الوجود العسكري في ليبيا ومصالح حلف الناتو.. تحديات ميدانية

استغلت تركيا الاضطرابات التي جرت على الأراضي الليبية عقب أحداث الربيع العربي 2011 لتخلق لها موطئ قدم ضمن خطة تزكية حالة الصراع بين الفصائل والمجموعات الليبية، في محاولة للاستفادة من حالة التردي الأمني وغياب الأفق السياسي.

عمل أردوغان وفق سياسية إمبريالية توسعية تستهدف السيطرة على مقدرات الشعب الليبي عبر مجموعة من الآليات من بينها تعزيز الوجود العسكري التركي مطلع العام 2019، من خلال دعم حكومات الغرب المتعاقبة بالأسلحة والمرتزقة، مقابل توقيع اتفاقية لترسيم الحدود بين تركيا وليبيا التي كشفت الأطماع التركية الاستعمارية الهادفة للسيطرة على الثروات النفطية بمنطقة شرق البحر المتوسط، وأعقب تلك الاتفاقية توقيع أخرى متعلقة بالتعاون الأمني والاقتصادي مع حكومة طرابلس مطلع 2020.

إدارة التناقضات

 ورغم انخراطها في السيطرة على صناعة القرار الليبي بالتعاون مع حكومة الوفاق إلا أنها أدارت علاقتها بحفتر قائد الجيش الوطني الليبي ضمن سياسة خلق التوازنات وتأجيج الصراع بين الجانبين بما يصب في تحقيق أهدافها التوسعية، حيث استقبلت أنقرة في يوليو\ حزيران الماضي مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم حفتر، نجل المشير خليفة حفتر والتقى الأخير وزير الخارجية التركي، في تناقض واضح لسياستها الرامية إلى الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية المسيطرة على العاصمة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ووقع نجل حفتر عقود عمل مع شركات تركية لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في بنغازي.

رفضت مصر التحركات التركية على الأراضي الليبية التي تعكس براغماتية فجة سيكون لها مزيد من التداعيات على الداخل الليبي، فضلا عن الإضرار بالأمن القومي المصري من خلال توقيع اتفاقيات اقتصادية وسياسية تنال من الحقوق الجغرافية لدولة الجوار، وفي ظل الضغوط القوية التي مارستها القاهرة على الصعيد الدولي بشأن التحركات التركية، أذعنت الأخيرة لتلك الضغوط بتوقيع إعلان مشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في  فبراير الماضي، خلال زيارة أردوغان للقاهرة ويعني المجلس بالقضايا المتشابكة بين الطرفين على الصعيد الإفريقي والساحلي، ورغم الاتفاق على تمرير آليات محددة لخلق حالة من الاستقرار على الأراضي الليبية عبر إجراء انتخابات رئاسية واستحقاقات دستورية، إلا أن مراوغة أنقرة المستمرة لتحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة تحول دون إتمام الانتخابات بسبب دأبها المستمر على توسيع رقعة الصراع بين الفرقاء الليبيين في الخفاء.

السيطرة على الثروات

شكري السنكي المحلل السياسي الليبي قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »: «رغم دعمها المتواصل للغرب الليبي منذ بداية الاضطرابات، إلا أن أنقرة اتجهت إلى الشرق في محاولة منها لتعزيز علاقتها بحفتر  لتعزيز نفوذها في منطقة حيوية غنية بالموارد الطبيعية ضمن خطط إعادة التموضع الهادفة إلى قطع الطريق على الروس في المنطقة الشرقية بدعم من حلف الناتو، ومحاولة استمالة حفتر الذي يمثل أحد أهم حلفاء القاهرة وأبوظبي في ليبيا فضلا عن تعاونه القديم مع حلف الأطلسي»، الأمر الذي يعكس الأطماع الاستعمارية التركية الساعية للسيطرة على ثروات النفط والغاز شرق ليبيا والتي مثلت دافعًا رئيسيًا لتركيا لتعزيز وجودها في المنطقة، حيث تسعى أنقرة لتعزيز دورها في هذا القطاع من خلال استثمارات في مشروعات الطاقة والحصول على عقود في مجال التنقيب البترول وخاصة في البحر الأبيض المتوسط إبان توقيعها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة طرابلس، التي تمنحها حقوقًا واسعة في التنقيب عن الغاز شرق المتوسط.

ضرب مصالح «الناتو»

ووفقا لما ذكره الباحث السياسي سيد غنيم في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »، فإنّ «السياسة التركية التوسعية اشتملت على تخطيط أنقرة للسيطرة على ملف الأمن والطاقة في ليبيا، تزامنا مع الوجود العسكري لتفرض نفسها كجزء في أي عملية تفاوض داخلية»، ومن خلال تلك التحركات تتبدى السياسة الاستعمارية التركية التي تستغل الاضطرابات والقلاقل الداخلية في بعض الدول بل ويمتد الأمر إلى لعب دور رئيسي في صناعة تلك الاضطرابات عن طريق دعم الأطراف المتصارعة سواء بالسلاح أو الميليشيات بهدف تعزيز قدرتها على التأثير في القرارات الداخلية وخاصة على الأراضي الليبية، وذلك امتدادا لخططها التوسعية الموضوعة في 2005، وتستهدف الوجود في القرن الإفريقي وعلى ساحل المتوسط لفتح أسواق ضخمة أمام البضائع والأسلحة وإثارة مزيد من الاضطرابات في المنطقة لتحقيق هدف سرقة الثروات النفطية والموارد الطبيعية في محاولة جلية لاستعادة ماضيها الاستعماري، تزامنا مع تنامي النفوذ في سوريا بعد دعمها للفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على الخطوط الأمامية وخاصة مرتزقة الجيش الوطني السوري.

وتستهدف تركيا من التدخل في ليبيا تقديم نفسها كواجهة لحلف الناتو من الممكن أن تتصدى للنفوذ الروسي شرق ليبيا، خاصة بعد تشكيل الفيلق الإفريقي الروسي في قواعد استراتيجية شرق ليبيا، إلا أنها في النهاية تمارس اللعبة ببراغماتية بحتة من خلال إدارة التناقضات عبر التعاطي مع حفتر وموسكو وحكومة الوحدة في الوقت نفسه،  وقد تتصادم مصالحها مع مصالح الناتو والبيت الأبيض فضلا  عن دول الجوار الإقليمي لليبيا وعلى رأسها مصر إلى جانب اليونان وفرنسا وإيطاليا التي تشترك سواحلها مع السواحل الليبية، تزامنا مع الإصرار على لعب دور توسعي استعماري يهدد باندلاع حرب داخلية تفضي إلى زيادة عدم الاستقرار جنوب المتوسط ودفع الهجرة غير الشرعية شمالا.