عفرين في خضمّ المخطّطات التركيّة

"نحن أمام خيار وحيد لا غيره, ألا وهو المقاومة حتّى النصر, ولا شيء سوى النصر, إذ لا بديل عن تحرير عفرين من خلال كافة الوسائل الممكنة, السياسيّة والدبلوماسيّة منها أو العسكريّة, في الداخل والخارج, وهذا واجب يقع على عاتق الجميع دون استثناء".

قبل أيّامٍ قليلة, مرّت علينا الذِكرى الســنويّة الأولى لاحتلال عفرين من قبل الدولة التركيّة والفصائل الإرهابيّة الموالية لها, بعد مقاومة عظيمة امتدّت 58 يوماً أبدتها وحدات حماية الشعب والمرأة إلى جانب الشعب في مواجهة جيش مجهّز عسكريّاً وتقنيّاً بأحدث المعدّات, ناهيك عن 45 ألفاً من مسلّحي الفصائل المرتزقة, الذين زحفوا نحــو تِلك المدينة الجبلية أقصى شمالِ غربي سوريا.. عفرين المنطقة الهادئة الوديعة التي احتضنت مئات الآلاف من النازحين والمهجّرين من مناطق سوريّة متنوّعة فارّين من ويلات الحروب والدمار, حيث وجدوا فيها الراحة والأمن.

من خلال قراءة سريعة لمجريات الأحداث في عفرين, بعد احتلالها بشكل كامل في 18 آذار 2018, نجد أنّ السياسة التي تمارسها الدولة التركية ومرتزقة الفصائل هناك تكشف لنا الكثير من الحقائق التي لا يجب غضّ الطرف عنها بتاتاً, منها بداية عملية الاحتلال, الأهداف والمساعي التركيّة في شمال وشرق سوريا. فمن الخطأ القول بأنّ التخطيط لاحتلال عفرين بدأ في نهايات العام 2017 كما يحاول البعض فرض هذه النظرية, حيث أنّ الوقائع والأحداث تثبت أنّ الدولة التركية وضعت مخطّطها لاحتلال عفرين مع إنطلاقة الــثورة الســورية, خاصّة بعد دعمها وتسليحها لفصائل "الجيش السوريّ الحر".

مُخطط الدولة التُركية كان واضحاً منذ هجمات المجموعات المسلّحة على مدينة سـرى كانيه في نوفمبر 2012, ومِن ثم حِصار عفرين. ولأنّ الدولة التركيّة فشلت في فرض هيمنتها من خِلال أجهزتها المبُاشرة في سوريا, لجأت إلى تقديم المساعدة لتنظيم داعش الإرهابي عــام 2014, من خلال تسهيل مرور الجهاديين من كافة بِقاع العالم إلى سوريا عبر حدودها, سعياً مِنها لتسخيرهم مستقبلاً لأجل تنفيذ أجنداتها الخاصّة ومصالِحها القذرة.

ونظراً لأنّ كافة المخطّطات التركيّة في شمال سوريا باءت بالفشل, نتيجة للمقاومة التي أبداها الكرد منذ البدايات- رغم افتقارهم للخبرة والمعدّات- حاولت الدولة التركيّة فرض هيمنتها من خلال ورقة اللاجئين السوريّين, تلك الورقة التي استفزّت بها المجتمع الدولي, بخاصّة أوروبا. حيث بدأت باستخدام الورقة لأجل تحقيق أهدافها في السيطرة على الشمال السوري, بداية عبر طرح فكرة إنشاء منطقة "آمنة" في العام 2015, تلك التي لم تلق ترحيباً, لا أمريكيّاً ولا دوليّاً, وهكذا ظلّت الأوراق الثلاثة التي بيد تركيا "اللاجئون السوريّون, وكلاؤها في الداخل والتنظيمات الإرهابيّة" منتهية الصلاحيّة.

بإختصار يمكن القول بان إحتلال عفرين مخطط قذر, بذلت الدولة التركية جهودها لتنفيذه منذ بداية الثورة الســوريّة, خاصّةً بعد تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطيّة التي باتت "الفوبيا" التي تقضّ مضجع حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا, لطالما أنّ تطوّر هذه التجربة الديمقراطيّة يضيّق الخنِاق على مصالح الدولة التركية في سوريا, من حيث سعيها إلى فرض هيمنتها السياسيّة والعسكريّة على الأراضي السوريّة وتشكيل حاضنة إسلاموية مستقبلاً تديرها تركيا بمعدات داخلية ن صحّ التعبير.

 هذا مما جعل تركيا تتدخّل بشكل مباشر ضمن الأراضي السورية, بعد نفاذ صلاحيات أوراقها, بهدف احتلال عفرين, التي لطالما كانت عقبة أمام تشكيل بقعة للإرهابين في شمال سوريا, بعد احتلالها لمناطق أخرى كجرابلس, الباب وإعزاز.

اليوم وبعد مرور عام على الاحتلال التركي لمدينة عفرين, يتوجّب على كافة الشعب السوري بشكل عام, وابناء الشمال السوري على وجه الخصوص, الانتفاض ضدّ الاحتلال والوقوف في وجه مخطّطاته, والعمل على انهائه مهما كانت البدائل.

وهنا لا يمكن القول إلّا أنّنا أمام خيار وحيد لا غيره, ألا وهو المقاومة حتّى النصر, ولا شيء سوى النصر, إذ لا بديل عن تحرير عفرين من خلال كافة الوسائل الممكنة, السياسيّة والدبلوماسيّة منها أو العسكريّة, في الداخل والخارج, وهذا واجب يقع على عاتق الجميع دون استثناء.

*ابراهيم مراد: ممثّل الإدارة الذاتية الديمقراطيّة لشمال وشرق سوريا في ألمانيا