بين الخداع والخوف.. ماذا وراء مغازلة أردوغان وبهجلي العلنية للكرد؟
الأيام الماضية كانت التصريحات المتوددة للكرد على لسان أردوغان وحليفه بهجلي عديدة، ومثيرة للتساؤلات، خاصة وأن مؤشرات عدة تشير إلى أنها قد تحمل نوعاً من الخداع.
الأيام الماضية كانت التصريحات المتوددة للكرد على لسان أردوغان وحليفه بهجلي عديدة، ومثيرة للتساؤلات، خاصة وأن مؤشرات عدة تشير إلى أنها قد تحمل نوعاً من الخداع.
رغم حملته المتشددة بحقهم، يخرج أردوغان ويصرح أن الكرد هم "إخوة لنا"، بعد كل ما كاله من اتهامات لهم وزج بهم في السجون وتشريد وانقلاب على نتائج الديمقراطية، بل ولا يزال يواصل تلك الممارسات، لكن هناك تحولاً ظاهرياً على الأقل في الخطاب – لا شك – ليس منه فقط بل حتى من حليفه المتطرف دولت بهجلي.
والمتابع لمسيرة رجب طيب أردوغان يعلم جيداً أنه سياسي برجماتي بامتياز، يفعل الشيء ونقيضه طالما ذلك يحقق مصلحته، وهو يعلم جيداً أن الأمور ليست في صالحه، لا سيما بعد خسارة الانتخابات البلدية التي جرت في مارس/آذار الماضي، فلم يعد أمامه إلا أن يتراجع خطوات للوراء، ويغازل المعارضة سواء الكمالية أو الكردية، وله في ذلك مآرب عديدة.
ما أشبه الليلة بالبارحة
وليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان بهذه اللهجة، فهو من أطلق في عام 2009 ما يعرف بـ "عملية السلام مع الكرد"، وهنا جرت مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني استمرت لسنوات بهدف إنهاء هذا النزاع المندلع منذ عقود، وقد بلغت ذروة نجاحها عام 2013 عندما أعلن القائد عبد الله أوجلان من محبسه دعوته إلى وقف إطلاق النار في هذه المرحلة.
حتى هنا كانت ملامح انفراجة واضحة وطي لصفحة نزف فيها عشرات الآلاف الدماء، لكن مع اتساع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وتهديده أغلبية العدالة والتنمية في البرلمان، وكذلك مع أطماع أردوغان الواضحة في شمال وشرق سوريا وضربه واحتلاله للمناطق الكردية، تبخرت أحلام المصالحة وإنهاء هذا النزاع، وشن النظام التركي حملات شرسة متتالية سواء في الداخل ضد الكرد من حيث الاعتقالات والاتهامات بالإرهاب وتقييد الحريات والتمييز، أو خارجياً بارتكابه جرائم لا تعد في شمال وشرق سوريا وكذلك شمال العراق، مستعيناً في ذلك بتحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف لتنهار بذلك عملية السلام.
وها هي الأيام تدور دورتها ويكرر أردوغان تصريحات مماثلة حين تحدث عن "الإخوة الأبدية بين الأتراك والكرد" وضرورة الحفاظ على ذلك، وأن الدولة للجميع، وهي التصريحات التي أتت بعد أيام من تصريحات حليفه دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية التي دعا فيها عبدالله أوجلان إلى حل حزبه مقابل العفو عنه، ما يثير تساؤلات عدة حول أسباب هذه التوجهات لدى التحالف الحاكم، التي تأتي نقيضاً لما كان عليه بالأمس القريب.
أسباب داخلية وخارجية
المحلل السياسي التركي محمد أمين كليج يرى أن الأسباب من وراء تلك التصريحات متعددة ما بين داخلية وخارجية، يأتي في مقدمتها التطورات الجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتحول مع الوقت إلى ما يشبه الحرب الشاملة، حيث تسود المخاوف لدى النظام التركي من أن تمتد إلى أجزاء من أراضيه.
ويضيف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه على الصعيد الداخلي فإن النظام يفتح المجال لتغيير الدستور أو إجراء تعديل عليه، بما يسمح لأردوغان أن يترشح لفترة رئاسية جديدة، في ظل أنه وفق الدستور الحالي لا يمكنه القيام بذلك، هذا رغم أنه سبق وأعلن أن عهده في الحكم ينتهي بولايته الرئاسية الحالية.
ويلفت كذلك إلى أن العامل الاقتصادي على رأس الأسباب كذلك، حيث أن البلد الذي لا توجد فيها ديمقراطية لا يمكن أن يتجه المال والثروات إليه وإنما يهرب منه، وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي تجد السلطات نفسها مضطرة الى دمقرطة البلاد.
نوايا جادة؟
لكن هناك قسم كبير يشكك في نوايا الرئيس التركي، خاصة أنه في الوقت الذي يطلق فيه تصريحاته هذه تواصل سلطاته انتهاكاته بحق الكرد والتنكيل السياسي بهم داخل الحدود التركية، فضلاً عن صدور قرار قضائي جديد بحرمان المفكر عبد الله أوجلان من الزيارة بعد أن كانت هناك زيارة قبل أيام كانت الأولى منذ 4 سنوات ونصف وتضمنت رسالة إيجابية من القائد الكردي، وإلى جانب ذلك يشن الاحتلال التركي ضربات بربرية بحق الأبرياء في مناطق شمال وشرق سوريا.
في هذا السياق، أبدى سيد عبد الفتاح رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF) عدم قناعته بجدية أردوغان في حديثه هذا، خاصة أنه في كثير من المرات بادر الكرد والمفكر أوجلان إلى إعلان وقف إطلاق النار، لكن للأسف الدولة التركية لم تستقبل تلك الخطوات الجريئة بما يجب أن تستقبله به سواء العمليات العسكرية أو التهمش.
واعتبر أنه ربما يريد أردوغان بتلك التصريحات إحداث حالة من الفتنة وإثارة الانقسامات بين صفوف الكرد، في ظل وجود أزمة واضحة داخل النظام، مشدداً على أنه لو كان جاداً لأصدر على الفور أمراً بإطلاق سراح أوجلان المعتقل منذ 25 عاماً في جزيرة إمرالي، لا سيما أن ذلك يمكن أن يحدث بطريقة أو بأخرى.
وضع شمالي سوريا والعراق
وتتزامن تصريحات النظام التركي مع ضربات واعتداءات مكثفة الفترة الماضية على مناطق شمال وشرق سوريا وكذلك شمال العراق، ما يثير كثيراً من الاستغراب والتناقض، فكيف يتحدث أردوغان عن الإخوة مع الكرد وفي نفس الوقت يواصل جرائمه من قتل وتشريد وتدمير للبنى التحتية وضرب للأهداف المدنية في المناطق الكردية.
يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أردوغان يريد أن يقسم الملف الكردي إلى قسمين، الأول داخلي وهؤلاء يرى أنه يمكن أن يجري معهم بعض التفاهمات، وقسم خارجي يتعلق بالكرد في سوريا والعراق الذين يتخذهم ذريعة لتبرير أطماعه واعتداءاته على سيادة الدولتين وهؤلاء يريد أن يواصل حربه ضدهم.
ويرى العبيدي أن الرئيس التركي لن يفلح في مسألة الفصل التي يريدها، لأن الملف الكردي كله شيء واحد وهذا هو الأساس، والحل يجب أن يكون شاملاً للقضية الكردية ككل، معرباً عن قناعته أن هذه الأمور تقول إن أردوغان ليس جاداً في التوصل إلى حلول، وإنما يطلق بعض التصريحات التي يريد منها كسب الوقت وتحقيق بعض المصالح الخاصة التي يمكن أن يكون بينها تعديل الدستور على نحو يتيح له الترشح مجدداً.
ويؤكد أن أردوغان يدرك جيداً أن المواجهة المفتوحة مع الكرد خيار فاشل، خاصة أن رغم كل ما فعلت الدولة التركية لم يتراجع الطرف الكردي عن تمسكه بما يدافع عنه، ومن هنا ربما أراد النظام التركي التراجع ولو قليلاً للخلف حتى لو في حدود الداخل التركي فقط.