وسط إشادة بفلسفة أوجلان.. سياسيون عرب وكرد يناقشون أزمات الأحزاب السياسية

تزامناً مع الذكرى 46 لتأسيس حزب العمال الكردستاني، نظمت المبادرة العربية لحرية القائد عبد الله أوجلان، مساء أمس الإثنين، ندوة عن التكوينات السياسية ودورها في تحقيق الاستقرار والتنمية.

وبحضور ملفت لقيادات سياسية عربية وكردية سلطت الندوة، التي عقدت عبر الفضاء الإلكتروني، الضوء على واقع الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتحديات الكبرى التي تواجهها، إلى جانب النقاش حول سبل تطوير دورها في ظل التحولات المتسارعة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وطرحت الندوة، التي أدارها الكاتب الصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبد الله أوجلان، مجموعة من المحاور المهمة التي انقسمت بين تشخيص الوضع الراهن للأحزاب السياسية واقتراح الحلول الممكنة لتجاوز الأزمات، مع استعراض بعض التجارب التاريخية والحديثة، وسط تأكيد مشترك على ضرورة استعادة حرية المفكر الأممي عبد الله أوجلان.

وقدمت الندوة تحليلاً شاملاً لواقع الأحزاب السياسية في العالم العربي، مسلطة الضوء على التحديات التي تواجهها وأسباب تراجعها، إلى جانب تقديم رؤى مستقبلية قابلة للتطبيق، حيث اتفق المشاركون على أن استعادة دور الأحزاب يتطلب جهداً فكرياً وعملياً كبيراً لإعادة بناء الثقة مع الجماهير وتحقيق الديمقراطية المنشودة.

غياب الإنجاز والحلم

في بداية الندوة تحدث الكاتب الصحفي إلهامي المليجي عن المبادرة العربية لحرية القائد عبد الله أوجلان التي انطلقت من القاهرة لتكون منبراً للنضال المشترك من أجل حرية أوجلان، وتسليط الضوء على فلسفته التي أثرت وستستمر في تأثيرها على قضايا الحرية والتنمية بالمنطقة.

ولفت إلى أن المبادرة العربية لحرية أوجلان هي انعكاس عميق لأهمية الحرية كشرط لتحقيق السلام والاستقرار، لافتاً إلى الندوة تأتي تزامناً مع مناسبة في غاية الأهمية وهي الذكرى 46 لتأسيس حزب العمال الكردستاني الذي مثل مدرسة من الإرادة والنضال من أجل الحرية، كما تأتي في ظل تحديات متعاظمة تواجه شعوب المنطقة، ما يعزز الحاجة إلى تكاتف الجهود من القوى الوطنية والديمقراطية لتحقيق الاستقرار والعدالة.

أولى الكلمات كانت للسياسي المصري فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والمرشح الرئاسي السابق، الذي سلط الضوء على الإشكالية الجوهرية التي تعاني منها الأحزاب السياسية، وهي ضعف الإنجازات وغياب الرؤية الواضحة التي تلهم الجماهير.

وبيّن أن الأحزاب فقدت دورها كحاضن للأحلام السياسية بسبب القمع والاستبداد الذي مارسته الأنظمة الحاكمة، ما أدى إلى انسداد سياسي، حيث أصبح المجتمع منشغلاً بتحديات اقتصادية ضاغطة مثل "البحث عن لقمة العيش"، بينما غابت القضايا الكبرى عن الأجندة العامة.

وأضاف زهران أن المهمة الأساسية للأحزاب الآن يجب أن تتركز على تقديم مشروع سياسي متكامل وشامل، يستفيد من التجارب السابقة ويواجه تحديات الفاشية والاستبداد، ودعا إلى ضرورة بناء هذا المشروع من خلال الاجتهاد الفكري وصياغة رؤية تقدم حلولاً ملموسة، مستوحاة من نماذج تاريخية، مثل التجارب الأوروبية التي نجحت في مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية.

انتقلت الكلمة إلى محمد علوش عضو المكتب السياسي لحركة النضال الشعبي الفلسطينية، وقد ركز في كلمته على أهمية النضال الأممي في مواجهة الإمبريالية والهيمنة الغربية، معتبراً أن الأحزاب السياسية كانت تاريخياً أداة فعّالة في التصدي لهذه التحديات.

وأشاد علوش بتجربة حزب العمال الكردستاني الذي استلهم أفكاراً أممية لتعزيز دوره في النضال الشعبي، كما انتقد حالة الجمود التي أصابت العديد من الأحزاب، مشيراً إلى أن ضعف الربط بين الماضي والحاضر والمستقبل أدى إلى تراجع تأثيرها.

واقترح علوش حلولاً تتمثل في إعادة صياغة أدوار الأحزاب ومعالجة الخلل الفكري والعملي الذي يعوق عملها، مؤكداً أهمية أن تكون الأحزاب منفتحة على التحولات العالمية دون التخلي عن هويتها وأهدافها الأساسية.

بعد ذلك ذهبت الكلمة إلى السيدة نسرين دوكو الرئيسة المشتركة لحزب سوريا المستقبل، وتناولت واقع الأحزاب في سوريا، مشيرة إلى أن هذه الأحزاب عانت طويلاً من القمع السياسي والاستبداد العسكري، مما جعلها غير قادرة على تحقيق أهدافها أو التأثير على المشهد السياسي.

وأضافت أن الثورة السورية فتحت المجال لظهور أحزاب جديدة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع عسكري قوض إمكانيات العمل السياسي، فضلاً عن ظهور تنظيمات متطرفة مثل داعش والقاعدة، مشددة على ضرورة إنهاء الصراع المسلح وخلق بيئة سياسية مستقرة تتيح حرية العمل السياسي وتعزز التعددية.

وتحدثت نسرين دوكو عن تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بعد تحريرها من تنظيم داعش أسست إدارة محلية لحفظ أمن المواطنين وتلبية احتياجاتهم، ثم تشكلت مؤسسات تضمن الحياة الكريمة لهم، ونظام حكم محلي يوازن بين العسكري والسياسي، كما تم فتح المجال أمام الأحزاب للعمل السياسي، وأصبح بإمكان المواطنين التعبير عن ذواتهم، والتنافس في إدارة البلديات والمقاطعات.

انتقلت الكلمة إلى الدكتور صلاح السروي نائب الأمين العام للحزب الشيوعي المصري حيث كان لديه زاوية أخرى فيما يتعلق بأسباب ضعف الأحزاب السياسية في العالم العربي، مشيراً إلى أن غياب قيم المجتمع المدني أحد أبرز العوامل التي أثرت سلبا على دورها، كما تطرق إلى تأثير التأميم الاقتصادي بعد ثورة يوليو المصرية معتبراً أنه قد رافقها تأميم سياسي، حيث أدى ذلك إلى هيمنة الدولة على النشاط السياسي.

كما أشار إلى أن سقوط الاتحاد السوفيتي وصعود الإسلام السياسي في المنطقة أديا بدورهما إلى تغييرات كبيرة في التكوينات السياسية والفكرية، مؤكداً أنه للتغلب على هذه التحديات، يجب التركيز على قضايا الجماهير والعمل على بناء تحالفات سياسية واسعة تضم مختلف الأطياف، مع تعزيز قيم الديمقراطية والعمل المدني.

أما حسن ترك رئيس حزب الاتحادي الديمقراطي المصري، فتحدث عن التجربة المصرية في الفترة الأخيرة، معتبراً أن إجراء الحوار الوطني مثل خطوة إيجابية نحو تعزيز الحياة السياسية في البلاد، رغم التحديات القائمة مثل تأثير المال السياسي والعائلية.

وأوضح أن مصر بدأت في تحسين وضعها السياسي بعد فترة حكم الإخوان، التي شهدت انقساماً حاداً في المجتمع، مؤكداً أن التحدي الأكبر يتمثل في بناء ثقافة سياسية تشجع على الانخراط الديمقراطي وتعزز الثقة بين الدولة والمواطنين، مشيراً إلى أن الطريق نحو نظام سياسي أكثر انفتاحاً يتطلب المزيد من الجهود.

بدوره تحدث الدكتور قاسم صنيبر القيادي في الحركة الوطنية الشعبية الليبية الذي بطبيعة الحال ارتكزت كلمته حول الوضع في ليبيا، حيث تكثر الأحزاب السياسية لكنها غير مؤثرة وليست لها فاعلية، بسبب كثير من الإشكاليات منها حكم المليشيات وتيارت الإسلام السياسي والانقسامات القائمة.

وبالإضافة إلى الانقسامات الحادة بين الفصائل والميليشيات، لفت إلى التدخلات الأجنبية السافرة، لدرجة أعادت الليبيين إلى عهود سابقة يبحثون فيها عن الاستقلال عن القوى الغربية، مشيراً إلى أن هذه الظروف جعلت الأحزاب الليبية عاجزة عن ممارسة دورها الطبيعي.

وقال السياسي الليبي إن غياب بنية سياسية مستقرة ساهم في تفاقم الأزمات، مما جعل الحل السياسي أكثر تعقيداً، مشدداً على أهمية توحيد الصفوف داخل ليبيا، وضرورة أن تسهم الأحزاب والحركات الوطنية في بناء مشروع يعيد وحدة البلاد ويضع حداً للفوضى القائمة.

انتقلت بعد ذلك الكلمة إلى الكاتب والمفكر أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، وركز على أزمة اليسار باعتباره سياسي يساري، وخاصة التحديات التي تواجه اليسار العربي والعالمي، مشيراً إلى أن عزلة الأحزاب اليسارية عن الجماهير وشيخوخة القيادات ساهمت في تراجع تأثيرها.

وأوضح أن الفكر الاشتراكي يعاني من تحديات على مستوى العالم، خاصة في ظل العولمة المتوحشة التي أضعفت الحركات النقابية والسياسية، مقترحاً أن تكون هناك حركة نضال جماعي ضد العولمة، مع العمل على تجديد الأفكار السياسية لتناسب التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحالية.

أما غريب حسو الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، فقد تناول تجربة حزبه مشيراً إلى أنه اعتمد على فلسفة المفكر الأممي عبد الله أوجلان ومشروع الأمة الديمقراطية لتنظيم المجتمع وتحقيق التوازن بين ما هو سياسي وما هو عسكري، موضحاً أن الحزب واجه اتهامات بالإرهاب من تركيا، بالإضافة إلى ضغوط سياسية من دمشق.

وأكد حسو أنه رغم هذه التحديات، فإن مشروع الحزب يتواصل ويسعى إلى تحقيق سوريا ديمقراطية متعددة الأطياف، مع التركيز على بناء مجتمع يعتمد على التعددية واحترام حقوق الجميع، منتقداً الأحزاب التي تتبنى مطالب شعبية وبمجرد وصولها إلى السلطة تنسى تطلعات الشعوب وتتحول إلى السيطرة على المقومات الاقتصادية للدولة.

وشدد غريب حسو على أهمية الحوار بين مختلف القوى السياسية السورية، وأن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري منفتح على الحوار، في ظل قناعته بأنه يريد سوريا ديمقراطية حرة، مشيراً أن الحزب لم يطلب دولة كردية أو غيرها، منتقداً المضايقات والتحديات التي يرى أنها تتسبب في إغلاق باب الحوار الوطني السوري السوري.

حول تجربة الأحزاب السياسية في السودان، انتقلت الكلمة إلى علي سعيد إبراهيم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، والذي استهل كلمته بتهنئة حزب العمال الكردستاني بذكرى تأسيسه، معلناً التضامن مع الشعوب الكردية ونضالاتها في سبيل نيل حقوقها.

تحدث السياسي السوداني عن إشكالية كبيرة في السودان وهي أن المناطق ترتبط ببعض الزعامات أو بعض الزعامات الطائفية وليس لأحزاب سياسية، كما أنه الأحزاب طرحت برامج لا تتناسب مع مصالح الشعب السوداني، والآن تتحلل وتفقد قواعدها الشعبية وقبل ذلك فقد تغلب عليها تيار الإسلام السياسي.

وشدد القيادي السوداني على أهمية الحوار الوطني كوسيلة لحل الأزمات السياسية في السودان، موضحاً أن التحديات التي تواجه الأحزاب السودانية تتطلب من جميع الأطراف العمل بشكل مشترك للتغلب على الخلافات وبناء مستقبل سياسي أفضل.

انتقلت الكلمة الأخيرة إلى صالح مسلم الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي أكد أن الأحزاب السياسية ما هي إلا أدوات لتحسين ظروف المجتمع، ولا بد من تنظيم المجتمع صفوفه بشكل ما حتى يستطيع أن يكون قادراً على اتخاذ قراره أو حياته، مؤكداً أن الأحزاب دورها المناداة بمطالب الجماهير، وأنها إذا خرجت عن هذا فهي تخرج عن وظائفها ومهماتها في المجتمع.

وتحدث مسلم كذلك عن تجربة حزب الاتحاد الديمقراطي قائلاً إن هدفه خلق الإنسان الحر المالك لإرادته، لافتاً إلى أنه إذا كان المجتمع واعياً بما يجب عليه القيام به فإنه يكون قادراً على تحديد مصيره، منتقداً تمسك بعض الأحزاب السياسية بشعارات تعود إلى ما قبل 100 عام.

ونوه صالح مسلم إلى أنه مما لا شك فيه أن الأنظمة الاستبدادية ستعرقل بناء أحزاب سياسية قوية، كونها ستعمل بشتى الطرق على منع أي إضرار بمصالحها، لكنه يؤكد أنه باتحاد الأحزاب وعبر تعزيز الوعي الجماهيري وتجديد الأفكار يمكن تجاوز ذلك، معرباً عن استعداد حزب الاتحاد الديمقراطي لنقل تجربته إلى الأحزاب الأخرى الراغبة في الاستفادة.

توصيات عامة

وقد ناقشت الندوة بلا شك أبعاداً كثيرة وعميقة في أزمة الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط، منها التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث فرضت العولمة والمتغيرات الاقتصادية تحديات كبيرة على الأحزاب، ما أثر على قدرتها على تقديم برامج شاملة تواكب هذه التحولات.

أيضاً كانت للتدخلات الخارجية من القوى الإقليمية والدولية على سبيل المثال في دول مثل ليبيا وسوريا إسهامها في تعميق أزمات الأحزاب السياسية مما أثر على دورها، هذا إلى جانب غياب الثقة الجماهيرية، حيث أشار المشاركون إلى أن الأحزاب باتت عاجزة عن استعادة ثقة الشارع بسبب افتقارها إلى رؤى جديدة ومشاريع قابلة للتنفيذ.

وقدم معظم المشاركون بعض الحلول التي يمكن استنباطها في الحاجة إلى خارطة طريق لتفعيل دور الأحزاب السياسية، وضرورة تقديم خطاب سياسي يجمع بين الواقعية والطموح، مع التركيز على قضايا الجماهير، وتعزيز العمل الجماعي عبر إنشاء تحالفات سياسية واسعة تضم مختلف التيارات لإيجاد حلول مشتركة للتحديات الكبرى.

كما أكد المشاركون الحاجة إلى تجديد القيادات، عبر منح الفرصة لجيل جديد من القيادات الشابة لإعادة الحيوية إلى الأحزاب، والعمل على دعم التعددية من خلال تعزيز قيم الديمقراطية والتعددية السياسية كركيزة أساسية لأي نظام سياسي مستقر.