تناقضات السوداني.. يطالب بإخراج التحالف الدولي من العراق ويتجاهل الاحتلال التركي
قبل أيام عاد من جديد رئيس الوزراء العراقي للحديث عن رحيل قوات التحالف الدولي من العراق، في وقت يلتزم صمتاً تاماً وغريباً حيال تواجد قوات الاحتلال التركي.
قبل أيام عاد من جديد رئيس الوزراء العراقي للحديث عن رحيل قوات التحالف الدولي من العراق، في وقت يلتزم صمتاً تاماً وغريباً حيال تواجد قوات الاحتلال التركي.
تحدث محمد شياع السوداني عن مواصلة تعزيز قدرات الدفاع الجوي العراقي ومراقبة الأجواء ضمن مرحلة إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، مؤكداً أن هدف الحفاظ على أمن وسيادة العراق على أرضه وأجوائه ومياهه محور رئيسي ضمن مستهدفات البرنامج الحكومي في مجال الدفاع ومواجهة التحديات الأمنية، لا سيما في مرحلة ما بعد انتهاء مهام التحالف الدولي.
وليست هذه المرة الأولى بالطبع التي يتحدث فيها رئيس الوزراء العراقي عن خروج قوات التحالف الدولي، لكن تساؤلات عديدة تقفز إلى الواجهة مع كل تصريح أو تلميح عراقي بشأن قوات التحالف الدولي والوجود العسكري الأمريكي في البلاد، تتعلق بأسباب الصمت على وجود القوات التركية شمال البلاد، وبمدى قدرة بغداد من الأساس على الاستغناء عن وجود قوات التحالف، ليس هذا فحسب، بل تُثار تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة العراقية صاحبة قرار من الأساس في هذه المسألة.
تقاطع مصالح
يقول السياسي الكردي العراقي الدكتور حكيم عبد الكريم، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه عند النظر إلى أي تواجد لقوات أجنبية فإنها تشكل انتهاكاً لسيادة الدولة أو انتقاصاً منها بصرف النظر عن هذه القوة، وأحد التعريفات الأساسية للسيادة أنها غير قابلة للتجزئة، إذن عندما يتحدث شياع السوداني عن مغادرة القوات الأمريكية وقوات التحالف فقط، فإن هذا ليس إلا انعكاسات للضغوط التي تقع على عاتقه من إيران والتحالف الذي يسيطر على السلطة.
وأضاف أنه من ناحية ثانية، فإننا نعلم أن هناك انتخابات في المرحلة القادمة، معرباً عن اعتقاده بأن السوداني تمكن من زيادة نفوذه الفترة الماضية لكنه بحاجة إلى كسب الرأي العام العراقي في ظل وجود أكثرية منتمية إلى الإطار التنسيقي وإيران، إلا أن سكوته عن التواجد التركي ليس إلا خروجاً عن المبادئ الأخلاقية والمسؤولية التي تقع على عاتقه بالمحافظة على سيادة الدولة ككل.
واعتبر عبد الكريم أن الصمت على الوجود التركي من قبل الحكومة العراقية يعبر عن تقاطع المصالح بين الدولتين التركية والإيرانية، مشدداً على أن وجود القوات التركية داخل إقليم كردستان يؤدي إلى زعزعة الإقليم، وأن هذا الوضع من شأنه أن يجعل الإقليم غير قادر على الحفاظ على حقوقه الدستورية وما حققه من مكتسبات خلال السنوات الماضية.
وأشار في ختام تصريحاته، إلى أن تواجد القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي كان بناء على طلب من الحكومة العراقية أي أنه وجود شرعي من الناحية القانونية، ورغم أننا نؤكد رفضنا لوجود أي قوات أي كانت على الأراضي العراقية، فإن خطر القوات التركية أكبر ويهدد الأمن والاستقرار ليس في كردستان فقط ولكن في العراق ككل، مشيراً إلى وجود نحو 600 قرية مهجورة في كردستان وسط أوضاع اقتصادية صعبة، وقد باتت سماء الإقليم مفتوحة أمام الطائرات والمسيرات التركية.
وكانت منظومة المجتمع الكردستاني أصدرت بياناً أكدت فيه أن تركيا تريد احتلال جنوب كردستان، مشيرة إلى أن أنقرة تقوم بحشد قواتها العسكرية من أجل شن هجمات جديدة ومحاولات احتلالية جديدة، داعية جنوب كردستان والعراق إلى الوقوف معاً ضد الاحتلال التركي.
عقبات رئيسية
من جهة أخرى، يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مسألة خروج قوات التحالف الدولي من العراق أعتقد صعبة للغاية، لا سيما أن هذا التواجد يأتي في إطار اتفاق قانوني ودستوري في إطار الوثيقة الأمنية المبرمة بين واشنطن وبغداد.
وأضاف أن الأمر لا يقتصر فقط على مسألة البعد القانوني والدستوري، وإنما تصاعد الحديث عن إخراج تلك القوات يأتي في إطار المناكفات التي تحدث بين الولايات المتحدة وبعض الفصائل المسلحة القريبة من إيران على مدار الأشهر الماضية خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويلفت الدكتور غازي فيصل إلى نقطة في غاية الخطورة، وهي أن خروج قوات التحالف الدولي أمر من شأنه إحداث فراغ أمني خطير للغاية يشجع تنظيم مثل داعش الإرهابي على العودة والذي لا تزال لديه عناصر بالآلاف تتحين الفرصة موزعة بين الأراضي العراقية والسورية، إلى جانب العمليات التي قد تقوم بها بعض الفصائل المسلحة من تفجيرات وغيرها.
ويؤكد المحلل السياسي العراقي أن بلاده لا تزال بحاجة إلى الدعم الدولي وللولايات المتحدة لمعالجة تداعيات سيطرة التنظيم الإرهابي من قبل على مناطق رئيسية، وبالتالي لا تزال المواجهة قائمة مع سواء سياسياً أو فكرياً وكذلك أمنياً، كما أن بغداد بحاجة إلى مزيد من التنسيق الاستخباراتي واللوجيستي، فتنظيم داعش لا يزال يشكل خطراً كبيراً، لا سيما وأن هناك مؤشرات عدة على أنه يحاول إعادة إحياء وجوده.
ومنذ تفجر العدوان على قطاع غزة، تعرض الجيش الأمريكي لعشرات الهجمات من فصائل مسلحة في العراق وسوريا عبر مزيج من الصواريخ والطائرات المسيرة الملغمة، ما دفع واشنطن إلى الرد عبر ضرب عدد من الفصائل الموالية لإيران في البلدين، والأخيرة بدورها تضغط على الحكومة العراقية لإنهاء عمل التحالف الدولي المكون من 69 دولة تقريباً.
ولا شك كذلك أن الوجود الأمريكي في العراق يمثل ضرورة كبيرة لدى واشنطن في إطار معادلة التوازن الإقليمي مع إيران التي عززت نفوذها بقوة لا سيما منذ احتلال العراق عام 2033 وإسقاط نظام صدام حسين.
أمريكا لن تغادر العراق
بدوره، يقول الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه عند الحديث عن هذه القوات يجب التفرقة بين قوات التحالف الدولي ككل وعددها حوالي 12 ألف، والقوات الأمريكية وعددها 5 آلاف التي هي أيضَا ضمن هذا التحالف، وهنا يمكن أن تخرج القوات الأخرى لكن الأمر الأكيد أن الأمريكية لن تغادر على الإطلاق.
وأضاف شرقاوي أن وجود القوات الأمريكية يستند إلى الاتفاقية الإطارية التي أبرمت في 2018 التي تتضمن بنوداً عسكرية وتدريبات وبنوداً سياسية وثقافية ودعم الولايات المتحدة للإعلام العراقي وتمويل 25 تليفزيون بنحو مليون ونصف المليون دولار كل سنة، علماً أن القوات الأمريكية الموجودة حالياً غير مكلفة بالقيام بأي عمليات عسكرية وليس لديها أية مهام قتالية.
وشدد المحلل السياسي الأمريكي على أن القوات الأمريكية لا يمكن أن تغادر العراق وليس لديها نية لذلك، لأنها لن تترك سفارتها في بغداد دون حماية، ولن تترك مصالحها والمقاولين المتعاقدين معها دون حماية، كما أن الحكومة العراقية نفسها ليس لديها نية حقيقية في مغادرة القوات الأمريكية.
واعتبر شرقاوي أن شياع السوداني حين يتحدث عن خروج تلك القوات فإن حديثه يأتي للاستهلاك المحلي فقط، وذلك لتخفيف ضغوط بعض الفصائل التابعة لإيران التي تقف وراء مطالب إخراج قوات التحالف الدولي وتخفيق ضغوط طهران نفسها التي لديها نفوذاً واسعاً ومؤثراً داخل العراق.
وأشار إلى واقعة تصويت مجلس النواب العراقي من قبل بضرورة إخراج قوات التحالف الدولي، إذ قال الدكتور ماك شرقاوي، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذا التصويت الذي تعتمد عليه باطل، لأنه من المعروف أنها اقتادت النواب إلى البرلمان بقوة السلاح من أجل التصويت، كما أن تلك الجلسة لم يكتمل لها النصاب القانوني اللازم، وبالتالي القرار الذي صدر عنها باطل بكل تأكيد.
وفي العاشر من سبتمبر/أيلول 2014، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة والقضاء على تنظيم داعش بعد سيطرته على مناطق واسعة واستراتيجية في العراق وسوريا، وذلك من خلال عمليات عسكرية مشتركة تقودها الولايات المتحدة ضده في البلدين، فيما تمثل القوات الأمريكية القوام الرئيسي فيه.
وسبق أن طالبت بغداد بإنهاء مهمة قوات التحالف في أعقاب مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على يد الجيش الأمريكي في العاصمة العراقية في يناير/كانون الثاني عام 2020، إذ صوّت البرلمان العراقي لصالح إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، وفي منتصف أغسطس/آب عام 2023 أكد رئيس الوزراء العراقي أن العراق لم يعد بحاجة إلى قوات أجنبية على أراضيه.