عقدت دار نفرتيتي للنشر والدراسات المصرية ندوة حول المجلد الرابع من كتاب "مانفيستو الحضارة الديمقراطية" والذي حمل عنوان "أزمة المدنية وحل الديمقراطية في الشرق الأوسط" في إطار حملة الحرية للقائد اوجلان والحل السياسي للقضية الكردية، وذلك بعد طبع طبعة جديدة منه، ويتميز المجلد الرابع بوجود قراءة نقدية فيه لمشكلات وقضايا الشرق الأوسط، وكذلك الحل المتمثل في العصرانية الديمقراطية كبديل للحداثة الرأسمالية، والأمة الديمقراطية بديل للدولة القومية.
وأدارالندوة الكاتب الصحفي المصري سيد عبد الفتاح، مدير دار نفرتيتي للنشر والدراسات والترجمة، والذي بعد الترحيب بالضيوف والمشاركين، قدم التحية للقائد عبد الله أوجلان، مبينًا أن القائد أوجلان يوجد في أشد الجزر خطورة و انعزالاً في العالم وهي جزيرة إمرالي، ولكن أفكاره استطاعت أن تتجاوز كل العقبات والعوائق التي وضعها الاحتلال التركي، حيث نظر الاحتلال التركي باختلاف أشكاله سواء كان يساري أو اسلامي أو عسكري إلى الكرد نظرة واحدة.
وفي إطار تقديمه للحلقة النقاشية، أوضح عبد الفتاح أن القائد أوجلان لم يستسلم للأسر و الحبس، والواقع الذي عاش فيه ووصل حركة النضال وتلك الحركة انعكست على نتاجه الفكري الذي لم يعد ملكاً للكرد فقط، ولكن ملكا للإنسانية، يتحدث في المجلد الرابع عن الشرق الأوسط وعن تاريخه وملامحه، ويضع حلول للمشاكل التي يعاني منها ويعيشها الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كانت تطبيق لهذا الفكر على أرض الواقع.
المدخل وأزمة الهوية والمشكلات البيئية
ونقل عبد الفتاح الكلمة إلى إلهامي المليجي، منسق المبادرة العربية لحرية القائد أوجلان، الذي استهل حديثه بأن القائد أوجلان يستحق التكريم وهذا التكريم بذكر فكره وإبداعه، والذي خرج بهذا الإبداع من السجن الجسدي إلى آفاق أرحب جابت كل أنحاء الأرض، مبينًا أنه زار مرتين مناطق شمال وشرق سوريا والتي طبقت بها الإدارة الذاتية أفكار القائد أوجلان على أرض الواقع، حيث كان لأوجلان أبناء نجباء وعوا وفهموا فكره وطبقوه على أرض الواقع رغم التحديات الصعبة التي تواجهه وتواجه المنطقة الجغرافية التي يطبقون فيها، ولكنها حققت نجاح ملموس.
واستعرض المليجي محاور الفصل التمهيدي للمجلد الرابع، مبينًا أن القائد عبد الله أوجلان يشرح أنه يتناول ثقافة الشرق الأوسط في هذا المجلد وأنه بدون فهم هذه الثقافة التي لعبت دور محوري في تاريخ البشرية لا يمكن فهم أزمة المدنية والحضارة الديمقراطية، حيث يعاني الشرق الأوسط من أزمة حضارية وحلها يكمن في الحضارة الديمقراطية، والتي تقوم على 3 محاور هي الحل الديمقراطي للقضايا الاجتماعية والسياسية والحل الاقتصادي والبيئي للمشكلات الاقتصادية والبيئية والحل الأخلاقي للقضايا الأخلاقية والاجتماعية.
ولفت إلى أن المدخل ناقش عدة قضايا أهمها أزمة الهوية، وكيفية أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط كانت على أساس الهوية الثقافية لمجتمعاته، و قضية الحل الديمقراطي والتي تعني أن الحلول الديمقراطية السبيل الوحيد للخروج من الأزمات الحالية وضرورة بناء مؤسسات ديمقراطية، و قضية الاقتصاد والبيئة ويتناول فيها القضايا الاقتصادية والبيئية ومدى ارتباطها بالقضايا الحضارية، وقضية الأخلاق والسياسة ويتناول فيها العلاقة بين الأخلاق والسياسة وأن غياب القيم الأخلاقية تؤدي إلى تفاقم الأزمات، وقضية المرأة ودورها حيث يناقش أهمية المرأة والتي لها أهمية خاصة في فكر القائد أوجلان، وهو ما تم تجسيده في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا خاصة في الرئاسة المشتركة لكل المؤسسات بلا استثناء، حيث وجد أوجلان أن المرأة لديها طاقات هائلة وتلك الطاقات تم حجبها لأسباب متعددة.
والملاحظة الثانية التي تطرق إليها الكاتب الصحفي إلهامي المليجي، هي التحديات التي تواجه الشرق الأوسط والتي تناولها القائد أوجلان، وهي أزمة الهوية حيث يعاني الشرق الأوسط من صراعات على الهوية مما يهدد بتفكك مجتمعاته، والتحديات السياسية ومنها غياب الديمقراطية والدكتاتورية والفساد، والتحديات الاقتصادية مثل البطالة والفقر ومحدودية الدخل، والتوترات الطائفية وتعني الصراعات بين الجماعات المختلفة والتي تعمق الانقسام، وتحدي المرأة والتي عانت من التهميش ، والتحدي الأخلاقي لأن هناك أزمة في القيم الأخلاقية والقيم السياسية، والتحديات البيئية وتحدث فيها عن تدهور الطبيعة وأزمة التغير المناخي، مبينًا أنه وقت صدور الكتاب لم يكن العالم يدرك خطورة المشكلات البيئية وكان القائد أوجلان يستشرف المستقبل، ولفت مبكرًا إلى خطورة المشكلات البيئية والتي كانت تحدي ثانوي وقتها.
ولفت المليجي إلى أن المدخل يعد أساسيًا لفهم الكتاب ككل حيث يقدم سياقَا للأفكار والمفاهيم التي سيتم تناولها لاحقًا، وهو أوضح أن الأزمة الحضارية في الشرق الأوسط ليست أزمة عابرة بل هي نتيجة لتاريخ طويل وتفاعلات سياسية واجتماعية، والإطار يساعد على فهم العمق التاريخي للمشكلات المعاصرة، ويناقش المدخل اهمية الهوية الثقافية والاجتماعية في تشكيل المجتمعات مما يمكن القارئ من فهم كيف أثرت تلك الهوية على الأزمات الحالية، ويربط المدخل بين القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية مما يساعد القارئ على رؤية الصورة واضحة وكيف أن تلك العناصر مترابطة، مما يهيئ القارئ لنقاشات أكثر تعقيدًا ويسهل فهم الأفكار اللاحقة ولذلك يعتبر الفصل الأول انطلاقة هامة لباقي أفكار القائد أوجلان.
مشروع متكامل
وانتقلت الكلمة إلى الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمنهور، والذي قام بالتعليق على الفصل الرابع بعنوان المقاومات التاريخية والبحث عن حلول في مجتمع الشرق الأوسط، مبينًا أنه استمتع بالقراءة في الفصل والغوص في أعماق فكر القائد أوجلان.
وأوضح الإمام أنه لأول مرة يكون أمام مشروع فكري متكامل لحل الأزمات التاريخية والآنية والمستقبلية، معظم الفلاسفة وضعوا حل لجزيئات تخص مجتمعهم ولأول مرة نرى حلول لمجتمعات أخرى، الفلاسفة الألمان والفرنسيون كانوا ضمن منظومة التخديم على الفكر الاستعمار وليس خدمة البشرية، بينما أوجلان انتقل من الخاص للعام، ووظف الخاص في خدمة العام وهنا تكمن عبقريته، فلم يكن أوجلان يهتم فقط بنفسه وكرديته بل بإنسانيته.
واشار الإمام أنه معجب في كتابات أوجلان بالمدخل النظري، والتمهيد للفهم. ولدى أوجلان التاريخ وفلسفة التاريخ، مستطرداً العديد من الأفكار الموجودة في الفصل الرابع. مشيراً إلى نقد أوجلان للمركزية الأوربية، وأن المدنية لم تقدم الحلول منذ خمسمئة ألاف سنة وهي تبحث عن مزيد من السلطة والعنف.
كما بين الإمام أن فلسفة أوجلان لديه ركائز متعددة منها الجانب التاريخي وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم الجغرافية والكثير من الجوانب العلمية التي لاحظها عند قرائته للكتاب الرابع.
وبين الأمام أن أوجلان بين قاعدة انهيار الكيانات الصراع الداخلي والقبائل الخارجية(البربرية) عبر مراحل مختلفة، مشيراً للمراحل المختلفة من أزمات المدنية.
مراحل تطور المدنية الأوروبية
بينما السفير شريف شاهين سفير مصر السابق في العراق بدوره سرد المحطات الرئيسية لفكر القائد أوجلان في الفصل الخامس من مانيفستو الحضارة الديمقراطية والذي جاء بعنوان "الحداثة الأوروبية وقوة الهيمنة الجديدة في نظام المدينة المركزية"، مبينًا أن المفكر عبد الله أوجلان حاول أن يؤصل لفكرة المدينة الحديثة الأوروبية وكيف نشأت من رحم الحضارة المشرقية والصراع الدائر منذ القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر وما أسفرت عنه الحروب الصليبية من احتكاك بين الشرق والغرب، وكيف قدم الشرق الذي كان يتمتع بسمات حضارية معينة من جبال زاغروس وحتي الجزيرة الإيبيرية غربا، للغرب فكر مستنير .
ورصد شاهين عبر قراءته لفكر القائد أوجلان كيف تطورت المدينة الغربية من فكرة المدينة، وقدم نموذج البندقية باعتبارها المدينة التي كانت تشكل دولة في حد ذاتها، واستطاعت من خلال اتصالها بالشرق والغرب أن تكون نقطة ارتكاز من الحضارة لتمثل شكل الدولة المركزية البدائي الذي استمر لمدة قرنين من الزمان، وقدمت أيضا مبادئ الرأسمالية ولكنها كانت رأسمالية بدائية.
انتقل أوجلان من مدينة البندقية وفكرة الدولة المدينة إلى الدولة القومية التي قدمتها تجربة أمستردام في هولندا، ويشرح في هذا الجانب أن أوروبا خلال القرن السادس عشر كانت تريد أن تؤمن التفوق على أنظمة الإمبراطوريات القديمة مثل الإمبراطورية العثمانية التي كانت تهدد عواصم اوروبية، وتلقفت أمستردام الأفكار الصناعية وما قدمته البندقية من نموذج حضاري لتتطور في الصناعة والتجارة والصناعة والصيد وتقدم أسطول حربي قوي لتقدم نموذج للدولة الحربية الاولى في شكلها المنظم، وبدأت نشاطها الاستعماري الذي كان تمهيد لفكر السيطرة الغربي.
ويستطرد سفير مصر السابق في العراق، مراحل تطور المدنية الأوروبية، مبينًا أن أوجلان انتقل للكاتب لمرحلة أكثر تطوراً وهي تجربة بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس واعتبر بريطانيا النموذج الأبرز والأكثر نضجا للفكر الأوروبي في تطور المدينة الدولة واستطاعت أن تستفيد من تطور البندقية وهولندا بل وتعاونت مع هولندا ضد امبراطوريات أخرى مثل الإمبراطورية الإسبانية والنمساوية والفرنسية، واستفادت من وضعها كجزيرة في صياغة نظام حديث ديمقراطي يعتمد على اقتسام السلطة بين الشعب والملك، تتمحور حول الماجنا كارتا وهو دستور حديث قدمته بريطانيا للعالم ليقدم فكرة الديمقراطية الغربية، والذي يقوم على ٣ أعمدة رئيسية وهي الرأسمالية في شكلها الأول والثورة الصناعية التي استفادت منها الإمبراطورية كثيراً والتي نتج عنها العمود الثالث وهو السياسة الاستعمارية التوسعية، وتفاعلت العوامل مع بعضها والتي أسهب الكاتب في شرحها وقدم لها تأصيل تاريخي.
الديمقراطية الغربية وأزمة الدولة القومية
وتناول "شاهين" أول تلك الأعمدة وهو الفكر الاستعماري الحديث والذي نشأ متطور للثورة الصناعية عندما حدث تراكم في الثروات وهنا أرادت الدولة أن تتوسع تجارتها ونفوذها على منطقة أكبر من خريطة العالم، والرأسمالية المتوحشة بشكلها الفاحش والذي احتكر الثروة والسلطة ويشجع على النزعة العدوانية الحربية الذي أوجد المزيد من الانتشار في العالم والمزيد من الحروب، لأن المطلوب هو الحصول على ثروات العالم واستغلال تلك الثروات لصالح الإمبراطوريات الناشئة والواعدة.
ولفت "شاهين" إلى أن نموذج الديمقراطية الغربية خلق العديد من المشكلات التي كان منها مشكلة الدولة القومية التي قدمت كبديل لفكرة الإمبراطوريات القديمة والتي ضمت عدد من الأعراق والأجناس واللغات والبعض منها كان في تجانس واكبر مثال عليها منطقة الشرق الأوسط في العصور الوسطى والامبراطورية العثمانية منذ القرن ال١٦ وحتى القرن ال١٨ كمثال، ولكن استطاعت بريطانيا الدولة الإمبراطورية الاستعمارية الجديدة أن تحارب هذه الأفكار وتقدم فكر جديد مناهض للفكر الشرقي القديم الذي يتأسس على الأديان السماوية الثلاثة، ولكن الدولة القومية بشكلها الحديث التي تقوم على مفاهيم الحدود والوطن ومجتمع الوطن المتجانس بشكل تعسفي مثل ما كان يوضحه هتلر بأنه وطن واحد شعب واحد لغة واحدة عرق واحد دين واحد وثقافة واحدة.
مشكلات الدولة القومية
وأوضح الدبلوماسي المصري، أن هذا الفكر الذي يتنافى مع التنوع الإنساني ومع إنسانية المجتمعات وصادر أفكار ومبادئ كثيرة، وأصبحت الدولة القومية وحش يأكل كل شيء في نظام تحدده الدولة والنظام بغض النظر عن حاجات المجتمع المتعددة أم لا، مشيرًا إلى أن القائد أوجلان تطرق إلى عدد من مشكلات الدولة القومية، ومنها الجنس وكيف عانت المرأة من القهر واستخدامها وجعلها سلعة من السلع، كما كانت في زمن العبودية تباع وتشترى أصبحت تستغل بشكل أكثر حداثة ولكن أكثر قزازة.
وتطرق إلى دور الأسرة والمجتمع الذي شهد خلال الثورة الصناعية نوع من التفسخ والتحلل وتعرضت الأسرة للتفكك، حيث قدم القائد أوجلان مقارنة لدور هذه الأسرة في عصر الثورة الصناعية وفي العصر السابق في عصر الدول الزراعية والامبراطوريات القديمة، عندما كانت القرية أو المدينة الصغرى هي محور الحياة وكان المجتمع بسيط في علاقاته وبسيط في انتاجه، ولكن في الثورة الصناعية كان رأس المال الوحشي الذي يتطلع إلى العنف والدم والقهر ومزيد من تراكم رأس المال، حتى أصبح رأس المال المدار في العصر الحديث ٦٠٠ تريليون دولار وهو رقم مخيف.
أوجلان: الشريف في خصومته والصادق في روايته
وانتقلت الكلمة للدكتور هاني الجمل المحلل السياسي المتخصص بالشأن الدولي، الذي وصف القائد عبد الله أوجلان بالشريف في خصومته والصادق في روايته، لأنه حتى مع أعداءه استخرج لهم الفرص الذهبية لأسباب حدوث هذا معه في الوقت الذي كانت فيه السلطة في تركيا تحاول أن تقمعه وتقبض عليه أوضح أنهم فريقين من الصقور والحمائم وكان منهم من يقبل الفكرة الكردية، ومنهم من رفض واعطى كلا الفريقين حقه في الوقت الذي كان فيه من الممكن ان يقول انه شهيد وأنه غرر به.
ولفت الجمل إلى أن أوجلان فرق بين اليهودية كدين لها فكر إيجابي فدين سماوي وما بين الصهيونية التي جاءت لشيطنة منطقة الشرق الأوسط والتي كانت اهم الاسباب الفعالة في تتبع أوجلان حتى سجنه خلف القضبان لأنهم استشعروا الخطر لأنهم رأوا في النموذج الذي يمكنه أن يجمع الشرق الاوسط على فكرة واحدة تطهير هذه البرامج والمشاريع الاستعمارية عندما يتحدث عن اليهودية كان أمينا وتحدث بحقوقهم التاريخية لأنهم الأقدم في المنطقة سواء كانوا في المدينة او الشام أو فلسطين أو في مصر أو في المغرب لم ينكر وجودهم ولكن من جاءوا في النهاية هم شياطين اتخذوا من اليهودية اسما لعملهم.
وأوضح المحلل السياسي المتخصص بالشأن الدولي، أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا سيكون لها تأثير أكبر من تأثير الحملة الفرنسية التي بقيت في مصر ثلاث سنوات واكتشفتها بشكل أكثر حداثة وتجربة شمال وشرق سوريا ستتمدد الى مناطق اخرى لأنها نادت بفكرة التعايش السلمي وهي اللغة التي يتحدث عنها القائد عبد الله اوجلان في كتاباته وافكاره، وفي تعاملاته ما بعد المحاكمة، مشيرًا إلى أن عبد الله أوجلان جذب الانتباه الى سجن إمرالي ليس فقط لنفسه وإنما لبعض من سجن معه وقمعهم الدولة التركية.