السيسي وتبون.. قمة مصرية جزائرية في توقيت بالغ الحساسية

استقبل الرئيس المصري نظيره الجزائري، أمس الأحد، في زيارة تحمل كثيراً من الدلالات، لا سيما مع ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من تحديات جسام خصوصاً على الصعيد الفلسطيني.

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤتمراً صحفياً مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بقصر الاتحادية في العاصمة المصرية القاهرة، وحمل عديداً من الرسائل التي غلبت عليها بشكل كبير تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتحديداً قطاع غزة، إلى جانب ملفات أخرى جرى الإشارة إليها سواء الوضع في ليبيا أو السودان أو التعاون على الصعيد الثنائي بين البلدين.

والعلاقات بين القاهرة والجزائر تاريخية ومتعددة، وتشكل واحدة من أهم العلاقات العربية – العربية حتى وإن مرت بفترات توتر محدودة أو تباين للرؤى، وإذا أخذت الأبعاد الاقتصادية في الاعتبار فإن البلدين لديهما حرصاً واضحاً على مدار السنوات الماضية لتعزيز أواصر التعاون ومسيرة التنسيق المشترك بينهما تجاه القضايا الإقليمية.

شعور بالخطر؟

"الحكومات العربية بدأت تستشعر الخطر"، بتلك العبارة علق الكاتب الصحفي الجزائري أحمد بوداوود على زيارة تبون إلى مصر، موضحاً أن هذه الحكومات بدأت تنظر بقلق إلى تصريحات بنيامين نتنياهو التي يتحدث فيها عن شرق أوسط جديد، ما يعني أن الأمر لن يتوقف عند قطاع غزة، لا سيما مع تلميحات اليمين الإسرائيلي بتوسعة إسرائيل.

وأضاف، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الجزائر ومصر من الدول المؤثرة بشكل كبير في المنطقة ولهما ثقلهما، ومن ثم فنحن أمام فترة حساسة تتطلب التباحث وتبادل الرؤى بين الحكومات العربية المؤثرة، مشدداً على أن الشرق الأوسط يواجه تحالفاً غربياً غير معلن ضده "يمثل الكيان الصهيوني"، حتى وإن "أظهر هذا التحالف بعض المفاهيم الكاذبة مثل السلام الإقليمي والاستقرار"، على حد قوله.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بيامين نتنياهو سبق وصرح قبل أسابيع أن بلاده تتبع خطة منهجية لتغيير واقع الشرق الأوسط، الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين تعبيراً عن نية إسرائيل بمواصلة الحرب لأبعد مدى ممكن، ورغبة تل أبيب في استغلال الوضع الحالي لفرض نفسها كقوة مهيمنة على الشرق الأوسط، كما هو الحال بالنسبة للهيمنة الأمريكية على العالم ككل.

مبادرة جديدة

ولعل أبرز ما جاء في قمة "السيسي – تبون" كان كشف الرئيس المصري عن طرحه مبادرة لوقف إطلاق النار بقطاع غزة لمدة يومين، على أن يتم تبادل 4 محتجزين إسرائيليين مقابل بعض الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مشيراً إلى أنها تأتي بهدف تحريك الموقف الحالي.

وأوضح السيسي أنه إذا تم تطبيق هذه الهدنة يتم التفاوض خلال العشرة أيام التالية على استكمال الإجراءات في القطاع وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات، لافتاً إلى أن الفلسطينيين يتعرضون لحصار صعب في غزة يصل إلى حد المجاعة، مشدداً على أهمية إدخال المساعدات في أقرب وقت، وهي المبادرة التي أعلن الرئيس الجزائري دعمه لها.

والمتابع للشأن الفلسطيني يعلم أنه خلال الفترة الماضية طرح العديد والعديد من المبادرات، لكن الإشكالية تأتي دائماً حين التنفيذ، وعادة ما تخرج اتهامات متبادلة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بإفساد جولات التفاوض، إلا أن كثيراً من المراقبين يرون أن رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتسبب الرئيسي في تعطيل وقف إطلاق النار لعديد من الأسباب.

يقول الدكتور ماهر صافي المحلل السياسي الفلسطيني، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مصر لا تريد شهادة بحقها في ما يتعلق بدورها وجهدها تجاه الشعب الفلسطيني كما أن الجغرافيا والتاريخ تفرضان عليها القيام بذلك الدور، لكن الإشكالية الرئيسية ليس في المقترح المقدم من قبل الرئيس السيسي، ولا الوساطة المصرية القطرية الأمريكية، ولا غيرها من الجهود الدؤوبة لوقف إطلاق النار.

وأوضح أن الإشكالية تكمن في أن "الاحتلال الإسرائيلي" لا يريد الخروج من قطاع غزة ويريد تدميره بالكامل، مشيراً إلى أن الرئيس السيسي جدد تأكيده رفض محاولات التهجير القسري للفلسطينيين، وهذا يأتي لأن تل أبيب فاقمت عدوانها خلال الأسابيع الأخيرة، فأصبح يتم حرق المنازل ونسفها منزلاً منزلاً، وبالتالي ما يشهده القطاع إبادة تامة وتدمير ممنهج هدفه تهجير الفلسطينيين.

الملف الليبي

وإلى جانب مناقشة القضية الفلسطينية والأوضاع في لبنان والسودان، كان الملف الليبي حاضراً بقوة في مباحثات "السيسي – تبون" لا سيما أن البلدين ينخرطان بشكل كبير في الأزمة الليبية، وقد تقاربت وجهات نظرهم في أوقات ما وتباينت في أوقات كثيرة بين طرفي النزاع، لكن في قمة أمس كان التوافق بين الزعيمين العربيين على أن الحل في ليبيا يأتي من شرعية الانتخابات.

يقول الأكاديمي الليبي الدكتور حسين الشارف، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الدورين المصري والجزائري دائماً كانا حاضرين بقوة في المشهد السياسي الليبي بمختلف تطوراته، مؤكداً أن التنسيق المشترك بينهما من شأنه أن يحرك المياه الراكدة في الأزمة الليبية، التي نرى أنها في حالة ثبات خلال الفترة الماضية، معتبراً أن ذلك ربما يعود للانشغال بما يجري مع الأشقاء الفلسطينيين.

ويؤكد الشارف أنه من المعروف مدى قوة العلاقات التي تجمع الحكومتين المصرية والجزائرية بأطراف الأزمة الليبية، وبالتالي لديهما تأثيرهما الكبير، وكل منهما له علاقاته ببعض الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في هذا الملف، مشدداً على أن القاهرة والجزائري بمكنهما فعل الكثير إذا كان هناك تنسيقاً مشتركاً بينهما، معرباً عن أمله أن يساعد ذلك في دفع ملف الانتخابات خطوة للأمام.

وزيارة تبون إلى مصر التي بدأت أمس وتنتهي اليوم هي ثاني زيارة له منذ أن تولى رئاسة الجزائر، إذ كانت الأولى في يناير/كانون الثاني من عام 2022، كما أنها الأولى له خارجياً منذ إعادة انتخابه لعهدة ثانية تستمر 5 سنوات في سبتمبر/أيلول المنصرم، علماً أن الرئيس المصري حين انتخب عام 2014 لأول مرة كانت الأراضي الجزائرية أولى محطاته الخارجية، وكانت وقتها زيارة تحمل كثيراً من المعاني والدلالات على صعيد العلاقات الخارجية المصرية.