ماذا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران؟

جاء قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران متوقعًا، قبل أيام من انتهاء المهلة التي وضعها ترامب في 12 يناير الماضي، ليفتح الباب أمام كثير من التساؤلات حول ما بعد هذه الخطوة التي اتخذها ترامب.

جاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن الاتفاق النووي مع إيران، متوقعًا، ليوقع اليوم الثلاثاء 8 مايو، على قرار الانسحاب رسميا من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته المجموعة الدولية «5+1» مع إيران، في 14 يوليو 2015، ولتبدأ مرحلة التداعي، وتدخل منطقة الشرق الأوسط ذروة نشاط حالة التصعيد.

ترامب يطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق

وأعلن ترامب، اليوم الثلاثاء 8 مايو، انسحاب الولايات المتحدة رسميا من الاتفاق الذي لم يصمد حتى لثلاثة سنوات، مؤكدًا أن الاتفاق كان بمثابة صفقة هائلة تسمح للنظام الإيراني بمواصلة تخصيب اليورانيوم.

وقال ترامب في كلمته التي جاءت لإعلان الانسحاب من الاتفاق: «أعلن اليوم أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق حول برنامج إيران النووي.. الولايات المتحدة تتوفر لديها أدلة مؤكدة تثبت أن النظام الإيراني ينتهك الاتفاق النووي».

وأعلن ترامب عن عقوبات قاسية ستطبقها الولايات المتحدة ضد إيران ونظامها، مشددا على أن تمديد الاتفاق النووي كان سيجعل الشرق الأوسط يمر بسباق للتسلح النووي لا يمكن قبوله.

وقال ترامب: «إننا سنفرض عقوبات على أعلى مستوى، وكل دولة ستساعد إيران في مساعيها للحصول على الأسلحة النووية قد تصبح أيضا عرضة لعقوبات قوية من قبل الولايات المتحدة، إن أمريكا لن تكون أبدا رهينة للابتزاز النووي».

وأكد ترامب على أن الصفقة ( الاتفاق النووي) لم يمنع إيران من تطوير السلاح النووي، لافتًاً إلى أن هذه الصفقة معيبة، وكان لابد من هذه الخطوة.

كما جدد الرئيس الأمريكي تعهده بالتطبيق الكامل للعقوبات القاسية، مشددا على أن النظام الأيراني سيواجه مشاكل أكبر مما شهدها في أي وقت مضى حال مواصلته مساعيه النووية، وأن بلاده لن تقبل لمن يريدون الموت لأميركا أن يحصلون على السلاح النووي.

وبهذه الخطوة يكون ترامب قد أطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق، الذي يتوقع تداعيه بعد انسحاب القوة الأكبر في الاتفاق والتي كانت تشكل الإطار الأساسي في الاتفاق الذي يضم الدول الخمس دائمة العضوية إضافة إلى ألمانيا.

الاتفاق النووي ومساراته الأولية

وقبل الدخول في تبعات القرار الأمريكي، الذي أعلنه اليوم الرئيس دونالد ترامب لابد من الإشارة إلى طبيعة الاتفاق النووي الذي وقعته المجموعة الدولية مع إيران.

وجاء التوقيع على الاتفاق في 2015، خلال فترة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، الذي يتهمه خلفه ترامب، اليوم بالإخفاق في هذا الاتفاق الذي اعتبره هو الأسوأ على الإطلاق.

وسبق التوقيع على الاتفاق سنوات طويلة من التصعيد الأمريكي الإيراني.

وعبرت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على مدار عقود طويلة عن مخاوف جدية من برنامج إيران النووي، وبدأت الولايات المتحدة في فرض استراتيجية للتضييق على إيران وفرض عزلة عليها لإقصاءها عن تحركها باتجاه تسريع برنامجها النووي.

وبالفعل استطاعت الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على إيران عبر مجلس الأمن كان في مقدمتها القرار 1737 و 1747.

و ترى الولايات المتحدة أن إيران تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الدولي عامة، والإقليمي خاصة، حتى أنها انتهجت سياسة فرض العقوبات عليها، سواء في أطر جماعية أو أحادية، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، في 1989، التي شكلت بداية حالة التصعيد، وصولًا إلى احتلال العراق في 2003، والذي أعقبه تغير استراتيجي في التعامل الأمريكي مع الملف الإيراني، في وقت كان حلفاءها الأوروبيين الممثلين في ترويكا «بريطانيا، فرنسا وألمانيا» قد دخلوا مرحلة من التطور في التواصل مع إيران التي بدأت لأول مرة في اعلان استجابتها لمسألة وقف تخصيب اليورانيوم، إضافة إلى التوقيع على اتفاق يسمح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بالتدقيق على أنشطتها النووية، وهو ما أعلنته ترويكا أوروبا وإيران في 22 أكتوبر 2003 في بيان مشترك آنذاك.

ويعتبرمراقبون التاريخ السابق مفصلي وهام في مسيرة التفاوض الغربي مع إيران، التي تسعى باستمرار إلى المراوغة والانقلاب على الاتفاقات التي تبرمها بشأن برنامجها النووي،متخذة من المراوغة سياسة للتعامل في كافة الملفات، فلم تصل المفاوضات الأوربية مع إيران لمسار جدي، وعاد الملف لمجلس الأمن الذي أصدر قراره رقم 1699، في يوليو 2006، أمهل إيران شهرًا لوقف تخصيب اليورانيوم، مشددًا على أنه سيتخذ تدابيرًا بموجب المادة 42 من الفصل السابع لحث إيران على الامتثال للقرار.

وبعد أن امتنعت إيران عن الامتثال لقرار مجلس الأمن، اجتمع المجلس مجددًا جاء القرار رقم 1737 الذي استطاعت كل من روسيا والصين التخفيف من حدته بعد أن تقدمت الولايات المتحدة آنذاك بمشروع قرار قوي، وعقب ذلك بثلاثة شهور صدر القرار 1747 في مارس 2007، ليقر مزيدًا من العقوبات على طهران، لكن بالرغم من ذلك لم تتوقف عن برنامج التخصيب.

وعلى مدار السنوات التالية صدر قرارات جديدة في مجلس الأمن، وواصل الشركاء الأوربيين تحركاتهم، من أجل أن تغير إيران مساراتها بشأن برنامجها النووي، وصولا إلى مشاورات الاتفاق النووي، حيث عقدت مشاورات ماراثونية على مدار 18 شهرًا بين جنيف، ولوزان، ونيويورك، انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.

أبرز بنود الاتفاق النووي

وجاء الاتفاق النووي الذي جاء تحت عنوان «خطة العمل الشاملة المشتركة»، والذي يقضي برفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب أنشطتها النووية السابقة، مقابل قيام طهران بالحد من نطاق برنامجها النووي ووضعه تحت المراقبة الشاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليضم الاتفاق بنودًا كان من بين أهمها:

  • زيادة مدة إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية حتى عشر سنوات كحد أقصى بدلا من شهرين.
  • خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز بنسبة 3,67% خلال فترة 15 عامًا
  • خفض المخزون الإيراني من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلو جرام إلى 300 كيلو جرام على مدى 15 عاما.
  • عدم بناء أية منشآت نووية جديدة طيلة 15 عاما.
  • تكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة منتظمة لجميع المواقع النووية الإيرانية وكل الشبكة النووية بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وتمكين مفتشي الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم وإلى الأماكن التي تنتج فيها إيران "الكعكعة الصفراء" (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما.
  • تمكين مفتشي الوكالة من الوصول لمواقع عسكرية غير نووية بشكل محدود في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي.
  • مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في آراك سيجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.
  • العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ باليستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.
  • رفع كل العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، وتستهدف القطاعات المالية والطاقة -خاصة الغاز والنفط والنقل.

موقف ترامب هل هو انقلاب على الاتفاق أو خطوة على المسار الصحيح؟

ومنذ اللحظة الأولى لوجود ترامب في البيت الأبيض وترامب يتبنى رؤية بأن الاتفاق تشوبه أخطاء كارثية، ويتضمن عيوبًا هائلة،

 

واعتبر ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران يتضمن "عيوبا هائلة"، لافتا إلى أن تمديده لتجميد العقوبات هذه المرة يمثل "آخر فرصة" لتعديل الصفقة، التي انتقدها مرارا وتكرارا خلال حملته الانتخابية بعد تولي رئاسة الولايات المتحدة، خاصة بسبب عدم فرضها قيودا على البرنامج الصاروخي الإيراني.

ويرى ترامب أن الاتفاق فشل في الحد من طموحات إيران النووية وفي تطويرها برنامج الصواريخ البالستية، وأن الاتفاق أيضا منح النظام الإيراني القائم على الإرهاب ملايين الدولارات، التي أنعشت النظام وجعلته يواصل تدخلاته ونفوذه في الشرق الأوسط.

وكان ترامب يرى أن الاتفاق بحاجة إلى تعديل، إلا أنه يبدو أن الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخرًا سرعت من ضرورة اتخاذه القرار.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن عن امتلاك اسرائيل لـ5 آلاف وثيقة تثبت مواصلة إيران لبرنامجها النووي.

وكان واضحًا من البداية موقف ترامب بشأن الاتفاق، والذي أدى به إلى تعيين اثنين من أكبر الشخصيات الأمريكية التي تناصب إيران العداء والتي سبق أن أعلنت رفضها للاتفاق النووي، وهما وزير خارجية الجديد «مايك بومبيو»، ومستشاره الجديد للأمن القومي «جون بولتون»، ومنذ اللحظة التي أعلن فيها عن اختياره لهما والأمر أصبح واضحًا وأن ترامب يريد مسح كل المسار الذي اتخذه سلفه أوباما، وهذا ما أعلنه ترامب في خطاب الانسحاب من الاتفاق النووي.

وتسعى الولايات المتحدة إلى تقييد تنامي النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط خاصة في الدول العربية، التي أدت بأحد المسؤولين الإيرانيين للتصريح سابقًا بأن إيران تسيطر على أربعة عواصم عربية، ويشكل هذا التوغل الكبير لإيران، عبر حلفائها وأذرعها في المنطقة أزمة بالنسبة لدول الاقليم وبالنسبة للولايات المتحدة، وترى الولايات المتحدة ضرورة أن يكون هناك ضمانات تقف ضد هذا التحرك الإيراني، إضافة إلى مسألة الصواريخ البالستية التي تصنعها إيران وبدأت تشكل تهديدًا لدول إقلمية، ممثلة في المملكة السعودية التي تطلق عليها باستمرار الصواريخ من قبل مليشيات الحوثي في اليمن، التي تزودها إيران بالأسلحة وتضرب قرارات مجلس الأمن عرض الحائط أيضا.

الحل في اتفاق جديد

ويشكل الانسحاب الأمريكي صدمة لحلفاء الولايات المتحدة الغربيين الذين سعوا نحو إقصاء ترامب عن موقفه بإلغاء الاتفاق النووي، وخرجت التحذيرات الأوربية لترويكا " بريطانيا فرنسا وإلماني" من خطورة الانسحاب الاتفاق بالرغم من تأكيدهم على أن الاتفاق يحتاج إلى أمور تكميلية جديدة.

وقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جهودًا من أجل الابقاء على الاتفاق وبحث بدائل، حتى أنه أجرى لقاءات وزيارات مكوكية، كان أهمها زيارته التاريخية للولايات المتحدة التي أكد خلالها ومن داخل الكونجرس الأمريكي على ضرورة ننع إيران من امتلاك السلاح النووي.

وتتفق الدول الأوربية الثلاث على أن الاتفاق النووي مع إيران بحاجة إلى إضافات، لكنهم سبق أن شددوا على ضرورة المضي قدما في هذا الاتفاق ليأتي قرار ترامب ويضعهم في مأزق تاريخي، وبربما يعيد كرة التحرك باتجاه بحث المسار نحو اتفاق جديد تظل الدول هذه الدول الثلاث هي القادرة على تحريك مساره إلى نقاط محددة، وذلك بالطبع حال التزمت إيران بذلك.

ويبدو بالفعل أن المسار سيذهب باتجاه اتفاق جديد وهو السيناريو الأقرب، وإن كان سيأخذ وقتًا حتى يجري الالتزام بمسار الفكرة وحتى تعي إيران درجة الخطورة التي تعيشها في الوقت الراهن، خاصة بعد أن تسري العقوبات الأمريكية مجددا،وهو ما يزيد التعقيدات على مسار الاقتصاد الإيراني الذي بدأ يشهد انتعاشة هي الأولى له منذ ما يقارب العقدين.

وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي «جون بولتون» قد أعلن أن العقوبات الأمريكية ستسري فورًا على العقود الجديدة، وأنه سيكون أما م الشركات ستة أشهر كحد أقصى لوقف أنشطتها مع إيران، الأمر الذي سيكون الإلتزام به مباشر، خاصة في ظل التلويح الأمريكي بالرد القاسي على من لن يلتزم، وهو ما أعلنه ترامب في خطاب الانسحاب من الاتفاق.

ويؤكد بولتون، وهو أكبر مناصبي إيران العداء في الإدارة الأمريكية الحالية، مع ترامب، أن الانسحاب من الاتفاق لا يعني بداية عمل عسكري ضد إيران، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للدخول في مفاوضات موسعة يكون الغرض منها خروج اتفاق جديد يضمن ألا تشكل إيران مسار ضرر أو تهديد إقليمي أو دولي.

خيار الحرب قائماً ولكن..؟

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت إدارتها الجديدة أنها لن تخوض حروبا مجانية، لن تدخل حربًا مباشرة مع إيران، وذلك بالرغم من أن خيار الحرب قائمًا فعلا، لكن ربما يكون عبر تصعيد إسرائيلي إيراني، خاصة في ظل الحديث الاسرائيلي المستمر عن تحركات إيرانية تهدف توجيه ضربات على شمال إسرائيل، وذلك كرد على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مطار التيفور في سوريا.

وبالرغم من بعد الحالة عن السياق الفعلي، إلا أنه من المرجح أن مسار أي حرب إيرانية اسرائيلية مقبلة سيكون عبر استهداف أذرع إيران والتواجد الإيراني سواء في سوريا، التي تنامى التواجد الإيراني فيها، أو بتوجيه ضربات لحزب الله اللبناني، الذي يعد أحد أهم أذرع إيران في المنطقة ومنفذ سياستها الأول.

وختاماً يبدو أن الولايات المتحدة عازمة بالفعل على الدخول في مسار جدي من أجل الوصول الى اتفاق نووي جديد يسير في إطار يمنع ايران من امتلاك سلاحًا نوويا من جانب ويمنعها من تصعيد نفوذها الإقليمي، وهما الأمران الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة في الوقت الراهن، لكن بالرغم من ذلك يبقى الترقب للمواقف خلال الأيام القليلة القادمة والتي ستشكل مسارات التحرك في هذا الملف.