غربي" بدأ بغزة ثم لبنان ثم سوريا، وبعد ذلك فالعراق مستهدف كاستمرارية لهذا المخطط، وهنا يجب على الحكومة العراقية أن تكون واعية بشكل كاف.
ويرى المحلل السياسي العراقي أن بغداد عليها أن تكثف جهدها الاستخباراتي، لأن الخلايا الإرهابية النائمة في بغداد والأنبار والمناطق الغربية ستكون متعاونة بلا شك مع الخلايا الموجودة من جبهة النصرة وداعش وما شابههما في سوريا، فقط "إذا جاء القرار من الخارج لتنشيطها" فإن العراق سيتعرض لكارثة حقيقة، ناهيك عن مخيم الهول الذي يضم آلاف الدواعش، كما أن فتح السجون كما قلت يدخل العراق في كارثة حقيقية.
مفارقة وتدخل تركي
ويلفت الحكيم إلى مفارقة وهي أن سجون داعش تحرسها هيئة تحرير الشام، والأخيرة نفسها على لوائح الإرهاب، وتتبع جماعة الإخوان وهي الجماعة التي لديها إشكاليات كبيرة في مصر والسعودية والإمارات، ولهذا "أعتقد أن المرحلة القادمة لا تبشر بخير"، فهناك آلاف من الدواعش يشكلون خطورة حقيقية على العراق، لكن العراقيين سيقفون دون شك ضد هذه "التحركات الصهيونية"، وفقاً له.
وتأتي المخاوف العراقية هذه في وقت تواصل تركيا استهداف مناطق شمال وشرق سوريا، الأمر الذي يثير مخاوف واسعة من إمكانية انفراط السيطرة الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" على السجون الموجودة في مناطقها، ومن ثم ربما يشهد الشرق الأوسط طوفاناً من الدواعش والإرهابيين.
ويقوم النظام التركي بهذه العمليات العسكرية التي إن تسببت في هروب السجناء الدواعش من سوريا فإنها ستشكل خطورة كبيرة على العراق، رغم أن التنسيق بين بغداد وأنقرة على أعلى مستوى خلال الأشهر الماضية، وبلغ ذروته بتوقيع عديد من مذكرات التفاهم سواء على الصعيد الأمني أو على الصعيد الاقتصادي.
عمليات تركيا وسيناريو الموصل
يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مخاوف العراق هنا طبيعية؛ في ظل وجود عدد كبير من الدواعش في الهول على سبيل المثال بسوريا، إلى جانب سجون أخرى خاضعة لإشراف قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وكانت هناك محاولات هروب وتمرد بداخلها وتمت السيطرة عليها.
وأضاف أنه إذا فتحت الأبواب في هذه السجون، وحدث الهروب، ولم تستطع "قسد" التحكم بأمن تلك المنطقة، يمكن أن يتحول هؤلاء إلى مقاتلين ويعبرون إلى العراق، ويشكلون خطورة على الأنبار والبادية العراقية والموصل والمناطق السنية، وهنا يمكن أن يُعاد سيناريو داعش في الموصل عام 2014 ما يشكل خطورة كبيرة على الأمن العراقي.
ويؤكد فيصل أنه إذا شنت تركيا حرباً واسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية على سبيل المثال في كوباني وغيرها، فمن المؤكد سيختل الأمن، ويفترض في هذه الحالة أن تتولى أنقرة حماية السجون، ومنع هروب الدواعش من هذه المخيمات والمعتقلات في هذه المناطق، حتى لا يتعرض أمن سوريا والعراق لمخاطر كبيرة، وبالفعل فإن العراق يواجه تهديداً خطيراً لأمنه، ولهذا يتمسك برفض أي انفلات أمني في هذه المناطق بسوريا.
ولطالما كانت السجون في مناطق شمال وشرق سوريا في مواجهة تهديدات مستمرة، حيث يحاول تنظيم داعش من وقت لآخر شن هجمات لإطلاق سراح أفراده، أبرزها الهجوم الكبير على سجن الصناعة في الحسكة (يناير/كانون الثاني 2022). هذا إلى جانب الضربات التركية المتواصلة التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية والمقرات والحواجز الأمنية.
ويرى بعض المراقبين أن النظام التركي ربما يفضل الدواعش، الذين سبق ودعمهم، في مناطق شمال وشرق سوريا على وجود الكرد، ولهذا فلا يعنيه كثيراً مسألة الانفلات الأمني وفتح السجون. لكن ما من شك أن هذا قد يلقي بظلاله على العلاقات العراقية – التركية، فما تقوم به أنقرة سيكون العراقيون أكثر تضرراً منه.