المشروع الاستعماري التركي في العالم العربي.. مخطط عودة الإمبراطورية العثمانية

أيقظ غياب المشروع العربي، حلم الإمبراطورية العثمانية من جديد، خاصة بعد اتساع نطاق الجغرافيا الحاضنة لتحركات القوى الدولية الطامحة لتوسيع نفوذها، نتيجة الإخفاق في خلق نماذج اقتصادية مستقرة في الشرق الأوسط.

لعبت التحولات السياسية في العالم العربي خلال العقود الماضية دوراً مهماً في تغيير شكل الجغرافيا السياسية وتراجع دور الدولة القومية إلى جانب انحسار التحالفات العربية الناجم عن اختلاف الرؤى وتضارب تعريفات الأمن القومي العربي والأمن القومي لكل دولة منفردة، ووفقا لتلك المعطيات خُلقت مساحة واسعة للاعبين الجدد على الصعيد الإقليمي، وبدأت ارهاصات تلك التحولات في حرب الخليج ثم حرب الحوثيين في اليمن 2006 لتبدأ منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة صعدت خلالها دول إقليمية نحو ممارسة الهيمنة بعد نجاحها في ملء الفراغ الناجم عن التحولات السياسية والحروب وغيرها من الأسباب.

توسع النفوذ

فتحت إيران شهية تركيا على إعادة مشروعها الاستعماري إثر توسيع دوائر نفوذها بالمنطقة في أعقاب أحداث 2011، فبعد إعلان نتائج استفتاء العام 2007 في فرنسا برفض انضمام دولة الاحتلال التركي إلى الاتحاد الأوروبي، توعد أردوغان الغرب بالسيطرة على مناطق نفوذه وضرب مصالحه من خلال تحركات على الصعيدين السياسي والعسكري، خاصة بعد إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية حينها «كونداليزا رايس»، عن بدء تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة التي استعد لها الاحتلال التركي جيدا بتقوية علاقته بتنظيم الإخوان المسلمين تمهيدا للسيطرة على صناعة القرار السياسي في أكبر دولة بالمنطقة، ومن ثم فإن توسع النفوذ التركي في الشرق الأوسط بعد أحداث 2011 يعود إلى تقلص نفوذ الاتحاد الأوروبي وترك الساحة خالية للأتراك الذين وصلت جرأتهم إلى حدود أبعد من تهديد مصالح أوروبا بل واحتلال إحدى دولها «قبرص».

رغبات استعمارية

تسعى دولة الاحتلال لإشباع رغباتها الاستعمارية المتأصلة في وجدان الساسة العثمانيين ففي 8 ديسمبر 2024 هدد أحد نواب البرلمان التركي باستعادة مدينة حلب السورية مؤكدا أنها مدينة تركية ويجب استعادتها، فضلا عن التمدد التركي في إفريقيا ومحاولة إقامة قاعدة بحرية في البحر الأحمر وتحديدا بميناء سواكن السوداني تزامنا مع تحركات على الصعيدين العسكري والدبلوماسي للتدخل في ملف دول حوض النيل وتحديدا الخلاف بين أثيوبيا والصومال ضمن أهداف السياسية الخارجية التي تعمل على خلق موضع قدم لدولة الاحتلال في أهم ممر ملاحي دولي.

ويبدوا أن النزعة الاستعمارية التركية تتجدد من قرن لآخر كلما سنحت الظروف دون أن يخفت الحلم أو يتخلى عنه العثمانيون الجدد، ففي الثمانينات أعلنت حكومة تورغوت أوزال عن مشروع لنقل المياه من العراق للكويت ثم دول الخليج عبر خط أنابيب والهدف المعلن هو الدعم والمساندة أما الهدف الحقيقي فتمثل في الهيمنة والسيطرة والتحكم في الشعوب، وحينها رفضت دول الخليج المشروع لأنها تعلم مساعي الاحتلال الخفية، وفي الستينيات أعلنت أيضا عن تدشين خط مياه من العراق للأردن ثم إسرائيل فيما عُرف بمشروع الجاب الذي لم يكتمل.

غياب عربي

أكد عاطف مغاوري نائب رئيس حزب التجمع في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ تراجع القومية العربية وتفتت الدول بعد حرب 73  ثم احتلال الكويت من قبل العراق والغزو الأمريكي، خلق صدعا في المشروع العربي الذي أثر بالتبعية على السياسة الخارجية المصرية التي تتعرض لحصار اقتصادي بعد أحداث 2011 وهو ما منح دولة الاحتلال التركي مساحة للتحرك بحرية في الشرق الأوسط، فمصر كانت تملأ الفراغ ومن بعد 1979 بدأ  حصارها دوليا واقتصاديا في محاولة للحد من دورها الريادي بما ينح الاحتلال التركي مساحة واسعة للتحرك سواء في الشرق الأوسط أو القرن الإفريقي.

فيما أوضح حسن بديع الكاتب الصحفي والمحلل السياسي في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ هناك نماذج واضحة تعكس مخططات الاحتلال التركي الهادفة إلى السيطرة على مقدرات الدول العربية وثرواتها النفطية وما يحدث في سوريا خير دليل على ذلك على جانب الوجود العسكري التركي في إفريقيا بداية من الدولة الليبية وانتهاء بنيجيريا، مستغلة القلاقل والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط لتقوم بدورين محددين أحدها لصالح دول استعمارية تلتقي مصالحها مع المصالح التركية والثاني دور تركي استعماري خالص يتطلع إلى إعادة حقبة الاستعمار العثماني».