أثار خبر وفا رئيس الدولة التركية الأسبق تورغوت أوزال، قبل ساعات من انتهاء ملف المصالحة مع القائد عبدالله أوجلان العديد من التساؤلات حول سبب وطبيعة وفاته، وسط تكهنات باغتيال الرجل على خلفية استعانته بالرئيس العراقي جلال الطالباني وسيطاً بينه وبين القائد اوجلان لحلحلة الأزمة وبدء عهد جديد من المصالحة مع الشعب الكردي، وحينها أكدت العديد من المصادر أن وفاة أوزال أفشلت المفاوضات وسط تشكيك في طريقة وفاته حتى أن هناك من اتهم مراكز القوى القوميّة التقليدية بالتدخل والتخلص من أوزال لرفضها حل القضية الكردية سلمياً.
وفاة غامضة
عقب وفاته بسنوات طويلة تم تشكيل لجنة تحقيق لفحص رفات أوزال عام 2012، بأمر من خلفه عبدالله غول، وتوصلت اللجنة إلى أن أوزال قتل مسموماً، وهو ما فسر سبب الوفاة الغامض، خاصة بعد إلغائه الحظر المفروض على اللغة الكرديّة، وإفساحه المجال لنشاط حركة الطباعة والنشر بالكرديّة، فصدرت صحيفتان وتأسس المعهد الكردي في إسطنبول، ودخل مجموعة من البرلمانيين الكرد إلى البرلمان التركي كمستقلين عام 1991.
ورغم انفتاح أوزال الليبرالي على الشعب الكردي، زادت أعمال العنف ضد الكرد وتصاعدت وتيرتها التي أجبرت البعض على الدفاع عن النفس بسبب تواطؤ عناصر الشرطة واستغلال الجيش لتلك الأحداث لممارسة ضغوط سياسية على الساحتين المحلية والدولية في محاولة لتبرير جرائم الإبادة الجماعية وحينها نفذت مؤسسة الاحتلال العسكرية اجتياحا بريا لبعض المناطق وعلى رأسها كردستان العراق في التسعينيات من القرن الماضي واستعان الجيش بعشرات الآلاف من الجنود والمدفعيّة والمدرّعات مدعومة بغطاء جوي إلا أن الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان العراق تصديا للقوات وأفشلت عناصرهما خطة الاجتياح وهو ما دعا أوزال إلى تكليف طالباني بالتوسّط بينه وبين القائد أوجلان الذي استجاب معلناً عن هدنة أفضت إلى مفاوضات انتهت بمقتل تورغوت أوزال.
جرائم الإبادة

أكد الدكتور محمد محمود دوداني أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة دمياط المصرية في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أن «عهد تورغوت أوزال شهد إبادة جماعية حيث استهدف الجيش 3 آلاف قرية كردية، نافيا أن يكون انفتاح أوزال غرضه الحل السلمي للقضية الكردية وإنما مجرد التغطية على جرائم الإبادة التي تمت بحق الشعب الكردي، مثلما يحدث تماما الآن في إقليم شمال وشرق سوريا حيث تجري تركيا مفاوضات مع القائد عبدالله أوجلان وتباشر حرب إبادة في نفس الوقت مستهدفة سد تشرين والعديد من المنشآت الحيوية التي تمثل أهم مصادر الحياة بهدف تهجير السكان واقتلاعهم من أراضيهم، ومن ثم فإن ما يحدث للشعب الكردي يأتي وفق منهج عنيف متأصل في مؤسسات الدولة ولا يختلف الأمر بين أردوغان وأوزال كثيراً ففي عهدهما جرت وتجري جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الكردي».
وساطة مهددة

فيما قال الدكتور كرم سعيد الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات، في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إن الأزمة الراهنة بين تركيا والإدارة الذاتية بإقليم شمال وشرق سوريا، شهدت جهوداً عديدة للوساطة، وعلى رأسها وساطة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي التقى في 16 يناير/كانون الأول 2025 بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في هولير، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، والتوصل إلى حل دائم للمواجهات الحالية، خصوصاً وأن التغيرات التي شهدتها سوريا بعد الأسد زادت من الضغوط على الإدارة الذاتية الكردية، حيث ساهمت في صعود نفوذ أنقرة، باعتبارها أهم الداعمين للإدارة السورية الجديدة، تزامنا مع ما شهده إقليم شمال وشرق سوريا، خلال الشهرين الماضيين، من زيادة في معدلات عنف الفصائل السورية المرتبطة بتركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي فإن مبادرة حزب العمال الكردستاني تأتي إدراكاً لطبيعة التهديدات والمخاطر التي تشهدها مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية بفعل التهديدات التركية والفصائل الموالية لها، وانعكاساتها على مستقبل الإدارة الذاتية الكردية خلال الفترة المقبلة. ولكن يبقى نجاح مبادرة حزب العمال الكردستاني مرهوناً بمدى تفاعل تركيا معها، وهو أمر غير مرجح بالنظر إلى رغبة تركيا في مواصلة توظيف القوة الصلبة ضد الحزب.