مع إلقاء نظرة متفحصة على الإعلام التركي بشتى وسائله المرئية و المسموعة و المكتوبة, يمكنك أن تصاب بحالة من الدهشة و الشك. من هم أولئك الأشخاص الذين يعملون لصالح التحالف الفاشي التركي الذي يجمع ما بين حزب العدالة و التنمية والحركة القومية؟ لماذا لا يجسد الإعلام التركي الواقع والحالة المزرية التي تمربها السياسة التركية من الداخل والخارج؟ لماذا يلتجؤون في أخبارهم إلى تضليل الرأي العام, ببث أخبار ملفقة ومكذبة, وكأننا في عالم إفتراضي بعيدون كل البعدعن الحقائق المعاشة؟ لماذا تتواطئ القوى الدولية مع السيناريوهات التركية؟.
لننظر إلى العملية العسكرية الأخيرة للدولة التركية المسماة ب(غصن الزيتون) في مقاطعة عفرين, التي سلطت الضوء عليها بزخم كبير قبل إنطلاقتها بشهورعدة. باعتبارها ورقة مساومة الأخيرة لدى تركيا يلوح بها حيناً ويستعملها أحياناً أخرى لتقوية المشاعر القومية التركية ولا سيما أن تركيا على أبواب الإنتخابات.
ماذا تريد تركيا؟ يتقدم أردوغان وحاشيته إلى حلبة المصارعة و العراك بإندفاع غير مسبوق له بعد الخسارة التاريخية, التي مني بها في معركة كوباني على أيدي قوات الكردية الأساوش وعملياتها الفدائية الفريدة من نوعها, ولاسيماعملية الشابة الكردية أرين ميركان التي تنحدر بأصولها إلى موطن السلام و الزيتون عفرين, التي حركت بعمليتها التاريخية الضمير العالمي, كما أنها غيرت معادلة النصر من الألف إلى الياء.
يتقدم أردوغان إلى معركة عفرين واهماً بأنه بسفكه الدماء الكردي, بقصفه و غاراته على الشعب العزل في عفرين, سيحقق النصر المظفر في خطوته الإحتلالية, ومن جانب آخرسيلحق الأطراف الأخرى الموجودة في سوريا بحالة من الإستنزاف وإقامة منطقة نفوذ لها في سوريا, التي تمثل موقع لحرب دولية و إقليمية ساخنة. متناسياً أن الإرادة الإنسان تفوق بكثير إرادة التكنولوجية التي صنعها بنفسه.
تركيا تبحث من جديد عن الفتوحات العثمانية, بالرغم عما خلفته هذه الفتوحات, من رجعية وكوراث حلت بالإنسانية في كل مكان وطأته أقدام عثمانية. إلا أنه ثمة حقيقة وحيدة لإمبرطورية العثمانية لا بد من ذكرها. ألا وهي تواجد( 72) لغة لثقافات و قوميات مختلفة يسمح التكلم بها بشكل رسمي في ذاك العهد.
إن كانت تركيا تسعى لمثل هذا الإنجاز العثماني الذي يمكننا وصفه بالإيجابي الوحيد في تاريخ العثمانين, لكانت خطوة شجاعة من أردوغان ويستحق التصفيق له. لكن للأسف الشديد فالبنية التي تشكلت عليها تركيا لا تقبل بالقوميات والثقافات واللغات المختلفة مع الهوية التركية. وأردوغان ليس بعيداً عن هذا الوسط و البيئة المتعصبة قومياً,على العكس تماماً بشوفنيته وذهنيته المناوئة للإنسانية تجاوز الأنظمة المتعاقبة له والفاشية الهتلرية.
ومن جانب آخر, ربما تركيا تبحث عن دور دولي في سوريا في حدود يسمح لها أن تكون الآمر والناهي في منطقة الشرق الأوسط. تركيا لا تملك أدوات حرب وصنع النصر الرئيسية, وهي القوة العسكرية التي تحارب في مجال بري. رغم أنها تمثل الجيش الثاني في الناتو. كما غيرها من الدول و القوى العسكرية الشعبية, التي ظهرت في القرن الحادي و العشرين مع ربيع الشعوب. أو الدخول في معركة و الخروج منها منتصرة ضمن القيم الأخلاقية للحرب. لتحظى على دعم الرأي العام من الداخل و الخارج. كما فعلت وحدات حماية الشعب و المرأة بحربها الإرهاب العالمي الذي تمثله مرتزقة داعش.
لذا تتمدد الدولة تركيا ببعض أدوات "قوة ناعمة" والمخترقة للعقول البشرية كتنويم مغناطيسي ألا وهو (الإعلام) في حدود تسمح ولا تسمح لها, كي لا تتصادم مع التشرذم والشرخ الذي يعم الصف التركي والسجن المفتوحة الذي يأسرالمجتمع التركي برمته.
مساحة الإنتشار التي تتحرك فيها تركيا, كردستان وأماكن التي تتواجد فيها الكرد بالأساس, وتحركها يلقى دعماً ضمنياً من القوى الدولية حسب ما يتوافق مع المصالح و الأجندة الخارجية. ولا سيما في دبلوماسية الغرف المغلقة, وخاصة بعد السجال الذي دار في الإتحاد الأوربي في قبول عضوية تركيا في الإتحاد الأوربي, وبروز تركيا كراعية للإرهاب العالمي وتواطئها مع المجموعات المرتزقة وإحتضانها لإخوان المسلمين وأفكارهم الراديكالية. مما توضح لعيان القاصي و الداني دورتركيا و نواياها الإحتلالية. ولا سيما بعد ما قامت به في عام (1974) بإحتلال قبرص بذريعة حركة السلام, حيث فرضت حينذاك سيطرتها على قبرص. وقامت بإغتيال الشخصيات التي تحض على مقاومة الإحتلال التركي, ولا سيما الصحفيين الذين يشاركون الرأي العام حقيقة الإحتلال التركي وأفعاله عبر تقاريرهم الخبرية وتحقيقاتهم ومقالاتهم.
كذا تتحرك تركيا بالإعلام , تحرك لا يجلب معه إلا القتل والدمار والخراب. وهذا ما رأيناه بأم أعيننا في (جرابلس و الباب وعزاز و إدلب وعفرين) المدن التي يزعم أردوغان أنها جغرافية تابعة لأنطاكية.
في الحقيقة لا أردوغان ولا حاشيته المتامرة على أرضي أجداد الكرد و العرب, يملكان الحق في هذه المدن وغيرها من المدن في المنطقة. ولأن تركيا ليست صاحبة هذه الأرضي, لا تسطيع الدخول بجيشها و قواتها العسكرية بسهولة. لذا تسعى لغطاء لمزاعمها و إدعاءاتها. هكذا يمكن رصد البصمات الواضحة للدعم الإعلام التركي في بلورة التوجهات التركية عبر سيناريوهات لا صحة لها في الواقع الأمر.
والسؤال الآن لماذا تسمح القوى الدولية لدولة تركيا في توغلها في مقاطعة عفرين؟ القوى الدولية تهمها في الأساس إضعاف المجتمع الكردي, وغير الكردي, جميع الثقافات الملتفة حول الأمة الديمقراطية و الإدارة الذاتية الخالية من اللامساواة و التمييز. يهمه بالأساس إنهاك الكرد. ولا سيما الكرد الأحرار, الذين وصلوا اليوم إلى سوية, يخوضون من خلالها نضال الحرية والديمقراطية في كافة الظروف، بعد أن قاموا بإنقاذ أنفسهم من الجوانب المتخلفة" الرجعية" والإرتباطات الإقطاعية والعشائرية. لأنهم بمحاربتهم ومقاومتهم القومية والتعصب الديني, هذان التياران الفكريان اللذان توحدا ميلاً في المنطقة. وأضحت منبعاً رئيسياً للمعاناة والألام الأليمة لشعوب المنطقة.
أصبح الكرد بنموذجهم الديمقراطي وسيلة لتلبية إحتياجات دمقرطة المنطقة بالإستناد على قوة الشعب الديمقراطية وإدخال نهج الديمقراطية إلى الحياة، لا أن تصبح امتداداً أو إستمراراً لأية قوى ولا سيما الغريبة عن حقيقة شعوب المنطقة. ولذا فإن إظهار الشعب الكردي في غربي كردستان النهج الديمقراطي الشعبي للساحة، ووضعه شعوب الشرق الأوسط إلى الأمام, وظيفة تاريخية حمله الكرد على عاتقهم. وإلا فإنه من غير الممكن أن يغير منطقة الشرق الأوسط قدره الأسود بطرق أخرى.
من هذا المنطلق فإن فلسفة علم الوجود الذي يمثلها الكرد في شمال سوريا والقوة التحول الديمقراطية التي يملكها هؤلاء الكرد, تلعب دور طليعة لتغير وحل الأنظمة الاوليغارشية والأتوقراطية والتوقراطية, بنهج ثوري كهذا فقط من الممكن تجاوز ومحاكمة الترجيح الرجعي الذي تم وضعه أمام الشعوب المنطقة.
ولو فكرنا ونظرنا إلى هذا النهج من هذا المنظور, فلا يمكننا حينذاك إلا أن نؤكد أن الفكر الكردي بات مصدر إلهام حي لجميع الشعوب التي تعرفت على رؤيته. وهذا يجعل النهج الكردي و فلسفته في مواجهة ومنافسة صعبة مع النظام العالمي, ولا سيما أنه يشكل خطراً رئيسياً على مصالح القوى الدولية, مما دفعت هذه القوى بالتسارع إلى دعم حصانهم الطروادي في منطقة الشرق الأوسط, ألا وهو (الإحتلال التركي) في هجماته على مدينة عفرين السورية. لتحقق بدعمها عملية توزان بين القوى المتصارعة في سوريا, من جانب سيتسبب إنهاك الكرد وإشغالهم بالحرب مع تركيا عدم الإستقرار في سوريا عامة. والمحصلة إضعاف المجتمع الكردي الحر في شمال سوريا.
وكذا تحقق القوى الدولية من جانب أخر, بما تعطيه لتركيا من فرصة في التمدد في عفرين, هدف مهم وهو الإصرار الدولي على بقاء الأزمة السورية في المأزق وعدمية الحل. بالإضافة الحد من ظهور أفق حل سياسي ديمقراطي يمثل النسيج السوري وتنوعه من حيث التركيبة السكانية و العقائد الدينية,
فالتواجد التركي في سوريا سيؤدي دورًا في الحفاظ على توازن في الصراع. بهذا الشكل ستسارع القوى الدولية لإعادة اللعب على عنصر الوقت، لتمرير سياساتهم ومخططاتهم في المنطقة. وكله على حساب دماء الشعب السوري. فالنظام العالمي والقوى الدولية أمثال روسيا وأمريكا وفرنسا اللاعبين الرئيسيين في المشهد السوري, وتركيا جزء لا يتجزء من منظومتها البدائية المعقدة, تسعى لنفوذ في المنطقة والتنافس لإستعادة الزعامة العثمانية بالوسائل الإعلام التركية المستمدة قوتها من دوائر الحرب الخاصة التركية والنظرية الأردوغانية المبنية على معاداة الشعب الكردي و العربي.
ليست زعامة تركية بحتة. حالة بحث رجب طيب أروغان وجشعه عن سلطة لا حدود لها في العالم، حالة من بحث عن قصر ذو الألف غرفة والمزودة بالكراسي الذهبية, وحالة من المشاركة في القذارة والجريمة الدولية والإقليمية ضد المجتمع السوري.
وأخير لا يسعني إلا القول بأن الحرب التي تدار رحاها في موطن السلام عفرين تماماً كالحرب التي بين أهريمان المتمثل في شخص تركيا وأهورامازدا المتمثل في شخصية عفرين مدينة الزيتون، هذين الاثنين في صراع , (وفي نتيجة هذا الصراع سيكون المنتصر نور أهورامازد بشرط أن يشمل النضال ضد الفاشية التركية جميع مكونات الشعب السوري و الكرد في جميع أجزاء كردستان) حان الوقت ليحقق الشعب الكردي وحدته، حان الوقت كي يتخلص الكرد من الخناجر التي تطعن ظهورهم من الداخل والخارج, منذ أمد غابر, حان الوقت لوحدة الإرادة الكردية لدحر القوى الغاشمة والمحتلة من كردستان, إلى أن تنتصر أفكار أهورامازدا المعاصر.