ووجّه القائد عبد الله أوجلان وجه رسائل عدة من سجنه في إمرالي تضمنت دعوة تاريخية من أجل إعادة تقوية الأخوة التركية الكردية، وبدء مرحلة سلام، وأن الحل لا يمكن تأجيله، وجاءت تلك الرسائل تزامنا مع الإصرار التركي على حرب الإبادة في شمال وشرق سوريا ووصل الأمر إلى تدمير البنية التحتية في مناطق الإدارة الذاتية التي وصفت الجرائم التركية بالاحتلال الساعي إلى نشر حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
مناورة سياسية
قبل أسابيع، ظهرت مناورة سياسية لأردوغان بوادرها في إعلان بدء مفاوضات مباشرة مع القائد عبد الله أوجلان، وهو ما تلقته الأوساط الدولية والإقليمية بترحيب وحذر وسط توترات إقليمية ودولية، دفعت البعض إلى التشكيك في جديتها، خاصة وأنه سبق وأن أنكر مرارا وجود قضية كردية في تركيا، رافضا منح حق التعليم باللغة الكردية، بل هو فقط باللغة التركية كما رفض منح حُكم ذاتي للكرد ويُشدِّد على أن تركيا أمّة واحدة ودولة واحدة وعَلَما واحدا ولُغة واحدة، في إشارة إلى استبعاد أي عنصر غيْر تركي من أيديولوجيا الدولة.
ووفقا للمعطيات الراهنة تمثل القضية الكردية حجر عثرة في تأثيرها الإقليمي وتقديم نفسها كدولة ديمقراطية على خلاف الحقيقة، حيث تمارس في الوقت نفسه جرائم إبادة ضد الكرد في شمال وشرق سوريا وغيرها من المناطق، إلا أن المتفائلين أكدوا أن أردوغان يعي جيدا المخاض الذي يمر به الشرق الأوسط والتغييرات العنيفة التي تواجه المنطقة وهو ما دفعه إلى المناورة حول القضية الكردية التي تمثل فضيحة إنسانية وسياسية وقانونية لحكومة تركيا بسبب حجم الجرائم التي تمارس ضد الكرد.
متغير جديد
ويطرح المتغير الجديد في السياسة التركية عدة تساؤلات، أبرزها ماهية حل المشكلة وآلياتها فإذا كان أردوغان يسعى جديا لحل القضية فهل سيحقق المطالب الكردية؟، أم أنه سيُناور فيما يتعلق بمطالب الهُوية واللغة واللامركزية الواسعة، فضلا عن حرية القائد عبد الله أوجلان كشرط كردي أساسي لأي تسوية، لما يُمثِّله من رمزية كردية فضلا عن إطلاق سراح المُعتقَلين الكرد.
محمود صلاح الباحث في الشأن التركي أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «القضية الكردية لا تمثل مجرد قضية داخلية تركية وإنما لها أبعادا إقليمية ودولية حيث ينتشر الشعب الكردي في عدة دول العراق وإيران وتركيا وسوريا، وبالتالي فإن حلول القضية لا يمكن أن تقتصر على الداخل التركي نظرا لتداعياتها على المنطقة برمتها»، وهو ما يؤشر إلى أن مناورة أردوغان جاءت لتحقيق أهداف إقليمية دون أن تتعلق بالداخل التركي وهو ما قد يرجح إمكانية ممارسة المجتمع الدولي ضغوطا لتحقيق آمال وتطلعات الشعب الكردي في نيل حقوقه المهضومة من عقود طويلة.
بيان نيروز
وقال الدكتور طه علي: «ليست المرة الأولى التي تخوض فيها تركيا مفاوضات مع القائد عبدالله أوجلان، فسبق وأن دخلت مفاوضات قبل 12 عاما تكللت بما يعرف ببيان نيروز أبدى فيها القائد مرونة لحل القضية الكردية، لكن عدم التزام تركيا أثار حفيظة الجميع وفشلت الجولة التفاوضية، وفيما يخص عملية التفاوض الجارية فإنها تأتي وفقا للمتغيرات الجديدة سواء في سوريا أو لبنان والتي جعلت تشعر بنشوة الانتصار وتعول على القوة العسكرية ضد الكرد ولا أتوقع أن يبدي أردوغان إيجابية تجاه حل القضية الكردية، ويتبقى حالة الارتياح على الصعيد الداخلي تجاه مضمون رسائل القائد أوجلان الذي أبدى مرونة كبيرة لحل القضية الكردية خاصة وأن لديه التزاما أخلاقيا تجاه الشعب الكردية جميعه ولديه استعداد لتقديم العون ولديه رؤية نافذة حول شكل الخريطة الإقليمية في الشرق الأوسط وآليات حل أزمات المنطقة».