صفقة الصواريخ S400 هل هي ابتزاز تركي، أم تغيير استراتيجي؟

وصلت الدفعة الثانية من أجزاء المنظومة الصاروخية الروسيةS400 ، إلى قاعدة المرتد الجوية في أنقرة صباح يوم السبت 13 تموز، على الرغم من التحذيرات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية.

وفي حين تشهد العلاقات التركية الأمريكية تراجعاً طردياً منذ العام 2003م، على خلفية امتناع تركيا من المشاركة في التحالف الأمريكي البريطاني في حرب العراق ، لأسباب تتعلق بالأمن القومي التركي ومعارضتها لأي وجود كردي على حدودها، وسرعان ما اتسعت الهوة ما بين البلدين جراء سياسات حكومة العدالة والتنمية الداعمة لجماعات إخوان المسلمين.

بادرت روسيا من جهتها إلى الاستفادة من تدهور العلاقات الامريكية التركية، والسعي إلى كسب تركيا إلى جانبها وخاصة بعد استخدامها الدبلوماسية الروسية على خلفية اسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في العام 2015م ومقتل السفير الروسي في أنقرة في العام 2016م، وسرعان ما بادرت روسيا إلى عقد اتفاقات مع تركيا من أجل الامساك بزمام الأمور في سوريا، والسعي إلى إحداث خلخلة في المعسكر الأمريكي وتغيير استراتيجي في توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.

ويتضح جلياً في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الانقلاب المشكوك فيه ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدى ابتعاد تركيا عن الدول الغربية، وسعيها إلى عقد علاقات قوية مع روسيا في إطار المشروع الأوراسي ، ومن الجدير بالذكر تزامن استلام تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية في قاعدة مرتد وهي (كلمة دالة على الانقلاب) مع مرور الذكرى الثالثة للانقلاب الفاشل في تموز 2016م، في دلالة على التغيير الحاصل في السياسة التركية.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان لها أن "الشحنة الأولى من تجهيزات منظومة الصواريخ الروسية، بدأت في 12 تموز في قاعدة مرتد الجوية، وسيتم استكمال باقي أجزاء المنظومة في الأيام المقبلة" وفي إشارة إلى موعد تشغيل هذه المنظومة الروسية على الأراضي التركية، أفاد البيان " تشغيل المنظومة الدفاعية سيتم في الوقت الذي تحدده الجهة المعنية بعد الانتهاء من تجهيزها".

ومن الجانب الأمريكي، لطالما حذرت واشنطن تركيا من مغبة اتخاذ هكذا قرار والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وأخرى تتعلق بإيقاف مشاركة تركيا ببرنامج تصنيع الطائرة الأمريكية F35.

وفي ذات السياق صدرت دعوات من أعضاء بارزين في الكونغرس الأميركي إلى إلغاء تسليم شحنات F35 إلى تركيا ومطالبات بفرض عقوبات رادعة عن الصفقة مع روسيا.

حيث أشار رئيس لجنة القوات المسلحة جيم إنهوف ورئيس لجنة العلاقات الخارجية جيم ريش بمجلس الشيوخ الأمريكي، ونائباهما الديمقراطيان بوب مينيديز وجاك ريد ، على ضرورة تحميل تركيا مسؤولية الاخلال بمعايير حلف الشمال الأطلسي، والتعاون مع روسيا ، وأن تفضيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشراكة الروسية على حلف الناتو، وهذا سوف يكون على حساب أمن تركيا واقتصادها وتقدمها ، ولا يمكن أن تجمع تركيا بين الـ F35 الأمريكية مع S400 الروسية، ولذلك يجب اتخاذ قرار صارم من الإدارة الامريكية في موضوع إيقاف صفقة الطائرات الأمريكية، حال استمرار تركيا في صفقة الصواريخ الروسية.".

وقال إليوت إنجل ومايكل مكفول، العضوان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في بيان مشترك "لقد منحنا الرئيس أردوغان الخيار، وقد اتخذ قراراً خاطئا، أن يقوم حليف في الناتو باختيارِ التحالف مع روسيا على حساب الناتو ،هو أمر يصعب فهمه."

كما أجرى القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك اسبر اتصالاً هاتفياً مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بشأن الخطوة التصعيدية التي أقدمت عليها تركيا، حيث أفاد الأخير،" أن مسألة أمننا القومي فوق كل اعتبار، ونحن نتعرض لتهديد جدي، وشراء هذه المنظومة ليس خياراً بالنسبة لنا، بقدر ما هو شيء ضروري".

واشار خلوصي آكار إلى المنطقة الآمنة التي تعتزم تركيا إقامتها بالتعاون مع الولايات المتحدة، وقال " أن أنقرة جادة في اتخاذ خطوات لمواجهة أي تهديد على حدودها مع سوريا، وفقط تركيا بإمكانها إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية السورية."

كما تجاهلت تركيا جميع التحذيرات والتهديدات الأمريكية ، ودعت واشنطن إلى ضرورة تفهمها لقضية الأمن القومي التركي، وعدم الإقدام على أية خطوة من شأنها التسبب في ضرر بالعلاقات الثنائية بين البلدين.

ويفترض أن يتجه وفد أمريكي إلى أنقرة لبحث موضوع المنطقة الآمنة مع تركيا في الاسبوع القادم.

ومن جهة أخرى، أبدى مسؤولين عسكريين في حلف الناتو قلقهم من تسبب منظومة S400 في كشف الأسرار التقنية العسكرية للمقاتلة الأمريكية F35، والتأثير على منطقة عملياتها في الشرق الأوسط.

 

ومن جانبه أكد الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد، الذي حضر المنتدى الدولي حول داعش قبل أيام، نيكولاس هيراس "على أن استلام تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية يعتبر تغييراً في قواعد اللعبة في ما يخص الاستراتيجية الدفاعية الجوية لتركيا".

وأضاف في معرض حديثه قائلاً " تركيا تفتقر إلى منظومة دفاع جوي، لحماية أمنها الوطني وقد لجأت إلى هذه المنظومة التي تلبي احتياجاتها عندما لم تلقى البديل".

وفي ذات السياق كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أوضح في وقت سابق في قمة العشرين التي انعقدت في أوساكا اليابانية، بأن تركيا تعرضت لبعض الغبن في عهد أوباما، حيث أمتنعت الولايات المتحدة عن تسليم منظومة الصواريخ الأمريكية "باتريوت" مما يدفع ذلك تركيا إلى البحث عن البديل.

وأضاف "ليس سراً أن أردوغان يريد أن يجعل من تركيا قوة أوراسية، ما يفترض إيجاد توازن بين العلاقات مع روسيا والصين من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى". وتابع "ليس مؤكداً أن تبقى تركيا إلى ما لا نهاية في المعسكر الأميركي".

وفي سياق آخر عن العلاقات الروسية التركية، ذكر هيراس" أن تركيا تبحث عن استقلالية تجسد طموحاتها في إطار الاتحاد الأوراسي، وليس من المضمون أن تبقى تركيا في الحلف الأطلسي".

وفي ذات الإطار صرح الباحث نيكولاس دانفورث " أن شراء هذه المنظومة يعكس رغبة تركيا في الاستقلالية بسياستها الخارجية، وإعادة هيكلة علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعتقد القادة الأتراك بقدرة أنقرة على التصرف بهذا الحزم والصرامة وإرغام واشنطن على إبداء المزيد من المراعاة للمصالح التركية نظرا إلى أهمية تركيا الاستراتيجية".