المُلّا غرزاني: أردوغان يدين جرائم اليهود بغزة ثم يقوم بقتل المدنيين الأبرياء في سوريا

يقدم المفكر عبد الله أوجلان رؤية عميقة ومتميزة حول الإسلام وتطبيقاته الحياتية، لكن ربما لم يسلط الضوء عليها بشكل كاف، خاصة طرحه لمفهوم "الإسلام الديمقراطي".

وللوقوف حول رؤية أوجلان بشأن الإسلام وموقفه من قضايا مثل مفهوم الدولة القومية والإسلام السياسي والآخر والتعايش تحدثت وكالة فرات للأنباء (ANF) مع الملا محمد رشيد الغرزاني الرئيس المشترك لمؤتمر الإسلام الديمقراطي في شمال وشرق سوريا، الذي أكد أن فلسفة أوجلان ومفهوم الأمة الديمقراطية الذي طرحه تتقاطع مع دستور المدينة المنورة الذي وضعه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ويقوم على فكرة التعايش والمواطنة والمساواة بين جميع القوميات والأديان والمذاهب.

كما تطرق الغرزاني خلال حديثه عن أفكار عبد الله أوجلان حول موقف الإسلام ومفهوم الدولة القومية، وكذلك موقع تيارات الإسلام السياسي (السنية والشيعية) من صحيح الدين الإسلامي، منتقداً بشدة هذا التيار الذي أساء إلى صورة المسلمين، وتحول إلى مجرد أداة لخدمة المستبدين، مشيراً في هذا السياق إلى ما يقوم به النظام التركي من اعتداءات على المدنيين والأبرياء في شمال وشرق سوريا.

إلى نص الحوار:

*كيف كانت رؤية المفكر عبد الله أوجلان للإسلام وتطبيقاته في الحياة السياسية من خلال متابعتك لأفكاره وفلسفته؟

- الحديث عن رؤية عبدالله أوجلان ومفهومه عن الدين الإسلامي وتطبيقاته أمر يحتاج إلى شرح طويل ومراجعات كبيرة، ولكن نحن على سبيل المثال في الفترة التي عرفت بـ"الربيع العربي" التي تحولت إلى خريف عربي، طرحنا على الإدارة الذاتية أن نقوم بنشاط ديني من شأنه المساهمة في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، اعتماداً على فكرة "الخط الثالث" أي الوسطية فلا نتعاون مع المعارضة ضد الدولة ولا نتعاون مع الدولة ضد المعارضة، وهذه الرؤية أنا أرى أنها في صميم الإسلام، فعندما تثار الفتن يجب ألا نكون أطرافاً فيها، وعلى هذا أنشأنا اتحاد علماء المسلمين في مقاطعة الجزيرة عام 2015 بهدف مواجهة النزاعات الدينية والطائفية والمذهبية والقومية، وكل هذه النزاعات الما ورائية، وعملنا على تخفيف حدتها ونزعتها في المجتمع، وهذا ما تدعو إليه أفكار أوجلان. كما كان لدينا نشاطاً في أوروبا من خلال الحركة الإسلامية والتي كانت محبذة من جهة القائد عبد الله أوجلان، فقد كان لنا نشاطات في نشر رؤية الإسلام الوسطي، ووقتها جرى تنظيم مؤتمر في آمد تحت عنوان "مؤتمر الإسلام الديمقراطي" تقريباً في عام 2016، وقد وجه أوجلان رسالة لهذا المؤتمر وأبدى من خلاله رأيه وكان لديه توصياته.

*ما أهم ما استوقفك في هذه الرسالة ورأيت أنه يعبر عن قيم الإسلام الوسطية؟

- الحقيقة أن الرسالة تضمنت العديد من الأمور، في مقدمتها أن الإسلام أتى لإصلاح المجتمعات، وقد أيد فكرة المؤتمر، وأن نكون طرفاً في نشر الإسلام المحمدي، الإسلام المدني الذي كان وثيقة المدينة هي الشعار الكبير له، والتي لو تمسك المسلمون بها لما حدث شقاق بينهم وبين بعضهم أو غيرهم على أساس ديني، ولهذا اتخذنا وثيقة المدينة كمناخ وأرضية لتفسير مفهوم الإسلام الوسطي، فهي وثيقة معروفة ساوت بين جميع المواطنين بكافة فئاتهم الدينية والعشائرية والهوياتية وضمنت لهم جميعاً حقوق المواطنة في المدينة التي كانت تضم إلى جانب المسلمين المسحيين واليهود ومختلف العشائر، وتضمنت نحو 41 بنداً يمكن القول إن من خلالها أسس النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فيدرالية تعبر عن كل تلك العشائر في مدينة واحدة، كل على ربعته، والربعة وقتها هي المجلس الكبير الذي يحضر به كبير العشيرة مع أفرادها ويبت في كل الأمور التي تخص العشيرة والعلاقات مع العشائر الأخرى، فقد كانت الربعة بمثابة برلمان لكل عشيرة، بينما كان هناك توافق وتحالف على أساس الدفاع المشترك عن الجميع لا على أساس أي هوية أو مذهب أو دين.

*هناك رأي أن أفكار أوجلان بشأن الأمة الديمقراطية تتقاطع كثيراً مع الفكرة التي قام عليها دستور المدينة، إلى أي مدى تتفق مع ذلك؟

- أتفق مع هذا الرأي مئة بالمئة، وعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى تطبيق مفهوم الأمة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، ستجد جميع المكونات جنباً إلى جنب وجميعاً معاً اعتماداً على رؤية المفكر عبد الله أوجلان، وقد نشر الفكرة الكرد لكن نجد العرب الذين يدافعون عنها أضعاف الكرد، وهناك أيضاً الآشوريين إلى جانب الكلدان والمسيحيين والأرمن، وهناك حالة قبول بين جميع المكونات لبعضها البعض.

*المفكر عبد الله أوجلان كان لديه رؤية بأن مفهوم الدولة القومية يتعارض مع جوهر الإسلام أو مع مفهوم الإسلام الديمقراطي الذي طرحه؟

- بالفعل، لأن الدولة القومية تخالف الحقوق القومية، وتعطي الأولوية لقومية على حساب باقي القوميات التي لن تحصل على حقها مطلقاً، لكن الدولة وفق الأمة الديمقراطية تجعل الجميع سواسية كما تقول وثيقة المدينة المنورة كذلك، فلا يُنكر فيها لا حق الكردي ولا العربي ولا غيرهما، ولا تقوم كذلك على حكم الأغلبية وإنما تقوم على احترام الجميع سواء كانوا أغلبية أو لا.

*أيضاً المفكر عبد الله أوجلان رأى أن تيارات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي لا تتماشى مع روح الإسلام الحقيقي، ماذا عن هذه الرؤية؟

- للأسف بسبب هذه التيارات أصبح كثير من المسلمين يعانون، فقبل نحو 40 عاماً على سبيل المثال لم يكن هناك أي إشكالية تواجه أي مسلم ملتح في أوروبا وكانت صورته طيبة أمام الجميع ومعروف أنه يعيش في سلم مع الآخر، لكن بسبب ممارسات تلك التنظيمات أصبحت هناك حالة نفور من المسلمين في أوروبا وأصبحوا موضع اتهام دائماً، كما أن شعوب دول الشرق الأوسط عانوا من هذا التيار كما حدث في مصر والجزائر وسوريا. ومشكلة الإسلام السياسي أنها ترتبط بأفكار لا ترتبط برؤى الدولة الوطنية وعادة ما يستخدمها المستبدون للسيطرة على المجتمعات، فأي حاكم مستبد قد يستعين برجال دين لإضفاء الشرعية الدينية عليه، وبالتالي عندما يخرجون ضده يتم توصيفهم بأنهم أعداء للإسلام، وكم من نصوص دينية فسرت أو أُولت لخدمة هؤلاء المستبدين وما يرونه فقط لا غير.

*ماذا عن رؤيتك لتيار الإسلام السياسي في تركيا؟

- سألفت نظرك إلى ما يؤكد مدى ازدواجية تيار الإسلام السياسي، قبل أيام وقع هجوم استهدف مجمع تصنيع للطائرات المسيرة في أنقرة، على الفور المجلس الإسلامي السوري أصدر بيان إدانة لهذا الهجوم وأكد رفضه العنف، لكن فجأة رأينا شمال وشرق سوريا تحت القصف التركي، تم قصف الأفران ومولدات الكهرباء والنفط ومنشآت الغاز، وحتى الحواجز الأمنية التي تسهر على أمن المواطنين يتم قصفها بشكل شبه يومي، وحتى مستودعات الطحين قصفها أردوغان، وإذا كان هذا يعبر عن الإسلام السياسي فأنا أسأله ما مصلحة الإسلام في أن يتم استهداف المدنيين وتقصف الأفران ومستودعات الطحين؟!، هذا هو نفس ما يفعله اليهود بحق الفلسطينيين الذين نتمنى لهم السلام في قطاع غزة، وعند حالة غزة فإن موقف المجلس الإسلامي السوري يتطابق مع موقف أردوغان بأن ما يجري في القطاع ضد الإنسانية ويخالف كل المعايير الدولية، إذا كان الأمر كذلك وهذا رأيك يا أردوغان بشأن غزة فلماذا تقصف المدنيين في شمال وشرق سوريا وتفعل ما يفعله اليهود في الفلسطينيين؟!، وهنا يظهر الوجه المشبوه للإسلام السياسي، فهو في الواقع إسلام لا إنساني ولا إسلامي. كما تأتي تصرفات أردوغان هذه في وقت نحن ندعو إلى الحوار وقد رأينا رسالة السيد عبد الله أوجلان الأخيرة التي تعني أن يدنا ممدودة للحوار.

*ماذا عن نشاطكم الدعوي وما تقومون به لنشر الفهم الصحيح للدين الإسلامي القائم على التعايش؟

- نشاطنا يقوم على المبادئ الأساسية للإسلام، الإسلام الذي بني على خمس أركان معروفة، لكن نحن نخالف من يدعون إلى العنف من خلال دعوتنا للحوار، هم يدعون إلى إزاحة الآخر بينما ندعو نحن إلى الحوار والشراكة مع الآخر، كما أن لدينا معاهد دينية تدرس مواد التربية الإسلامية وعلوم التفسير والقرآن والحديث، ويتم التدريس في إطار أسلوب يدعو إلى الحوار والسلم. وعلى نفس النهج تسير أنشطتنا في الخطب بالمساجد واللقاءات التليفزيونية، ونؤمن بالدعوة السلمية وأن الحساب على الله فالدين علاقة بين الإنسان وربه، كما ندعو إلى الإسلام الوسطي المعتدل ولا نرفض الآخر، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأعطاه حرية المعتقد ولهذا قال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً).