ممارسات سلطة دمشق تهدد سوريا بسيناريوهات غير محمودة العواقب
رغم الآمال والتطلعات التي عقدت على مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلا أن ممارسات سلطة دمشق بقيادة أحمد الشرع لا تزال مخزية.
رغم الآمال والتطلعات التي عقدت على مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلا أن ممارسات سلطة دمشق بقيادة أحمد الشرع لا تزال مخزية.
مع سقوط حكومة بشار الأسد فجر 8 ديسمبر/كانون الأول كانت الآمال والتطلعات منتعشة تجاه المرحلة الجديدة في سوريا، التي عانى أهلها لعقود، وكانت كل الدعوات تؤكد ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة لكافة المكونات دون إقصاء أو استثناء، في بلد معروف بأنه صاحب فسيفساء متنوعة قومياً ودينياً وعرقياً ومذهبياً ومناطقياً.
لكن ما يحدث في المقابل على أرض الواقع أن غالبية القرارات المتخذة من قبل سلطة دمشق، وكذلك الممارسات الواقعية بعيدة تماماً عن تنفيذ وتحقيق تلك الدعوات، وأصبحت القرارات من قبل تلك السلطة تأتي في إطار استئثار وهيمنة تشتم منها رائحة الطائفية والتمييز، والأحداث تتوالى لتؤكد ذلك.
بين مجازر الساحل والإعلان الدستوري
وقد جاءت المجازر المروعة التي شهدتها بعض مناطق الساحل السوري على أيدي من جرى وصفهم بـ "شبيحة الجولاني" أو "الشبيحة الجدد" لتكشف جانباً من حقيقة من يديرون سوريا ما بعد سقوط الأسد، ولتؤكد أن العبارات الوردية التي يرددها بعض قادة "هيئة تحرير الشام" – منبثقة عن تنظيم القاعدة – ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي، خاصة أمام الرأي العام الدولي.
ولم تكد نار تلك المجازر تنطفئ، حتى خرج الشرع بإعلان دستوري أثار انتقادات وغضباً واسعاً؛ في ظل الطابع الطائفي الواضح له، وتجاهله التام لطبيعة المجتمع السوري متعدد ومتنوع المكونات، وأتى كما لو كان من وضعته قوى أخرى غير سورية على هواها، كمؤشر جديد يستكمل حالة الإقصاء التي شهدها مؤتمر الحوار الوطني المزعوم الذي عقد مؤخراً.
قابلية للتصعيد
في هذا السياق، حذر محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية من خطورة هذا الصراع والمنحى في سوريا الذي شهدناه بالساحل، والذي يهدد بوضع البلاد أمام سيناريو التصعيد القابل للاتساع، معتبراً أنه حتى الاتفاق الذي أبرم بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي بخصوص وضع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" يبدو هو الآخر جاء بضغوط خارجية على الشرع لمجرد تهدئة الأوضاع الداخلية بعد المجازر التي وقعت.
وأضاف "اليمني"، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن ما حدث في الساحل السوري يجب الوقوف عنده كثيراً، لأن يضع السوريين أمام صورة ضبابية للغاية، لا يخدم فقط إلا بعض المصالح الضيقة لبعض الفصائل، وبعض الأطراف الإقليمية والدولية، مشدداً على الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في تلك التوجهات، ووضع حد قوي لتلك الممارسات.
وتشير تقديرات إلى أن المجازر التي وقعت في مناطق الساحل السوري راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص أغلبهم من الطائفة العلوية، الأمر الذي أدانه مجلس الأمن الدولي بشدة، مطالباً سلطة دمشق بتوفير الحماية لجميع السوريين دون تمييز، وهو البيان الذي اعتبره مراقبون رسالة تحذيرية، وانعكاس لحالة القلق التي تسيطر على المجتمع الدولي تجاه تلك السلطة.
حكم الإسلاميين
بدوره، أعرب محمد فتحي الشريف مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات عن قلقه إزاء سوريا ومستقبلها، فمنذ اللحظة الأولى لسقوط بشار الأسد، أو حتى قبل سقوطه، كان علاج الأزمة السورية معروفاً؛ وهو أنه لا بد من إطلاق عملية سياسية شاملة لكل المكونات السورية، وإذا لم يحدث ذلك فإن كل ما تغير في سوريا سيكون مجرد تغيير شخصيات وليس سياسات أو ممارسات.
وأضاف "الشريف"، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن تجارب حكم المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي جاءت مخيبة للآمال خلال السنوات الماضية، موضحاً أنهم عادة يطلقون التصريحات الرنانة عن الحريات والديمقراطية وتمثيل الحاكم للجميع، إلا أن كل ذلك يتبخر بعد وقت قصير، ويتحول الأمر إلى ممارسات سلطوية يتم تغليفها بطابع ديني، وهذا هو الأخطر ازدواج السلطوية بالدين، مشدداً على أن الاستمرار على هذا النهج يعني أن سيناريو ما جرى بالساحل يمكن أن يتكرر ويصل إلى مناطق أخرى وضد مكونات أخرى.
ويتشكك مراقبون فيما إذا كانت أحداث الساحل عابرة أم تعبيراً عن طائفية دفينة لدى حكام سوريا الجدد، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، محذرة من أن هناك إشكالية واضحة أنه يتم اعتبار كل أبناء الطائفة العلوية فلول لنظام بشار الأسد، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة أن استمرت تلك المزاوجة.