صفقة إف - 35 المتعثرة بين أمريكا والإمارات.. هل يحل ترامب العقدة؟

من بين الملفات التي يتجدد النظر إليها مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، مؤخراً، إمكانية استئناف الإمارات مفاوضاتها مع واشنطن للحصول على طائرات إف-35.

وإلى جانب صفقات تجارية كبرى مع دول الخليج العربي، ظهرت توقعات في وسائل إعلام أمريكية الأيام الماضية – من بينها مجلة "ألمونيتور" – أن تتجدد مفاوضات الإمارات للحصول على طائرات إف-35 المتطورة، الصفقة التي وقعها ترامب في نهاية ولايته الأولى، لكن تعطلت وعلقت إثر غياب التوافق بين أبوظبي وإدارة جو بايدن بشأنها.

وكانت الحصول على هذه الطائرات – حسب عديد من المصادر – جزءاً من وعود إدارة دونالد ترامب للإمارات لتشجيعها على تطبيع العلاقات، الذي أبرم بالفعل في أغسطس/آب 2020 ضمن ما عرف بـ"اتفاقات السلام الإبراهيمي"، إلا أن عوامل عديدة يبدو أنها تداخلت لتعطيل هذه الصفقة لا يمكن اختزالها في بعض الاشتراطات من قبل واشنطن.  

دوافع الإمارات

حسب مصادر عديدة فإن الصفقة كانت قيمتها 23 مليار دولار لشراء 50 طائرة إف-35 الأمريكية وطائرات مسيرة من طراز ريبر وذخائر متطورة أخرى، وأتت مساع الإمارات للحصول على إف-35 تحديداً لتعكس مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والعسكرية، لا سيما أنها من أكثر الطائرات القتالية تطوراً في العالم، بفضل تقنياتها الشبحية، وأدواتها المتقدمة في جمع البيانات والذكاء الاصطناعي، وقدرتها على العمل داخل بيئات قتالية متعددة، ما يعني زيادة التفوق العسكري الإقليمي لأبوظبي.

وترتبط رغبة الإمارات أيضاً بما تواجه من تهديدات محتملة من أطراف مثل إيران، التي تمتلك قدرات عسكرية متطورة وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى التحديات الأمنية المرتبطة بالصراعات في اليمن والمنطقة بشكل عام، حيث ستمنحها الطائرات ميزة الردع وتعزيز أمنها الوطني، الأمر الذي سيكون له منافع ليس للجانب الإماراتي وحده بل لدول الخليج ككل في ظل علاقات الريبة مع طهران.

وللصفقة كذلك دلالات رمزية، فالحصول على هذه الطائرات يمثل تعزيزاً للعلاقات مع واشنطن، حيث يُنظر إليها كعلامة ثقة متبادلة، فالإمارات تعتبر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والحصول على هذه الأسلحة المتطورة يعزز مكانتها كشريك أمني مهم، كما أن أبوظبي تعتبرها صفقة من شأنها خلق توازن إقليمي يساعد على دعم الاستقرار.

ما الذي حدث؟

حسب رواية الجانب الإماراتي، فإن أبوظبي علقت المحادثات بسبب بعض المتطلبات الفنية والقيود التشغيلية السيادية وتحليل التكلفة والفائدة، ومن ثم كانت الحاجة إلى إعادة تقييم الموقف، وهو نفس الوضع الذي أكد استمراره مسؤول إماراتي لوكالة أنباء رويترز في تقرير نشرته سبتمبر/أيلول الماضي في إطار استشراف وضع بعض الملفات الدولية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
المسؤول قال نصاً إن "نفس العوامل التي تسببت في تعليق المحادثات في عام 2021 لم تتغير"، مشدداً على أن الحكومة الإماراتية لا تخطط لإعادة فتح المفاوضات بشأن إف-35 في المستقبل المنظور، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية المقبلة، لكنه لم يعلق حول فرص استئنافها مجدداً حال فوز ترامب.

بين إسرائيل ومصر والصين

واقعياً، حملت تصريحات المسؤول الإماراتي بعضاً من الأسباب لتعطل الصفقة، منها ما هو واضح ومنها ما هو مبطن، إلا أن هذه الصفقة المثيرة ترتبط بأبعادة مختلفة لم تشملها تلك التصريحات أو تغاضت عنها لحسابات سياسية، تتداخل فيها أطراف إقليمية مثل إسرائيل، وتتداخل فيها أبعاد تتعلق بالتواجد الصيني في الإمارات، وكلها حسابات إن تمت معالجتها ستلعب دوراً في أي انفراجة بشأن الصفقة.

يقول الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن رغبة إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط على رأس أسباب تعليق الصفقة إلى الإمارات، ونفس السبب يحول دون استئناف تلك المفاوضات مرة أخرى، حتى رغم فوز ترامب، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار التطورات الحالية في غزة ولبنان وما ألقت عليه من ظلال على العلاقات العربية الأمريكية والعربية الإسرائيلية.

ويوضح شرقاوي أن تل أبيب ضغطت على واشنطن للتريث في الصفقة – واستجابت الأولى بالفعل – وتم تعليق المحادثات، لأن الجانب الإسرائيلي من بين ما يخشاه أن تصل تلك الطائرات المتطورة في وقت من الأوقات إلى مصر، لأنه يعلم طبيعة العلاقات بين أبوظبي والقاهرة، وربما تحت صيغة أو أخرى تكون الطائرات تحت تصرف الجيش المصري، ومن ثم يملك الأخير ميزة جديدة في مواجهة نظيره الإسرائيلي.

وبالفعل، فهناك تقارير إسرائيلية من بينها صحيفة هآرتس أشارت في السابق إلى أن تل أبيب ترى في حصول الإمارات على طائرات إف-35 تهديداً لتفوقها العسكري، لا سيما أن إسرائيل الوحيدة التي تملك هذا النوع من الطائرات في الشرق الأوسط، لكن لم تشر أية تقارير إلى أن مصر حاضرة في الصورة، حسب الرؤية التي طرحها الدكتور ماك شرقاوي، إلا أن هذا يبقى سبباً غير مستبعد.
وقبل أسابيع، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن إدارة بايدن رأت في حصول الإمارات على الطائرات خطورة تتعلق بالحفاظ على تقنياتها من الصين، حيث تتواجد للأخيرة أبراج الاتصالات التابعة لشركة هواوي التي يمكنها تتبع الطائرات والتجسس عليها والحصول على معلومات يمكن أن تستفيد بها باكين.

هذه المسألة يعلق عليها ماك شرقاوي بالقول إن موقع الصين من الصفقة لا يرتبط بإمكانية تتبع باكين للطائرات، بقدر ما ترتبط بحالة الريبة وعدم الارتياح الأمريكية بصفة عامة تجاه العلاقات المتطورة بين الجانبين الصيني والأمريكي، وبالتالي كأن واشنطن تضغط بها هنا على أبوظبي، إلا أن الأخيرة يمكنها الاستعاضة عن إف-35 ببدائل لها من الصين أو روسيا.

بعد آخر للصفقة

وفي سياق حديثها مع المصادر للوقوف على ما قد تؤول إليه تلك الصفقة خلال الفترة المقبلة، تحدثت وكالة فرات للأنباء مع الدكتور هاشم كريم عضو الهيئة الاستشارية العليا بالحزب الجمهوري الأمريكي، الذي يكشف عن بعد آخر في غاية الأهمية، حين قال إن صفقة إف-35 للإمارات سترتبط بمساع واشنطن في ملف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، معتبراً أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تفصل بين الملفين.

ويوضح أن "المصالحة في المنطقة مع إسرائيل" ستكون على رأس أولويات ترامب، والتقدم في صفقة الطائرات إلى الإمارات سيرتبط بما سينجز في هذا المسار، الذي يتضمن اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب، وفي نفس الوقت يرى أن تلك الطائرات حين تذهب إلى أبوظبي فإنها صفقة لكل دول الخليج بما في ذلك السعودية.

ويلفت هاشم كريم إلى أن الإشكالية تكمن في أن الجانب السعودي اشترط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أن يكون هناك اعترافاً بدولة فلسطينية، ومن ثم تسوية القضية الفلسطينية في إطار حل الدولتين، الأمر الذي لا تزال تل أبيب غير مقتنعة به، وحتى الرئيس الجديد إن قدم تصوراً لدولة فلسطينية في إطار خطة سلام لا يتوقع أن ترضي العرب والفلسطينيين، وعليه فإن حصول الإمارات على الطائرات لن يكون سهلاً.

وكان مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية وصل إلى مراحل متقدمة للغاية، لكن بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول تراجع خطوات للخلف، في ظل صعوبات إبرام اتفاق كهذا بينما تمعن إسرائيل في عدوانها على غزة وتدمر القطاع بشكل شبه كلي ما يشكل حرجاً للرياض، لكن بعض الآراء الفلسطينية تعتبر أن اتفاقاً لتطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض يمكن التعويل عليه لتحقيق مكاسب كبيرة للقضية الفلسطينية.