"أردوغان تربى على الكذب وأولى به مهاجمة إسرائيل بدلاً من الأبرياء في سوريا"

انتقادات لاذعة وجهها السياسي المصري البارز رجب هلال حميدة بشدة ضد ممارسات نظام أردوغان في المنطقة، محذراً من خطورة تدخلاته، ودعمه لتطلعات جماعة الإخوان.

في حوار خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF) شدد رجب هلال حميدة نائب رئيس حزب إرادة جيل المصري وعضو البرلمان السابق على أن أردوغان سياسي تربى على الكذب، ومصاب بانفصام في الشخصية، وعنجهية الإرث العثماني، مؤكداً أنه لو كان صادقاً لوجه قوات بلاده إلى إسرائيل للوقوف مع الشعب الفلسطيني، بدلاً من قتل الأبرياء في شمال وشرق سوريا.

السياسي المصري الذي كتب على مدار الفترة الماضية عدة مقالات تحذر من خطورة الدور التركي بالمنطقة، حذر كذلك من خطورة دعم أردوغان للجماعات الفئوية مثل الإخوان، وتفريغ البلدان العربية من الانتماء الحقيقي، لا سيما وأن هذا النظام لديه قناعة عقائدية بأن الدولة العثمانية سقطت بأياد عربية.

إلى القسم الأول من الحوار:

*خلال الفترة الماضية تحذر في أكثر من مقال من خطورة تدخلات النظام التركي في شمال وشرق سوريا، وخطورة الرئيس التركي، ما الذي يقلقك وتريد أن تنبه إليه؟

- أولاً لا ينبغي لعروبي أو منتم لوطنه انتماءاً حقيقياً أن يقبل بتدخلات الدول الأخرى في شأن الدول العربية أو الشؤون الداخلية لها، فكل شعب هو المسؤول عن مجريات الأمور داخل وطنه، وصاحب الحق الأصيل في اختيار من يمثله سواء كان في مؤسسات تشريعية أو سلطة تنفيذية إلى آخره. أما ما تقوم به دولة تركيا منذ زمن بعيد هو الإصرار على التدخل السافر في شؤون الدول العربية والإسلامية. ومرجع ذلك وسر تخوفي أن السلطة الحاكمة الآن في تركيا لها ميراث عقائدي.

*ماذا تقصد بميراث عقائدي؟

- أي أن تركيا تعتقد اعتقاداً جازماً في أمرين؛ أولهما تحقيق تطلعات الجماعات الفئوية، مثل جماعة الإخوان وأهدافها بالوصول إلى السلطة في كل البلاد، وتفريغ تلك الدول من الانتماء الحقيقي، وجعل السلطات فيها سلطات فئوية تنتمي إلى أفكار محددة وعقائد موروثة منهم. ومعلوم أن السلطة الحاكمة في تركيا انتماؤها الحقيقي إلى جماعة الإخوان، ولا ننسى أيضاً أن أردوغان كان قيادياً بارزاً في حزب أربكان السابق (رئيس وزراء تركيا الأسبق المنتمي لتيار الإسلام السياسي)، والأخير وهو الذي أحدث كل ما يجري في تركيا الآن، بتغيير توجهاتها إلى توجهات عقائدية تترسخ في أذهان وعقول الأتراك.

*ماذا عن الأمر الثاني؟

- الأمر الثاني هو الإيمان المطلق من القيادة التركية سواء كان للسلطة الحاكمة الآن أو غيرها بضرورة عودة الإرث العثماني. فهم يؤمنون إيماناً مطلقاً ويقينياً أن "الدولة العثمانية سقطت بأياد عربية عبر الثورة العربية"، وبدعم مطلق من الدول الأوروبية وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا. ويؤمنون أنه قد آن الأوان ليعود هذا الإرث العثماني، المتمثل في سيطرة الدولة التركية على الدول العربية، خاصة الدول الملاصقة لها كسوريا والعراق، وتتمدد الآن في البحر الأحمر في الصومال وفي إثيوبيا وفي ليبيا وفي السودان، وهذا كله لا يخفى على أحد. ومن ثم فهذا هو الذي يجعلني أتخوف من تدخلات تركيا أن الأمر أصبح لديهم عقائدياً. أيضاً هناك نقطة مهمة.

*وما هي؟

- أن المتابع لتطورات الأحداث خلال العشرين سنة أو الخمسة عشر سنة الماضية لا يمكن أن يغفل أبداً محاولات دولة تركيا من التدخل في شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومزاحمة الدولة المصرية في أمنها القومي وأمنها الاستراتيجي، وفي الثروات الكثيرة بالبحر الأبيض المتوسط. ولا يمكن أيضاً أن ننسى أن تركيا كان لها يد فاعلة ومؤثرة داخل دولة ليبيا، ودعمت كثيراً من الجماعات الإرهابية داخل هذه الدولة، والهدف من ذلك هو سيطرة أنقرة على مقاليد الأمور في ليبيا، وبناء قواعد عسكرية وتحقيق مصالح اقتصادية. علماً أن الهدف النهائي هو دفع هذه الجماعات مستقبلاً لأن تغزو الدولة المصرية من ناحية الغرب. كما أن تركيا لها علاقات قوية جداً بجماعات أيضاً في السودان. كما لا يخفى على عاقل أو متابع أو متدبر تحركاتها المريبة، فنرى مؤخراً أيضاً أنها تتدخل في العلاقات الإثيوبية – الصومالية، وتحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذه المنطقة، خاصة منطقة القرن الإفريقي لتحقق مصالح جيوسياسية في هذه المنطقة. وهذه تحركات يتأثر بها عالمنا العربي خاصة مصر؛ إذا أخذنا في الاعتبار وجود الحوثيين والجماعات الإرهابية في اليمن وفي باب المندب وحوض البحر الأحمر.

*دعنا ننتقل إلى الملف السوري، ما رؤيتك بشأن التدخلات التركية هناك؟

- إذا تحدثنا عن الملف السوري، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الذي يجعل الدولة التركية تتدخل في شؤون الدولة السورية العربية وهي دولة ذات سيادة ولها خصوصيتها بما لديها من تكوينات عرقية وتوجهات كثيرة جداً، فقد كان من الأولى بتركيا إذا كانت صادقة في دعوتها أنها تريد خيراً لسوريا أن تسحب قواتها التي حشدتها قرب مدينة كوباني أو عين العرب، أو المناطق التي احتلتها منذ زمن وتغلغلت بعمق 35 كيلو متراً داخل الأراضي السورية. كان من الأولى بتركيا إذا كانت صادقة أن توقف هجماتها المتكررة على شمال وشرق سوريا، وتوقف مهاجمة عرق أساسي وشعب أساسي من مكونات الدولة السورية وهو الشعب الكردي.

*على ذكر الهجمات التركية على سوريا، أردوغان يتحدث ليلاً ونهاراً عما يجري بحق الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي يقوم هو بنفس الشيء تقريباً بحق سكان الشمال الشرقي السوري، كيف تفسر ذلك وتحلله؟

- في حقيقة الأمر رجب طيب أردوغان ليس صادقاً فيما يقوله ويعلنه من دعم للشعب الفلسطيني، وكان أولى به بدلاً من أن يحرك قواته العسكرية من طائرات ومدفعية إلى الأراضي السورية وهي أراضي عربية لها سيادتها ولها استقلالها، ويقتل الأبرياء هناك، كان أولى به أن يدفع بتلك الآليات العسكرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل، ولكننا لم نجد ذلك. بل وجدنا في المقابل مواقف لا تتجاوز التصريحات الشكلية بأنه يدعم الشعب الفلسطيني، الشعب الفلسطيني لا يحتاج للطعام والشراب والدواء فحسب؛ فهذا أمر إنساني تقوم به شعوب في أوروبا وفي أمريكا وفي الصين وفي روسيا كما تفعل تركيا، في كل مكان هذا جانب إنساني، وبالتالي فأنقرة لا تفعل ما لم يفعله غيرها، أما الجانب المهم الذي كان يجب عليها القيام به كدولة إسلامية أو صاحبة مسؤولية إسلامية فكان يجب أن يكون لها موقفاً آخر لا يقتصر على مجرد مساعدات إنسانية.

*بل هناك كذلك علاقات اقتصادية بين تركيا وإسرائيل على أعلى مستوى..

- بالفعل، نحن نرى ونعلم يقيناً أن هناك علاقات اقتصادية وتجارية وسياسية مع الكيان الصهيوني، وبالتالي حين يتحدث أردوغان ويصرح أنه يدافع عن القضية الفلسطينية فهو انفصام في شخصيته ناتج عن الكذب الذي تربى عليه، وأولى به وهو يدلي بهذه التصريحات عن الشعب الفلسطيني أن يراجع نفسه فيما يصنعه ويفعله بالشعب السوري، وقد طالت انتهاكاته كل السوريين سواء الكرد أو السنة أو الشيعة أو الدروز أو العرب. فهو من درب ودعم هؤلاء الذين دخلوا إلى سوريا واحتلوا حلب وحماة وحمص ودمشق، وهؤلاء الذين يسيرون الآن في سوريا وفق خطة رسمتها لهم أو أعدتها لهم المخابرات التركية. كان أولى بالنظام التركي أن يدفع بهذه المجموعات الإرهابية إلى الأراضي الفلسطينية على الأقل خلال العام الماضي الذي ذاق فيه الشعب الفلسطيني ويلات من التعنت الصهيوني و الاعتداءات الغاشمة. رجب طيب أردوغان ليس متسقاً مع نفسه، وأفكاره متناقضة ومصاب بانفصام في الشخصية، ومصاب بعنجهية الإرث العثماني، وتلك هي الحقيقة التي ينبغي أن ندركها، ويجب ألا نصدقه في أي تصريحات يطلقها أو يرددها تتعلق بإسرائيل، وأولى به أن ينسحب فوراً بقواته من الأراضي السورية، ويترك الشعب السوري يحدد مصيره ومستقبله.