استئثار هيئة تحرير الشام بالمناصب .. سياسيون يحذرون من "السيناريو الصعب"

أثار استئثار هيئة تحرير الشام بالمناصب، لا سيما في الحكومة المؤقتة، انتقادات لدى عدد من المراقبين لتطورات الأوضاع في سوريا، خصوصاً النتائج الصعبة المحتملة لتلك الهيمنة.

ومع سقوط نظأم بشار الأسد الشهر الماضي انتقلت السلطة إلى قبضة هيئة تحرير الشام بقيادة أبومحمد الجولاني " أحمد الشرع"، الذي شكل "حكومة إنقاذ"، هيمنت عليها الهيئة، عكس ما تقتضي متطلبات المرحلة الجديدة، خاصة أن حكم سوريا ككل لا يتساوى مع حكم الهيئة لإدلب من قبل، هذا إذا اعتبرت إدارة الأخيرة من الأساس تجربة ناجحة.

الأخطر أن أحمد الشرع لم يجد غضاضة في التأكيد أنه بالفعل يتم اختيار التعيينات في المناصب من لون واحد، مبرراً ذلك بأنه من متطلبات المرحلة "التي تتطلب انسجاماً بين أعضاء السلطة الجديدة"، لكن رؤيته تلك لم تلقى ارتياحاً في الأوساط السياسية، ولا لدى المتابعين الذين يخشون سقوط السوريين في براثن نظام ديكتاتوري جديد.

"حكومة الإنقاذ" الحالية

يقول منير أديب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه قبل شيء ليس من المقبول الادعاء بأنه لكي تنجح الحكومة الحالية أن تكون من لون واحد، فنحن أمام حكومة إنقاذ مؤقتة، وحكومة الإنقاذ لا يمكن أن تكون من طيف أو لون واحد، وإنما يجب أن تكون من الكوادر السياسية الحقيقية التي تستطيع تجاوز تحديات المرحلة الحالية، وهذا ما لا يمكن لفصيل وحده أن يقوم به.

ويلفت "أديب" إلى أن الحكومة المؤقتة يفترض أنها لا تأخذ قرارات مصيرية يفترض أن البت فيها يتم من خلال مؤسسات منتخبة، كطبيعة العلاقات مع دول أخرى، أو القرارات المتعلقة بإعطاء رتب عسكرية لبعض الشخصيات؛ وبالتالي فنحن أمام "حكومة فصائلية ومليشياوية"، مكونة من مليشيات مسلحة، وهي ليست من لون واحد، وإنما من "مليشيات تعبر عن التنظيمات الإسلاموية الراديكالية"، وفقاً له.

ويرى خبير الحركات الإسلامية أن هذا الوضع ربما الذي دفع الدروز إلى الحديث علناً عن عدم تسليمهم أسلحتهم، واعتراضهم رتلاً عسكرياً تم إرساله من قبل وزير الدفاع بحكومة دمشق إلى السويداء، في ظل غياب حكومة تعبر عن الشعب السوري، وعدم وجود دستور يقدم ضمانات حقيقية تعبر عن كل السوريين.

وكان الزعيم الروحي لطائفة الدروز الموحدين في سوريا الشيخ حكمت الهجري قال قبل أيام إن الحديث عن تسليم السلاح بالسويداء لا يزال مبكراً، مشيراً إلى وجود هواجس من الوضع القائم. وشدد على أن تسليم السلاح أمر مرفوض نهائياً لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور، الذي يضمن حقوق الدروز وحقوق الجميع، مؤكداً الحاجة إلى دولة مدنية.

هنا الإشكالية؟

يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية إن الإشكالية تكمن في أن هيئة تحرير الشام تعتقد أنها وحدها من خلصت سوريا من بشار الأسد، وبالتالي من المنظور البرجماتي البحت فإنها تريد أن تكون الطرف الأكثر تأثيراً في العملية السياسية؛ من خلال الهيمنة على المناصب.

ويضيف الخبير السياسي، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا يظهر أيضاً في تقديم أحمد الشرع (الجولاني) نفسه على أنه رئيس لكل الجبهات التي كانت تعارض نظام بشار الأسد، وهذا غير حقيقي؛ لأن كثيراً من جبهات المعارضة كانت تتصارع، بما في ذلك ضد الجولاني نفسه.

ويحذر الدكتور محمد صادق إسماعيل من خطورة هذا المنحى، فيقول إن أحمد الشرع يسير في طريق تكرار أخطاء السابقين، فعدم تشكيل حكومة تشمل جميع القوى السياسية يشكل السيناريو الصعب، بما يحمل من ضربة قاسمة لمسار التطور السياسي السوري، بل ويؤشر إلى أنه حتى لو كانت الحكومة الحالية مؤقتة حتى مارس/آذار، فإن الحكومة الانتقالية المقبلة ستكون أيضاً من الموالين لأحمد الشرع.

ويرى إسماعيل إن إصرار أحمد الشرع على لون معين في الحكومة، ربما يعبر عن مخاوف لديه من التنوع والتعددية، وما قد يكون لذلك من تداعيات بتنحية أصحاب أفكار معينة، وتحديداً تنحية هيئة تحرير الشام التي يقودها، مشدداً على الحاجة إلى حكومة كفاءات في ظل "افتقاد الشرع للخبرات الكافية لإدارة دولة".

وواجهت حكومة هيئة تحرير الشام التي كانت تدير إدلب اتهامات كبيرة بقمع حرية التعبير، والتضييق على حقوق النساء، كما طالتها اتهامات فساد إداري ومالي. إلى جانب انتقادات واسعة لسياساتها الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع البطالة وتدهور المعيشة، ما فجر العديد من الاحتجاجات الشعبية من وقت لآخر.

يأتي هذا فيما يروج البعض أن تجربة الهيئة في إدلب تجعلها قادرة على إدارة شؤون سوريا ككل، وهو الأمر الذي تحوطه شكوك كثيرة، فسوريا دولة متعددة التكوينات والخلفيات الثقافية والفكرية، الأمر الذي يدفع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، وكذلك كثير من القوى السياسية إلى التمسك بعملية سياسية شاملة لكل المكونات.