وقال بوراك بكديل أحد الكتاب الصحفيين الاتراك البارزين، في مقالة له نشرها موقع المعهد يوم الجمعة، إن البيانات والأبحاث الانتخابية ونتائج استطلاعات الرأي تظهر أن الأتراك يميلون إلى الاتحاد خلف زعيمهم في أوقات الأزمات أو المواجهة مع الأعداء الأجانب.
واوضح المقال أن كل تلك التوترات التركية-اليونانية الراهنة في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط تعزز الحنين التركي الذي دام قرنًا لاستعادة بعض الجزر اليونانية. اقترحت صحيفة يني شفق الموالية بشدة لأردوغان أن يغزو الجيش التركي 16 جزيرة يونانية.
وعلى سبيل المثال وفقًا لشركة استطلاعات الرأي التركية "ميترو بول" (Metropoll)، بلغت نسبة تأييد أردوغان في ذروتها 71.1٪ في كانون الاول ديسمبر 2013، عندما صور عددًا كبيرًا من فضائح الفساد عنه وعائلته على أنها "محاولة انقلاب"، وفي الانتخابات البرلمانية عام 2015، انخفض التصويت لأردوغان على الصعيد الوطني إلى 37.5٪ وخسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ توليه السلطة في عام 2002.
فيما ارتفعت نسبة تأييد أردوغان بشكل حاد مجددا إلى 67.6٪ بعد الانقلاب الفاشل ضد حكومته في يوليو 2016، وفي ذروة أزمة فيروس كورونا "كوفيد 19"، كانت نسبة تأييد أردوغان قوية أيضا حيث بلغت 55.8٪.
وكشفت شركة متروبول في استطلاع جديد عن أن نسبة الموافقة الحالية لأردوغان تبلغ 50.6٪، لذا يعتقد أردوغان أنه في حاجة إلى خلق توترات جديدة مع خصوم تركيا سواء من كانوا كذلك في الماضي أو الحاضر.
ومؤخرا دان أردوغان الاتفاق بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة مشيرا إلى أن تركيا تقف إلى جانب فلسطين، لذا فإنه يفكر في سحب سفير تركيا من الإمارات مضيفا "أعطيت تعليمات لوزير خارجيتي، وقد نعلق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات أو نستدعي سفيرنا في أبو ظبي".
وإذا فعل أردوغان ذلك فستكون تركيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي ليس لديها علاقات دبلوماسية مع أرمينيا وقبرص، كذلك لا توجد علاقات لتركيا على مستوى السفراء مع سوريا وإسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة، كما أن علاقات تركيا مع العديد من الدول التي تربطها بها علاقات دبلوماسية كاملة ليست في حال أفضل بكثير من هذه الدول.
وفي أواخر تموز يوليو الماضي، حتى قبل الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار لقناة الجزيرة القطرية أن تركيا ستحاسب أبو ظبي في الوقت والمكان المناسبين ردا على ما وصفه بـ "الأعمال الخبيثة المرتكبة في ليبيا وسوريا"، مشيرا إلى أن الإمارات "دولة تخدم الآخرين سياسياً أو عسكرياً".
لذا من الواضح أن تركيا تشعر بالغضب الشديد من أي صفقة قد تساعد في استقرار واحدة من أكثر مناطق العالم تقلبًا، كما دانت وزارة الخارجية التركية، في 3 آب أغسطس الجاري اتفاقية نفطية بين شركة مقرها الولايات المتحدة ومجلس سوريا الديمقراطية لتطوير حقول النفط في شمال شرق سوريا، فيما تسيطر تركيا على جيوب صغيرة من الأراضي شمالي غربي سوريا كما هددت أنقرة بالرد عسكريًا على الهجمات المحتملة على قواتها.
وهناك أيضا نزاعات "أكثر سخونة"، حيث استأنفت تركيا في 10 آب أغسطس الجاري، التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط ، وذلك بعد أيام فقط من إعلان الحكومة التركية تأجيل عمليات المسح البحرية سعياً وراء حل دبلوماسي مع اليونان، متجاهلة الجهود الدولية لإيجاد حل دبلوماسي للنزاعات الحدودية البحرية مع اليونان خصمها التقليدي في بحر إيجه.
وسبق أن دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى معاقبة تركيا متهما حكومتها بانتهاك حقوق اليونان وقبرص، كما أمر ماكرون البحرية الفرنسية في شرق البحر المتوسط بتقديم مساعدة عسكرية لليونان، وفي خطوة أخرى وقعت فرنسا اتفاق تعاون دفاعي مع قبرص، حيث دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من أغسطس الجاري وتغطي لمدة عامين مجالات الطاقة وإدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب والتعاون الأمني البحري بين البلدين.
وبينما كانت المواجهة تزداد حدة، عقد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس اجتماعا لمجلس الأمن القومي، وقال وزير الدولة جورج جيرابيتريتيس في بيان صدر بعد الاجتماعات تذكرنا بفترة ما قبل الحرب قائلا "نحن في حالة استعداد سياسي وعملي كامل، ومعظم الأسطول جاهز للنشر عند الضرورة".
وإذا أضفت إلى تلك الصورة المحفوفة بالمخاطر القوات البحرية القبرصية والإسرائيلية والمصرية، فإن تركيا تواجه الآن قوات بحرية هائلة في البحر الأبيض المتوسط.
وفي حادث خطير آخر وقع في 14 أغسطس الجاري، اصطدمت فرقاطة ليمنوس التابعة للبحرية اليونانية بسفينة التنقيب "كمال رئيس" التركية، في شرق البحر المتوسط.
وكل تلك التوترات التركية اليونانية في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط تعزز الحنين التركي الذي دام قرنًا لاستعادة بعض الجزر اليونانية، فسبق أن اقترحت صحيفة يني شفق الموالية لأردوغان أن يغزو الجيش التركي 16 جزيرة يونانية.
فيما علقت صحيفة "جريك سيتي تايمز" اليونانية على تصرفات أردوغان قائلة "مناقشة الحروب وغزو الجزر اليونانية، مجرد تكتيك يستخدمه نظام أردوغان لصرف انتباه الشعب التركي عن الوضع الاقتصادي البائس".
لهذا فكرة أردوغان المتمثلة في حشد الأصوات من خلال إثارة المشاكل الإقليمية لا تقتصر على المغامرات البحرية فقط، فعلى سبيل المثال وعلى خلفية التصعيد الحدودي المفاجئ بين أذربيجان وأرمينيا في 12 يوليو الماضي، أطلق الجيشان التركي والأذربيجاني تدريبات عسكرية مشتركة استمرت أسبوعين شملت القوات الجوية والبرية.
كذلك في جنوب شرق تركيا، ألقى العراق باللوم على أنقرة في هجوم نفذته طائرة بدون طيار أسفر عن مقتل ضابطين عسكريين عراقيين رفيعي المستوى، فقد وقع الحادث قبل وقت قصير من زيارة مخططة لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى بغداد، لتعلن الحكومة العراقية عن غضبها ورفضها استقبال آكار وأنه لم يعد موضع ترحيب لديهم.
ويتضح لنا أن أردوغان يحتاج إلى قصص ملحمية عن استخدام القوة العسكرية ضد أعداء أجانب حقيقيين أو وهميين لجذب الناخبين المتذمرين إليها بسبب الاقتصاد المتعثر الذي تسببت فيه سياساته.