"التحديات تتفاقم".. سياسيون مصريون: التعاون بين العرب والكرد أمر حتمي لا اختياري
يكاد التاريخ العربي لا ينفصل عن نظيره الكردي، ففي هذه المنطقة عاش الكرد إلى جوار العرب، وتقاسما معاً نفس التحديات والأخطار تقريباً، التي تؤكد حاجتهما للتعاون.
يكاد التاريخ العربي لا ينفصل عن نظيره الكردي، ففي هذه المنطقة عاش الكرد إلى جوار العرب، وتقاسما معاً نفس التحديات والأخطار تقريباً، التي تؤكد حاجتهما للتعاون.
وما من شك أن منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، قد تكشفت أكثر مع الهجمات الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، والمحاولات الإيرانية المستمرة للهيمنة وتوسيع النفوذ، فضلاً عن الاحتلال التركي الذي يجد نفسه أمام فرصة تاريخية للتلاعب بديمغرافية المنطقة على حساب الشعب الكردي، ويسعى لتحقيق أطماعه.
في هذا السياق، تحدثت وكالة فرات للأنباء (ANF)، مع عدد من المثقفين والسياسيين المصريين الذين أكدوا عمق العلاقات بين العرب والكرد، في بيئة تقاسما فيها التاريخ والجغرافيا، على نحو جعل الأمن القومي العربي يرتبط بهذا الشعب العريق، وخلق حالة من التداخل الثقافي والاجتماعي والحضاري، داعين إلى ضرورة تنسيق المواقف بينهما والتعاون الذي لم يعد أمراً اختيارياً.
ارتباط وثيق.. مصر نموذجاً
يقول الكاتب الصحفي المصري البارز فتحي محمود صاحب كتاب العلاقات العربية الكردية إن الحديث عن العلاقات بين العرب والكرد يحتاج إلى سنوات وسنوات، فالكرد هم ظاهرة فريدة كما أقول دائماً في الواقع والتاريخين العربي وكذلك الإسلامي، وهم مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بهذا الإقليم الذي نعيش فيه.
ويدلل محمود على طبيعة هذه العلاقات بالحالة الكردية خاصة منذ عهد القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين وخلص المنطقة من شرورهم، مشيراً إلى أن الأزهر الشريف على سبيل المثال خصص رواقاً للكرد تخرج منه عديد من علماء الدين، ومن على الأراضي المصرية انطلقت أول صحيفة كردية عام 1989 كمناسبة يتم الاحتفاء بها كعيد للصحافة الكردية حتى يومنا هذا.
ويلفت محمود إلى أن هناك العديد من العائلات الكردية التي هاجرت إلى مصر وانصهرت مع المصريين وأصبحت جزءاً من النسيج الوطني المصري، كما لعبوا دوراً رئيسياً في صناعة الحضارة المصرية والارتقاء بثقافتها، لافتاً إلى أن هناك كثيراً من الشخصيات التي تعبر عن هذا الدور مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وعائلة بدرخان السينمائية المعروفة ورائد الإصلاح قاسم أمين، ولا يمكن أن ننسى هنا الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، وبالتالي فهذا نموذج يعبر عن طبيعة العلاقات التي ربطت بين العرب والكرد.
ولهذا، يقول الكاتب الصحفي فتحي محمود إن الأمن القومي العربي ارتبط بالكرد وكانت هناك ضرورة دائمة للتنسيق معهم، معرباً عن اعتقاده بأن الحاجة تتصاعد الآن إلى هذا التنسيق في ظل تراجع الدول العربية وسط 3 مشاريع تتصارع من أجل الهيمنة على المنطقة ما بين الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين، على نحو أدى إلى تراجع الدولة الوطنية وتفاقم الصراعات الداخلية، وبالتالي هناك تحديات مشتركة تستوجب التنسيق بين العرب والكرد، لا سيما في ظل ما تعانيه المنطقة خلال الفترة الأخيرة من أزمات غير مسبوقة.
أهمية مشتركة للطرفين
بدوره، يؤكد المحلل السياسي المصري رامي زهدي أهمية العلاقات العربية الكردية للطرفين، فالشعوب العربية تحتاج بشدة لعلاقات قوية مع الشعوب الكردية، لا سيما أننا تظلنا جميعاً سماء واحدة وأرض واحدة وجزء من الشعب الكردي يتواجد في المنطقة العربية، وبالتالي إن لم يكونوا معنا تحت نطاق الدول العربية فهم على الأقل جيران مباشرين لنا سواء في تركيا أو إيران.
وأضاف زهدي أن العلاقات العربية الكردية على مر التاريخ ممتدة ومتأصلة، مشيراً إلى أنه لم تكن هناك فكرة العرق بقدر ما كانت هناك فكرة التوحد الجغرافي في مواجهة الأخطار المشتركة التي تواجههما، مشيراً إلى أن الكرد لعبوا في هذا السياق دوراً مهماً في التاريخ المصري القديم والحديث بما قدموا من قادة سواء عسكريين أو سياسيين أو في مجال الفن ولم يكن أحد يسأل عن أصول أحد وقتها.
وقال زهدي أنه بمنتهى التجرد فإن العلاقات العربية الكردية هي قاطرة لمواجهة التنمية والمشكلات والتحديات، لا سيما أن ما يواجهه الكرد من مشكلات هو نفسه ما يواجهه العرب فنفس المشكلات الاقتصادية الواحدة تقريباً، والكرد لديهم طاقات كبيرة وإذا دمجوا في إطار علاقات كردية عربية قويمة فإننا سنكون أمام مخرج إيجابي لصالح شعوب المنطقة ككل، كما أن التعاون بينهما حتمي وليس اختياري.
ويقول المحلل السياسي المصري إن المشكلة التي تواجهها الشعوب الكردية من الدول التي تقع في نطاقها تشتت انتباه وتركيز ومجهود الكرد الذين يكافحون من أجل إثبات هويتهم أو الاحتفاظ بكرديتهم، مفترضاً أن العلاقات العربية الكردية القويمة يمكن أن تساعد الكرد في الوصول إلى صيغة تساهم في التعبير عن هويتهم وثقافتهم، وبالتالي نكون أمام فرصة لإيجاد طاقات أكثر إبداعاً وإنتاجاً، لأن الشعوب المشغولة بإثبات هويتها لن تجد وقتاً للبناء والحرب والتحرك إلى الأمام.
وأشاد زهدي، في ختام تصريحاته، بالدور الذي لعبه كرد سوريا تحديداً في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي وما قدموا من بطولات في مواجهة الجماعات الإرهابية، كما أن كرد العراق لديهم تجارب جيدة في الديمقراطية والاقتصاد، وكرد تركيا يحاولون بدورهم التداخل في الديمقراطية والسياسة التركية وإفادة الشعوب المختلفة بمن فيهم الأتراك، وكذلك يحاول كرد إيران رغم ظروفهم الصعبة، وبالتالي فنحن أمام شعوب منتجة وتستطيع الاندماج في إطار جغرافي قبل أن يكون قومياً في ظل أننا نتقاسم نفس المساعي والأهداف والتحديات.
علاقات ضاربة في عمق التاريخ
تاريخياً، يقول الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ بجامعة دمنهور المصرية إن العلاقات بين العرب والكرد ضاربة في عمق التاريخ لا سيما مع اعتناق غالبية الكرد الإسلام السني، كما أن كثيراً من القبائل العربية سكنت في الأراضي الكردية تاريخياً، وما من شك أن هذا قد أضاف عاملاً لعدم الاستقرار في هذه المنطقة في ظل صعوبة التكيف بين أبناء الصحراء العربية وأبناء الجبال الكردية، إلا أن الإدارات العربية فضلت عدم التدخل في هيمنة أغوات الكرد على رعاياهم واعتبارهم حراس الثغور، وكان ذلك عاملاً رئيسياً في إقدام الكرد على اعتناق الإسلام السني والدفاع عنه بتفان جنباً إلى جنب مع العرب، فكان التقارب بينهما في هذا الإطار كبيراً.
ولفت الإمام إلى أن الحضور الكردي كان بارزاً خلال العصر العباسي الثاني إذ تأسست كيانات سياسية مستقلة وشبه مستقلة حكمتها سلالات كردية، لكن لعدم توحد هؤلاء في دولة أو إمارة واحدة تمكن الأتراك السلاجقة من إسقاطهم واحدة تلو الأخرى واستيلاء الأتراك على كثير من الأراضي الكردية خلال النصف الأول من القرن الحادي عشر، لكن الكرد لاحقاً نجحوا في تأسيس دولة الأيوبيين (1169-1252م) التي امتدت من جنوب القوقاز شمالاً حتى اليمن جنوباً ومن وادي دجلة شرقاً إلى طرابلس غرباً، مشيراً إلى أن الصراع الصفوي العثماني في السيطرة على المنطقة خلال فترات سابقة لعب دوراً محورياً في صياغة ملامح الأزمة الكردية بتقسيم أراضي الكرد بينهما، وكذلك لعب دوراً في صياغة ورسم ملامح العلاقات العربية الكردية.
ويقول الإمام إن القرن الـ19 كان شاهداً على ظهور الفكر القومي في فترة كان العرب والكرد هم من رعاة الدولة العثمانية، أي أن الاثنين ينطبق عليهما نفس الأمر ويواجهان نفس المعاناة لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى وإبرام معاهد سيفر، وبالتالي تنصل الإنجليز من كل الوعود التي قطعوها للعرب والكرد والأرمن والآشوريين ولم تنفذ فقط إلا وعد بلفور الذي قطعته لليهود، وصولاً إلى عقد الدول المنتصرة في الحرب اتفاقية لوزان مع تركيا والتي أتت للأسف على حساب القوميات غير التركية، وصولاً إلى الوضع الحالي، الذي وفقاً لها، يفرض الحاجة المستمرة إلى التعاون بين العرب والكرد.