في حوار خاص لوكالة فرات للأنباء, تحدّث ممثّل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في برلين, ابراهيم مراد عن التحرّكات الدبلوماسيّة التي تقوم بها ممثّليات الإدارة في أوروبا, خاصّة بعد إعلان الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي, مشيراً إلى التهديدات التركيّة على شرق الفرات وقناعة الدول الأوروبيّة ألمتحورة حول رفض أيّ هجوم تركي. كما لفت إلى استمرار جهودهم في سبيل إنهاء احتلال عفرين, ومحاولات السعي لإيجاد حلّ للأزمة السوريّة بالعموم.
- بعد الانتصارات التي حقّقتها قوّات سوريا الديمقراطيّة على تنظيم داعش الإرهابي, والتي توّجت بإعلان القضاء على التنظيم عسكريّاً في سوريا في 23 آذار الماضي, هل من تحرّكات دبلوماسيّة من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تكون موازية للانتصار الكبير الذي تحقّق عسكريّاً؟
طبعاً, الانتصار الذي حقّقتها قوّات سوريا الديمقراطيّة على تنظيم داعش جلب معه انتصارات سياسيّة ودبلوماسيّة ومجتمعيّة لمنطقة شمال وشرق سوريا. بعد إعلان الانتصار في 23 آذار الماضي, نحن كممثّلين للإدارة الذاتية في الخارج, دخلنا مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي, وهي مرحلة ما بعد داعش, وكذلك الأمر بالنسبة للإدارة الذاتية بالعموم. حيث أجرينا اتّصالات مع أطراف دوليّة, وتلمّسنا آراء دولية إيجابيّة خاصّة هنا في أوروبا, الأمر الذي فتح أبواباً جديدة لعملنا الدبلوماسي. لكن ليس بإمكاننا القول بأنّ التحرّكات الدبلوماسيّة التي قمنا بها كانت موازية تماماً للانتصارات التي تحقّق على أرض الميدان, لأنّ تلك الانتصارات غيّرت من واقع سوريا وعموم المنطقة, وهذا ما يحفّزنا أن نكثّف عملنا ليكون مناسباً ولائقاً بالانتصارات العسكريّة والتضحيات التي قدّمها المقاتلون في سبيل القضاء على الإرهاب.
بالعموم, يتمثّل عملنا الدبلوماسي في كيفيّة الحفاظ على المنجزات التي تحقّقت وإقناع الأوروبيّين بمشروعنا الديمقراطي, الذي بذل في سبيله المئات من مقاتلينا دماءهم. نسعى لتأمين الدعم والاستقرار للمناطق المحرّرة من تنظيم داعش في شمال وشرق سوريا, إلى جانب مواصلة الحرب على بقايا التنظيم الإرهابي منعاً لعودته مجدّداً, وهذا ما يتّفق فيه معنا المسؤولون الأوروبيّون خاصّة فيما يتعلّق بإنهاء داعش من الناحية الإيديولوجيّة, بعد القضاء عليه عسكريّاً. ونحن نرى الاحترام الذي تكنّه الأطراف الدوليّة بالعموم لقوّات سوريا الديمقراطيّة.
- تمّ طرح موضوع تشكيل محكمة دوليّة لمحاكمة عناصر داعش الأسرى لدى قوّات سوريا الديمقراطيّة, لكنّ هذا الطرح لم يلقى ردوداً إيجابيّة من قبل بعض الحكومات الغربيّة, هل من تطوّرات جديدة في هذا الملف؟
هذا الموضوع شائك ويحمل في طيّاته الكثير من الاختلاف في وجهات النظر. منذ تحرير مدينة منبج, الكثير من مسلّحي تنظيم داعش مع عوائلهم وقعوا في يد قوّات سوريا الديمقراطيّة, منهم من سلّم نفسه ومنهم من تمّ أسره خلال المعارك. منذ ذلك الوقت ونحن نوجّه نداءات لحكومات العديد من الدول أن تتسلّم مواطنيها المتواجدين بين تلك العوائل, لكنّنا لم نتلقّى أيّ ردود إيجابيّة في هذا الخصوص, وبعد 23 آذار, اقترحت قوّات سوريا الديمقراطيّة والإدارة الذاتية إنشاء محاكم خاصّة بمسلّحي تنظيم داعش في شمال وشرق سوريا, وقدّمنا هذا المقترح لعدد من الحكومات الأوروبيّة, كان ردّ عدد منها إيجابيّاً والآخر سلبيّاً, لأنّ هذا الأمر يتعلّق بالقوانين الداخليّة لكلّ دولة على حدى, كما أنّ الأوروبيّين لم يتوصّلوا لقرار موحّد فيما بينهم حول هذا الملف.
من جهتنا, لطالما ناقشنا خطورة تواجد مسلّحي داعش الأجانب داخل سجون الإدارة الذاتية مع الحكومات الأوروبيّة, وهم باتوا يدركون خطورة هذه المسألة, ولمسنا منهم قناعة وتعاطفاً معنا لإيجاد صيغة وآليّة مناسبة لمحاكمة أولئك الدواعش. لكن حتّى الأن, لم تتّخذ تلك الحكومات خطوات عمليّة في هذا الصعيد.
- الدولة التركيّة تهدّد بشنّ عمليّة عسكريّة على شرق الفرات, ويترافق هذا التهديد مع حشود عسكريّة تركيّة على الحدود مع تل أبيض (كرى سبي), الموقف الأمريكي يوضح أنّ واشنطن ستحمي حلفاءها في سوريا (قسد), ماذا عن المواقف الأوروبيّة, خاصّة الموقف الألماني؟
التهديدات التركيّة على مناطقتنا ليس جديدة, ودوماً تهدّد الدولة التركيّة بالهجوم علينا والقضاء على تجربتنا الديمقراطيّة. لكن فيما يخصّ التصريحات الأخيرة لرئيس الدولة التركيّة بشنّ عمليّة عسكريّة شرق الفرات, رأينا ردوداً رافضة لمثل هذه العمليّة من قبل الإدارة الأمريكيّة, وبرأيي هكذا هجوم ترفضه كلّ الأطراف الدوليّة, رأينا تصريحات مندّدة, لكن يجب أن تدخل حيّز التنفيذ ولا تبقى مجرّد تصريحات.
من خلال تواصلنا مع الحكومات الأوروبيّة, رأينا رفضاً قاطعاً منهم لشنّ تركيا لأيّ هجوم على شرق الفرات, ولم نرى مثل هذا التعاطف إبّان احتلال تركيا لمنطقة عفرين. أستطيع القول بأنّ جميع القوى العالميّة, بما فيها الاتحاد الأوروبي يرون أنّ الهجوم التركي سيؤدّي إلى حرب مفتوحة, سيؤدّي إلى اللااستقرار في عموم المنطقة, سيؤدّي إلى المزيد من الخراب والدمار, خاصّة أنّ الانتصار على داعش فتح آفاقاً جديدة لإجاد تسوية للأزمة السورية. بهذا المعنى, اجتياح تركيا لشرق الفرات سيعقّد الوضع وسيقضي على المحاولات الحثيثة لحلّ الأزمة في سوريا. طبعاً لا يخفى على أحد أنّ الدولة التركيّة تسعى إلى عرقلة مساعي الحل, لأنّ ذلك يخدم مصالحها وأجنداتها وأيضاً مطامعها في سوريا.
في كلّ اللقاءات التي نجريها هنا في أوروبا, هناك موقف موحّد حول رفض أيّ هجوم تركيّ على مناطقنا, وهناك تأكيد على أنّ هذا الهجوم لا يناسب مصالح الحكومات الأوروبيّة, وهذا هو موقف الحكومة الألمانيّة أيضاً, إذ أنّ منطقة شمال وشرق سوريا خرجت من كونها مسألة سوريّة داخلية, بل باتت مسألة دوليّة, لأنّ الكثير من الدول لها مصالح في المنطقة التي من الممكن أن تكون مفتاح الحلّ للأزمة السورية, أو على النقيض, قد تكون سبباً لاستمرار الحرب وعدم الوصول إلى تسوية دائمة.
- عفرين لا تزال ترزخ تحت الاحتلال التركي, والفصائل الإرهابيّة الموالية لأنقرة تمارس انتهاكات واسعة النطاق بحقّ المدنيّين هناك. دبلوماسيّاً, ما الذي تقومون به في سبيل إنهاء الاحتلال؟ وما هو موقف الحكومات الأوروبيّة حيال وضع عفرين بالعموم؟
لم تغب عفرين يوماً عن أيّ نقاش أو لقاء نجريه مع الحكومات الأوروبيّة. منذ احتلال عفرين العام الماضي, ونحن كممثّلي الإدارة الذاتية في عمل دؤوب ونقاشات دائمة مع الأطراف الأوروبيّة في سبيل الضغط عليها للقيام بمسؤوليّاتها حيال هذه القضيّة. كما أنّنا متواصلون مع المنظّمات الحقوقيّة وأيضاً الإنسانيّة للقيام بواجباتها حيال نازحي عفرين المقيمين في مخيّمات الشهباء وتقديم المساعدات الإغاثيّة والطبّية اللازمة لهم.
بالعموم, موقف الحكومات الأوروبيّة, ومن بينها الحكومة الألمانيّة, إزاء عفرين موقف يتّسم بالغموض, وأستطيع وصفه بالموقف السلبي. لم نرى أيّ تنديد باحتلال تركيا لعفرين, لم نرى أيّ استنكار للانتهاكات التي تقوم بها الفصائل الإرهابيّة الموالية لتركيا بحقّ مدنيّي عفرين, على الرغم من مساعينا لفضح تلك الانتهاكات أمام الرأي العام الأوروبي. وفي الآونة الأخيرة, تناولنا مسألة خطورة استمرار احتلال عفرين, ليس بالنسبة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فحسب, بل لعموم العالم. نشرح لهم كيف تقوم الدولة التركيّة بعمليّات تغيير ديموغرافيّ ممنهجة, وتؤسّس لبنيةٍ إسلاميّة راديكاليّة هناك, وهذا ما يشكّل خطراً حقيقيّاً على الأمن الدولي. كما أنّنا متواصلون مع منظّمات حقوقيّة لتقديم جرائم الدولة التركيّة في عفرين أمام المحاكم الدوليّة على أنّها جرائم حرب يجب إيجاد آليّة مناسبة لمحاسبة المسؤولين عنها.
- الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تسيطر على مساحة واسعة من الأراضي السوريّة وتعتبر نفسها جزء لا يتجزّأ من سوريا, بالإضافة إلى امتلاكها قوّات عسكريّة تمتلك خبرة قتاليّة كبيرة, ولديها قوى أمن داخلي لديها القدرة على ضبط الأمن إلى حدّ كبير, هل سنشهد مشاركة ممثّلين عن الإدارة في أيّ مفاوضات حلّ للأزمة السوريّة سواء في جنيف أو غيرها؟
منذ العام 2012 وهناك الكثير والكثير من الاجتماعات والمباحثات والمفاوضات حول إيجاد حلّ للأزمة في سوريا, سواء في المحادثات الدولية بجنيف أوغيرها, ورأينا أنّ كل تلك المساعي باءت بالفشل.
برأيي, فشل تلك المساعي جاء بسبب غياب ممثّلين حقيقيّين للشعب, لم نرى وفوداً تعبّر عن معاناة الشعب السوري, وحجم الدمار الذي لحق به, فقط كنّا نرى أشخاصاُ يسعون لمصالحهم الشخصيّة, إلى جانب تنفيذهم لأجندات إقليميّة ودوليّة. بمعى آخر, الهدف لم يكن تحقيق الاستقرار لسوريا بقدر ما كان الهدف تحقيق مصالح الدولة الراعية لكلّ طرف في تلك المفاوضات. كما أنّ غياب ممثّلين عن شمال وشرق سوريا, كان هو السبب الرئيسي لفشل كلّ تلك المساعي.
رأينا في الآونة الأخيرة أصواتاً دوليّة تنادي بضرورة تمثيل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في مفاوضات جنيف أو أيّ مفاوضات أخرى حول سوريا, وهذا آت من قناعة أن لا حلّ بدون حضور ممثّلين عن الإدارة. فجميع محاولات الدولة التركيّة ولوبياتها لمنع حضور ممثّلين عن الإدارة الذاتية أثبتت أنّ تركيا كانت تعرقل مفاوضات الحل, وبرأيي لن تنجح تلك المحاولات مجدّداً, لأنّ الدول الراعية للمفاوضات السوريّة باتت مقتنعة أن لا حلّ بدون إشراك وفد الإدارة الذاتية في المفاوضات, خاصّة أنّ البحث عن حلّ حقيقي للأزمة السوريّة دخل مرحلة جديدة, وبات ذلك الحلّ جدّياً أكثر من ذي قبل, وذلك بعد القضاء على تنظيم داعش, وعودة الكثير من المناطق إلى سيطرة النظام السوري, والاتّفاق على ضرورة تحرير المناطق المتبقّية تحت سيطرة التنظيمات الجهاديّة كبجهة النصرة وغيرها. أيّ أنّ مفاوضات حلّ الأزمة في سوريا دخلت مرحلة جديدة, وباتت الحاجة لإيجاد تسوية ضرورة ملحّة أكثر من أيّ وقت مضى.