المراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية.. الإرهاب بين التقْية والتمكين

شغلت قضية تطرف ديني عقول الساسة وصناع القرار في العالم لعقود طويلة، ما استدعى الدول العظمى وعلى رأسها بريطانيا المعنية -منذ القدم- بملف الجماعات الإسلامية إلى اتخاذ مواقف معادية ضدهم تزامنا مع توجيه الدول العربية والإسلامية بضرورة الاهتمام بمناهج التعليم.

في مطلع السبعينيات انتشرت ظاهرة الإحياء الديني بين الجماعات الراديكالية، ضمن مسعى نشر الفكر الديني المتطرف بما يُفضي إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد الحكومات والدول، ووفقا للعديد من الدراسات الغربية والعربية هناك عدداً من القواسم الفكرية المشتركة بين كافة التيارات المتطرفة، تمثل الأساس الفكري للمغالاة والتشدد وتحتاج لمقاربات فقهية وشرعية متخصصة لمعالجة المنهجيات الخاطئة للتيارات الدينية على اختلاف مشاربها بدءًا من تنظيم الإخوان والجماعة الإسلامية في مصر وانتهاء بالقاعدة وداعش وما خرج من رحمها.

العودة للإرهاب

بعد اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات على يد عناصر جهادية من الجماعة الإسلامية، حاولت القاهرة مواجهة التطرف من خلال عمليات الاحتواء بعيدا عن الاقتصار على الفكر الأمني، وحينها ظهرت مبادرة مهمة شاركت فيها جهات عدة لإجراء مراجعات فكرية لقيادات وعناصر الجماعة القابعين في السجون، واستهدفت مجموعات من الجناح السري التابع لجماعة الإخوان المسلمين وكان الأزهر ومنهجه الوسطي هو المرجعية الدينية المتخصصة في وضع البرامج الفكرية بما تتضمنه من تصحيح للمفاهيم، وبالرغم من نجاح المبادرة واعتراف قيادات أعضاء الجماعة بأخطائهم وإطلاق سراحهم من السجون، إلا أنهم عادوا لممارسة الإرهاب بأبشع صوره في 2013 واستهدفوا الكنائس ومنشآت الدولة وحتى المدنيين الأبرياء بما يدلل على أن فكر التشدد متأصل في عقول الجماعات المتطرفة أما إذعانهم للمبادرة فجاء رغبة في الخروج من السجون ومباشرة الحياة الطبيعية.

يجسد النموذج المصري حالة عامة لم تتكرر في أي من الدول، عكس اهتمام بالغ من الدولة بهذا الملف إلا أن المعنيين لم ينتبهوا إلى أن المستهدفين بالمراجعات يصنفون الحكومات والرؤساء وحتى قيادات المؤسسات الدينية على أنهم كفار ويجب اغتيالهم  ومن ثم لم تكن لديهم النية للتصحيح وإنما ممارسة التقية داخل اقبية السجون، دون أن ينحسر فكر المتشددين بل على العكس ظهرت بعد ذلك جماعات دينية أكثر تطرفا ودموية بداية من الجهاديين الذين استخدمهم الأمريكان في حرب أفغانستان  وانتهاءً بتنظيمي القاعدة وداعش، والجماعات الأخرى التي أعلنت انشقاقها لأسباب خلافية عسكرية أ ميدانية بعيدا عن فكر التطرف الذي يمثل القاعدة، حيث أسس أسامة بن لادن لفكر التنظيم من خلال مؤلفات مفتي الجماعة حول الدين والحكم والتعامل مع المسلمين ولم تخل كتب التنظيم من التأصيل لإباحة دماء المسلم وغير المسلم، وفي فكر الإخوان الأقل تشددا هناك تمييز بين عضو التنظيم والمسلم العادي كما أن سيد قطب أباح حمل السلاح في سبيل إقامة دولة الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم.

اغتيال الدول

لا يتوفر وصف.

منير أديب الباحث في شئون الجماعات الإسلامية قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ الجماعة الإسلامية قادت العنف في مصر في حقبة التسعينات مراهنة على الوصول إلى السلطة من خلال الإرهاب بعد تغليفه بصبغة شرعية من خلال البحوث والدراسات التي أصّلت للعنف، ونفذت عمليات اغتيال لمئات المدنيين ورجال السياسة والقضاء ورجال الدين والفن والثقافة والإعلام، كما تورطت في اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ومنذ تلك اللحظة عملت على استهداف الدولة بكل أجهزتها، وأنشأت لذلك الجناح العسكري في العام 1987، رغم أنها كانت تمارس العنف قبله بسنوات.

لا يتوفر وصف.

صلاح حسن الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أن قرار الجماعة الإسلامية ومن على شاكلتها بإجراء مراجعات فكرية لمناهجها لا يأتي إلا في لحظات الضعف والهوان، ففي لحظة انكسار الجماعة الإسلامية قررت مراجعة أفكارها في أقبية السجون، قبل ربع قرن، رغم رفضهم في بداية الأمر أي مراجعة والتحايل عليها، فأرادوها تفاوضاً مع الدولة لا مراجعة، وحينما رفضت الدولة أعلنت مبادرة وقف العنف من طرف واحد، وتدخلت الدولة بدافع حماية فكر الشباب وانتشال المغيبين منهم من بين مخالب التنظيم، وعقب الانتهاء من تلك المراجعات الفقهية انقلب عليها قادة الجماعة وأعضائها، معلنين تبرؤهم والعودة إلى العنف مرة ثانية، وبالفعل خرجت الجماعة الإسلامية من السجون ولكنها عادت إلى ممارسة العنف بعد العام 2013 بصوره المختلفة.

إدارة التوحش

في كتاب بعنوان إدارة التوحش يظهر دستور واستراتيجية الجهاديين، وتزامن صدوره مع التحولات الاستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية وذلك بالتحول من مقاتلة العدو القريب المتمثل بالنظم السياسية العربية والإسلامية التي تنعتها بالمرتدة إلى مقاتلة العدو البعيد المتمثل بالغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية التي تنعتها بـ «رأس الأفعى»، أن على المجاهدين إن سيطروا على منطقة ما أن يقيموا فيها إمارة إسلامية لتطبق الشرع وترعى مصالح الناس من طعام وعلاج، في حين تتولى القيادة العليا - المركزية - التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويات، وقد يتشابه هذا النموذج مع ما جرى في محافظة إدلب السورية، ويؤكد أننا تعيش مرحلة التقية فقط حتى يصل الجهاديين إلى التمكين من الحكم.