السعودية بين روسيا وأمريكا.. لماذا جاء تمثيل الرياض في بريكس منخفضاً؟

كان ملاحظاً غياب ولي العهد السعودي عن قمة بريكس التي استضافتها مدينة قازان الروسية رغم توجيه الدعوة له، ما وجه الأنظار إلى حسابات السعودية تجاه علاقاتها بين روسيا وأمريكا.

كانت السعودية أعلنت في يناير/كانون الثاني الماضي أنها ستمارس عضويتها الكاملة في مجموعة بريكس (BRICS)، الإعلان الذي جاء كخطوة استراتيجية هامة تعكس التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم بصفة عامة، وبصفة خاصة تعبر عن رغبة من قبل الرياض في تنويع علاقاتها الخارجية لا سيما مع الصين وروسيا، في ظل حالة من تذبذب الثقة لديها بشأن اهتمام الإدارة الأمريكية بما تراه المملكة مصالح لها وكذلك قلقها إزاء فهم واشنطن لأولويات الأمن القومي السعودي، خاصة التهديدات الإيرانية.

ويضم تجمع بريكس خمس دول رئيسية هي (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، إضافة إلى عدة دول أخرى انضمت لهذا التجمع مؤخراً مثل مصر والإمارات والسعودية، ولهذا فهي تشكل مع الوقت قوة اقتصادية متصاعدة، وقد وضعت على رأس أولوياتها تغيير بنية النظام الاقتصادي العالمي الليبرالي من خلال تقليل هيمنة الدولار الأمريكي لصالح التبادل بالعملات الوطنية لتلك الدول أو إنشاء عملة جديدة بديلة للدولار.

وقد تصاعدت أفكار توسيع بريكس بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وإن أخذت أبعاداً اقتصادية فإنها عبرت عن الرغبة المتصاعدة لدى موسكو وكثير من الدول الأخرى في كسر شكل النظام الدولي القائم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق سنة 1991، أي الذي حل بانتهاء الحرب الباردة، ومعه كانت الهيمنة للولايات المتحدة، ومن هنا لم تجد كثير من القوى الإقليمية إلا واشنطن أمامها وانعدم تقريباً المجال للمناورة السياسية، ولهذا سادت النظرة إلى تجمع بريكس باعتباره كياناً مناوئاً للولايات المتحدة.

تمثيل السعودية

وفي وقت حضر جميع قادة الدول الأعضاء (القدامى والجدد) إلى قمة بريكس التي عقدت على مدار 3 أيام في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، اكتفت المملكة العربية السعودية بمشاركة وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، ما فاقم حالة الضبابية حول عضويتها، وما إذا كانت أصبحت عضواً بالفعل أم لا، وكذلك أثيرت التساؤلات حول غياب الأمير محمد بن سلمان والاكتفاء بتمثيل على مستوى وزير الخارجية.

وكانت تقارير روسية قد أشارت قبل أسابيع إلى أن تمثيل السعودية في القمة "لن يكون على المستوى المأمول"، مشيرة إلى أن المملكة تتجنب اتخاذ خطوات قد تثير توتر في العلاقات مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، فالمملكة تريد البريكس مع الحفاظ على علاقتها بالغرب، حسب ما نقل وقتها موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

يقول الدكتور إحسان الخطيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة موري ستايت الأمريكية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن سياسة السعودية تقوم على تعدد الصداقات، إلا أن علاقتها الأهم بالطبع تكون مع الولايات المتحدة الأمريكية، مشدداً على أنه لا يمكن أن تضحي بها لصالح منظومة جديدة لا تزل غير راسخة بعد، على حد قوله.

وأضاف الخطيب أنه لهذا السبب كان الحضور السعودي على مستوى وزير الخارجية، لأنه كما قلت فإن العلاقات بين الرياض وواشنطن تاريخية، ولن تضحي الأولى بها مطلقاً من أجل منظومة بريكس، لا سيما أن العلاقات الأمريكية – السعودية تتحسن بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن يتواصل هذا المنحنى التصاعدي لتحسن العلاقات إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها خلال أيام.

ومن المعروف أن السعودية تسعى إلى تقليل اعتمادها على الاقتصادات التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا والانفتاح على اقتصادات ناشئة وقوية مثل الصين والهند وروسيا، بما ينسجم مع رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وهي فرصة لتعزيز دورها السياسي في إطار علاقات متعددة الأطراف، وتوسيع نفوذها في قضايا مثل الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا.

وأعلن الكرملين قبل أسابيع أنه قدم دعوة رسمية للسعودية للمشاركة في قمة البريكس بدورتها الـ 16، لكنه قال إنه "من غير المتوقع" أن يحضر بن سلمان القمة، وأن وفد المملكة سوف يترأسه وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، ويأتي هذا في وقت كانت العلاقات بين موسكو والرياض أخذت مساراً أكثر تطوراً، لكن ربما القاعدة تقول دائماً إن علاقات المملكة مع الولايات المتحدة قادرة على تجاوز أي علاقة أخرى.

هذه هي مصالح السعودية

لكن حازم الغبرا المستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية لا يتفق مع الرؤية التي ترى أن التمثيل السعودي جاء ضعيفاً لعدم رغبة الرياض في الإضرار بعلاقاتها مع أمريكا، وقال إن كل دولة تتحرك حسب مصالحها، والسعودية تحركت في وقت ما باتجاه بريكس، وحتى لو كانت هذا على غير رغبة الولايات المتحدة فإنه لن يكون سبباً في كسر العلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن، وبالتالي ليس هناك ما يقول إن الأولى تخشى تأثر علاقاتها مع الثانية.

وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه يبدو أن السعودية رأت أن بريكس لن تقدم شيء عملياً وإنما هي مجرد خطط ورؤى على الورق غير ناضجة بعد – ولن تنضج – لأن فكرة التجمع معقدة للغاية ويتم تسويقها فقط إعلامياً دون أن تتضمن شيء ملموساً عملياً، وتقوم على الاستعراض الإعلامي لمسألة استخدام العملات المحلية، فضلاً عن التناقضات الكبيرة بين الدول الأعضاء، وفقاً له.

ومع التمثيل المنخفض للسعودية كقوة إقليمية كبيرة وكذلك كقوة اقتصادية عالمية مهمة، وكذلك إعلان الأرجنتين اعتذارها عن المشاركة تماماً، فإن هذا يلقي بظلاله على مستقبل هذا التجمع، لا سيما أنه بالفعل هناك خلافات بين كثير من أعضائه تتنوع بين سياسية وحدودية واقتصادية، فضلاً عن عدم التكافؤ بين عملات تلك الدول من حيث القوة، ولهذا هناك رأي يرى أن بريكس ولدت ميتة.

لكن رأي آخر، يرى أن نجاح بريكس ممكن في إطار التحولات الإقليمية والدولية، والتطورات التي تطال بنية النظام الدولي، بشرط توافر الإرادة والرغبة لدى الأطراف الكبيرة الفاعلة في هذا التجمع، والاتجاه إلى علاقات أكثر تنوعاً والابتعاد عن الولايات المتحدة ولو قليلاً، خاصة أن هذا التجمع يشكل فرصة لبعض الدول الفقيرة التي تعاني في مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي.

جدير بالذكر أن السعودية حرصت على مدار السنوات الماضية على تنويع علاقاتها لا سيما بين روسيا والصين، وقد ترجم ذلك عبر تدخل باكين ورعايتها اتفاق تطبيع العلاقات بين المملكة وإيران، وقد أتت تحركات الرياض هذه كردة فعل على اتباع الإدارة الأمريكية سياسة تقوم على الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط لحساب التركيز على مناطق جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، ما أعطى إيحاء للسعوديين أن واشنطن لم تعد تولي اهتماماً بمتطلبات الأمن القومي السعودي.

كما أن هناك من يرى أن الولايات المتحدة ربما أقدمت على إعادة تصحيح مسار العلاقة مع السعودية، بعد أن رأت تحركات الأخيرة للابتعاد عن واشنطن، خاصة وأن الإدارة الأمريكية لديها خطة أخرى تتعلق بمساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، ولهذا فإن الجانب الأمريكي لن يكون من مصلحته إغضاب نظيره السعودي، وكانت المفاوضات في هذا المسار قطعت شوطاً كبيراً ربما لم يتعطل إلا بسبب الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة.