تشبثن بتراثهن رغم الحرب.. نساء تيغراي يحتفلن بعيد أشيندا في قلب القاهرة

تكتسي أرض إقليم تيغراي في نهاية العام الإثيوبي بالآلاف من النساء في الشوارع على هيئة حلقات يقمن بالغناء والرقص لمدة تزيد عن الأسبوع احتفالا بعيد أشيندا النسائي، وهو الاحتفال الذي أقامته جالية التيغراي في القاهرة بأجوائه المميزة.

شهدت إحدى قاعات الاحتفالات بالقاهرة احتفالية اشيندا النسائية، والتي تعد إحدى الاحتفالات المميزة لدى قومية تيغراي في شمال إثيوبيا وهي القومية التي شهدت حرب وجرائم إبادة جماعية في الحرب التي شنتها الحكومة الفيدرالية ضدهم عام 2020، وتعتبر من احتفالات نهاية العام الإثيوبي، وهي احتفالية خاصة بفتيات إقليم تيغراي، ولها مراسم خاصة واستعدادات خاصة بها، حيث تقوم نساء وفتيات كل فئة من فئات المجتمع احتفالات متعددة ومختلفة ويقمن بتقديم عروض ورقصات مختلفة.

بدأت فعاليات الاحتفال بأجواء أفريقية مميزة وعدد كبير من النساء اللاتي يرتدين الملابس المزركشة ويقمن بتمشيط شعرهن بأساليب مختلفة مع وضع الزينة التقليدية، لتبدأ وصلات الرقص مع الأغاني بلغة تيغراي، وكلمات المشاركين.

رقصات نسائية تيغراوية بقلب القاهرة

 تخللت الحفل عدة رقصات جماعية تنوعت في أساليبها وطرق أدائها، حيث تقتصر بعد الرقصات على النساء اللائي يقمن بعمل دائرة يرقصن فيها، ثم يشترك بعض الرجال الذين يرتدون الزي التقليدي بالرقص بعصا طويلة، غير الرقصات الثنائية التي يشترك فيها فتاتين، والبعض شاركن بالطبول التقليدية التي قرعنها خلال الحلقات التي صنعها الفتيات أثناء رقصهن أو خلال مسيرات بطول الحفل.

كما قدم بعض الحضور كلمات مؤثرة عن الوضع في تيغراي والأزمة الأخيرة التي ألمت بالإقليم بعد الحرب والإبادة الجماعية التي شنها النظام الإثيوبي ضدهم، والبعض ألقى أبيات من الشعر بلغة التيغراي، وطاف البعض الآخر بصور لمملكة أكسوم أثناء الحفل.

كانت المنصة الرئيسية تتكون من عدد من النساء الذين يرتدين زي "سوريا" وأمامهن من الخوص يوضع فيه البخور وعليه زهور الفل، وقام رجال كنيسة تيغراي في القاهرة بإلقاء كلمة وإجراء بعض الطقوس المتعلقة بالعيد وإحراق البخور، وتم توزيع خبز تجراي المميز على الحضور.

ما هي احتفالية أشيندا

يقول مصطفى حبشي الناشط السياسي من تيغراي في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أنه يعود تاريخ احتفال "أشيندا" لآلاف الأعوام، وهي احتفالية دينية ثقافية، تخص الفتيات والنساء في إقليم تيغراي، وعملت  البلاد خلال السنوات الماضية لتسجيلها ضمن قائمة اليونسكو للتراث غير الملموس الأمر الذي سيسهم في ارتفاع معدلات السياحة في البلاد في ذلك الوقت.

وأضاف، أن احتفالات أشيندا هي احتفالات دينية ثقافية مجموعات من الفتيات من أعمار مختلفة، كان في السابق تشارك فيها الفتيات العذاري "اللائي لم يسبق لهن الزواج "،ولكن تغيرت مؤخرا باتت احتفالية لكل النساء في الإقليم تشارك فيها الفتيات دون تحديد سن معينة، وهن يلبسن أجمل ما لديهن من أزياء، ويتجملن بكل الحلي وأدوات الزينة التي توجد في البلاد، وفتيات أشيندا يصعب اختيار من هي الجميلة بينهن لتشابهن في العديد من الملامح وأدوات الزينة وخاصة في هذه الأيام ، ولهذا يقال إنه يصعب على الرجل أن يختار زوجة في ذلك اليوم من فتيات أشيندا لأنهن يتشابهن في العديد من الصفات الجمالية.

وأشار الناشط السياسي، إلى أنه كانت هنالك جهوداً قد بدأت قبل أعوام لاختيار جميلة جميلات أشيندا، والتي يتم تنصيبها بهذا الشرف، بعد أن تختار لجنة من هي الجميلة من الفتيات في أشيندا، وهي منافسة تعتبر الأصعب للمشاركات ولجنة الاختيار، وتجري هذه المسابقة كل عام، وسعيدة هي من يتم اختيارها جميلة جميلات أشيندا، مبيناً إن الاحتفالات بأشيندا لها فوائد عديدة على المجتمع الإثيوبي من النواحي الثقافية والاقتصادية حيث تنتعش البلاد في ذلك التوقيت، وتعتبر من أهم الأحداث والمناسبات التي تجذب السياح الي تلك المناطق، تعمل علي إنعاش حركة السياحة والتجارة.

طريقة الاحتفال في تيغراي

ويصف حبشي مراسم الاحتفال في الإقليم، بأن الفتيات يعترضون الطريق العام ويوفقنا حتى السيارات، ويقدمن الرقصات المتعددة والمختلفة لإقليم تيغراي مع الاغاني باللغة التقرنجة وهن يعترضن الطريق العام، وتجد هذه الطريقة في جميع القرى والمدن على الطريق العام المسفلت في مدن إقليم تيغراي، يرقصن الفتيات ويتغنين بأجمل الأغاني الشعبية ويطلبن الأموال من المارة، والتي يتم جمعها بهذه المناسبة من أجل إقامة احتفال خاص بالمجموعة التي أعدت نفسها خصيصا لهذا اليوم.

واستكمل حبشي، بأنه عقب تلقي المال من المارة يتم تقديم خلاصة للأغنية بأسلوب الشكر والتقدير ومدح الضيف وتتخللها الزغاريد المختلفة واصوات الفرح والكل ما بين سعادة ومرح تعود المجموعة للحي، وهي تحمل معها الهدايا التي اشترتها بالأموال التي تم جمعها وتقسيمها بين أفراد المجموعة، ليتم إقامة احتفالية خاصة بهن في المنطقة أو يتم تقديم هدايا للمساكين أو تقديمها للكنيسة كنوع من الخدمة، ولكن يغلب عليها إقامة احتفالية صغيرة يشارك فيها كبار السن من النساء كضيوف شرف في احتفالية أشيندا.

 والهدايا التي يتم تقديمها للفتيات تكون على شكل أموال وأطعمة وهدايا عينية مختلفة والهدف هو الفرح، ولا تجد شخص يرفض استقبال تلك المجموعة في بيته بل يحاول ان يدعمهم بدعوة الفتيات الي  بيته لتناول الطعام والشراب، وتقديم الأغاني والرقصات.

وشدد الناشط السياسي في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، أنه لن تجد فتاة من فتيات أشيندا لم تستعد لهذا الاحتفال بأدوات الزينة والملابس الشعبية، وهنالك نوع من التنافس بينهن فيما يخص اختيار الأزياء والوانها واشكالها، وطبيعة تصفيف الشعر "غونو"، وهو نوع من المشاط الشعبي والتي تتميز بها فتيات تيغراي عن غيرهن، وتكاد الفتيات في هذا اليوم تتشابه في ملامحها من جمال ومشهد، حتى يقال أن من يود أن يختار زوجة له من فتيات، عليه عن أن يبتعد عن هذا اليوم نسبة لجمال وروعة المشهد.

أزياء وتسريحات للشعر

تقول سابا كحساي الناشطة من تيغراي والمشاركة في حفل أشيندا بأبيات من الشعر بلغة التيغراي في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، إن عيد اشيندا تحتفل به النساء بشكل خاص، حيث يقمن بتمشيط شعورهن بالعديد من الأمشاط، ولكن الأمشاط تختلف من بنت إلى أخرى، ويرتدين أزياء مختلفة من الأزياء التقليدية، ويقومن بربط شرائط في رؤوسهن وفي رقبتهن، ويرتدين ٣ صلبان.

وعددت الناشطة من تيغراي انواع الامشاط المستخدمة في عيد أشيندا، مثل مشط هموتشارباسو، ومشط اديبجا ومشط جامنا، ويرتدين انواع مختلفة من الأزياء مثل سوريا وشيفون.

وأشارت "سابا كحساي" مرتدية زي "الشفون"، إلى أنه يستمر العيد لمدة أسبوعين، في حفلات بالشارع، حيث تتجمع الفتيات في تجمعات كبيرة. ويقومن بالغناء والرقص في الشارع، وما إن يجدن رجل أو ولد حتى يأخذن منه أموال كتبرع لحفلات أشيندا، ويقومن بالغناء له. مبينة أنه يقومن بعمل حفلات في قاعات احتفالاً بعيد أشيندا مما جمعته من تبرعات، ويقومن بتوزيع جوائز على الفرق المميزة.

العيد بين مصر وتيغراي

"ننتظر عيد أشيندا كل عام لكي نقوم بكل شيء نحبه من تمشيط الشعر إلى ارتداء الأزياء المميزة" بتلك الكلمات وصفت جنات كوماردين اللاجئة التيغراوية في القاهرة وأحد المشاركات في احتفال عيد أشيندا في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن عيد أشيندا وأجواؤه المميزة، وتقوم الفتيات في الإقليم بتحضير الأشياء ومستلزمات الاحتفالية منذ أكثر من ِشهر قبل الاحتفال، والتي تبدأ منذ بداية شهر أغسطس\آب، والتي تتكون من ملابس وأزياء مزركشة وملونة ترتبط بالعادات والتقاليد الخاصة بالمنطقة، وأدوات زينة متعددة.

وتحدثت جنات كوماردين مرتدية زي سوريا، عن الفارق بين مظاهر أشيندا في القاهرة وتيغراي، مبينة أن العيد في تيغراي يقام في الشارع ويذهبون إلى منازل الجيران ويزوروهم، بينما يتم الاحتفال به في القاهرة داخل القاعات، غير الاختلاف في المدة الزمنية حيث يكون أشيندا يوم واحد بينما يستمر اسبوع في تيغراي، مشيرة إلى أنها حضرت العيد في ثلاثة بلدان مختلفة هي تيغراي والسودان ومصر.

وشارك في الحفل عدة شخصيات بارزة سواء للجالية التيغراوية مثل رئيس جمعية تيغراي في القاهرة والعديد من السياسيين في إقليم تيغراي وعدد من رجال الدين من كنيسة تيغراي، كما شارك ممثلين عن السفارة السودانية في القاهرة ومحمود إبراهيم مدير مكتب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي جناح مالك عقار، وراندا خالد الإعلامية المصرية والمتحدث باسم الجمعية الأفريقية.