وأدت تغريدة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون التي قال فيها إن "كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية. إن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصاً خلال الحرب العالمية الاولى، أودى بمئات الاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة"، أدت إلى استدعاء السفير التركي في بيروت، وسط هجوم حاد من انصار تركيا على الرئيس اللبناني.
انتقاد لبنان لحقبة الاحتلال العثماني بسلسلة تغريدات كتبها الرئيس اللبناني عبر حسابه في تويتر، ضمن خطابه بمناسبة ذكرى مئوية إعلان لبنان الكبير، الذي يصادف أول أيلول/ سبتمبر 1920، لم يمر على المسؤولين الاتراك الذين أصدروا بيانا شديد اللهجة عن وزارة الخارجية، ما قاله عون بأنه "مؤسف للغاية وغير مسؤول" وأشارت إلى أن هذه التصريحات تعد "مقاربة لا مسؤولة، ليس لها وزن في التاريخ"، مٌشددة على اعتزاز الجمهورية التركية بكونها وريثة "الإمبراطورية العثمانية". ومن المعلوم تاريخيا، وقوع فظائع وجرائم تاريخية على يد العثمانيين في لبنان بالاضافة لتسببهم في المجاعة التي شهدها لبنان قبل مائة عام، حينما وفرت السلطة العثمانية جميع ما لدى لبنان من حبوب وطعام للجنود الاتراك خلال الحرب العالمية الأولى تاركة البلد يعاني المجاعة.
وذكر تقرير بصحيفة "اندبندنت" البريطانية أنه بعد 100 عام على تفكك السلطنة العثمانية وإعلان دولة تركيا العلمانية ضمن حدودها الجغرافية المعروفة، تعود أحلام استعادة أمجاد السلطة العثمانية التي حكمت الشرق طيلة أربعة قرون للاستيقاظ من جديد، ويشير التدخل العلني للجيش التركي في أكثر من ميدان عربي من العراق وسوريا وصولاً إلى ليبيا، إضافة إلى دعم وتبني تنظيم "الإخوان المسلمين" كأيديولوجيا سياسية دينية، تمهد للتغلغل البطيء داخل العالم العربي والإسلامي.
ويرى التقرير المنشور بالنسخة العربية للصحيفة اللندنية، إنه منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 بدأ التسلل التركي إلى الميدان السوري واضحاً من خلال دعم بعض المجموعات وفصائل إسلامية ولا سيما في محافظات الشمال تحت ذريعة حماية الأمن القومي، و"منع قيام دولة كردية اتحادية تضم كرد العراق وسوريا وتتمدد نحو كرد تركيا".
وفي السياق نفسه تتداول أوساط سياسية معلومات عن سعي تركيا للتدخل في لبنان مثلما فعلت في سوريا والعراق وليبيا واليمن وقطر والصومال، وتستثمر في ذلك المكوّن السّنيّ المتمثل بجماعة "الإخوان المسلمين" والأقليّة التّركمانيّة. وأن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان حالياً قد تكون أرضية خصبة لهذا التمدد ولاسيما انطلاقاً من ساحة شمال لبنان عامة ومدينة طرابلس خاصة.
ووفق المعلومات فإن المفارقة الوحيدة بين لبنان والدول الأخرى أنه لا يرتكز على جماعة الإخوان إنما من ضمن مجموعات منضوية في إطار الانتفاضة الشعبية وبعض الشخصيات السياسية والدينية الفاعلة.
ونقلت صحيفة "اندبندنت عربية" مصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن أحد أبرز أهداف الاندفاعة الفرنسية تجاه لبنان هو تطويق النفوذ التركي المتمادي في الشرق الأوسط خصوصاً أنه بات يصطدم بالمصالح الفرنسية في شمال أفريقيا ولا سيما ليبيا ولبنان، مؤكدة أن فرنسا تؤيد سياسة حياد لبنان بدلاً من تقاسمه بين هيمنة إيرانية وتغلغل تركي مستجد، حيث أن تقارير عديدة تشير إلى تنسيق إيراني تركي ونية لتقاسم النفوذ بينهما.
وتلفت المصادر إلى أن توسع تركيا خارج حدودها بات يهدد الاستقرار في المنطقة وهو لا ينسحب على المنطقة العربية فحسب إنما تداعيات التوتر بدأت تظهر من إقليم "ناغورني كاراباخ" المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان وصولاً إلى الحدود اليونانية وجزيرة قبرص، مؤكدة ضرورة التحرك السريع من قبل الاتحاد الأوروبي وأن فرنسا ستعمل على ذلك.
وتتخوف المصادر الفرنسية أن يكون الدخول التركي إلى شمال لبنان بضوء أخضر أمريكي بهدف إحداث توازن إقليمي بين التواجد الروسي على الساحل السوري، مقابل حضور تركي نشط على الساحل اللبناني الشمالي، معتبرة أن هكذا توجه قد يعرض وحدة الأراضي اللبنانية للخطر.
وذكر التقرير الذي أعده الصحفي اللبناني طوني بولس أن التغلغل التركي في لبنان يرتكز إلى استغلال "حالة الإحباط السني"، ونقل التقرير عن القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، أن السعي التركي لتوسيع دائرة الوجود مع بعض النفوذ ليس بجديد، ويقول "منذ عقدين بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التواصل مع تجمعات ذات أصول تركمانية في عكار"، ويضيف أن طرابلس بالذات لا تزال تحمل بعض الذكريات العثمانية في تاريخها ولكن ما يحدث اليوم هو أن الفراغ الذي أحدثه غياب العرب الفاعل عن الوجود في الساحة السنية فتح الباب أمام اللاعبين على المستوى المذهبي للإيحاء بأنهم البديل الراعي وهذا ما دفع البعض للاستفادة من الاندفاعة التركية نحو توسيع النفوذ على مستوى البحر المتوسط".
ويرى علوش أن المؤكد هو أن مناطق السنة في لبنان تعيش فراغاً سياسياً مع يأس مستوطن ما يجعل الوضع جاهزاً للاستعمال، مضيفاً "طرابلس والشمال يمكنهما أن يشكلا حاضنة لهذا المشروع لكن ما بذل حتى الان قليل جداً بالمقارنة مع حجم مشروع من هذا النوع.
ولم يتوقف السجال حول التدخل التركي في لبنان عند الساحة الاعلامية، إذ برز في الأيام الماضية حديث لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن وجود دور نشط للأتراك في لبنان، ووجه اتهامات لبعض الأجهزة الأمنية اللبنانية من ضمنها قائد الجيش جوزيف عون، بالتواطؤ لتسهيل التمدد التركي باتجاه شمال لبنان.
ورد النائب السابق خالد الضاهر على الاتهامات التي يوجهها أركان "العهد" عن وجود دور أمني للأتراك في الشمال معتبراً أن هذا الكلام يستهدف الطائفة السنية، مؤكداً أن المناطق السنية بكاملها تحت سلطة الدولة والجيش وهي على عكس المناطق الشيعية التي يسيطر عليها "حزب الله" وتغيب الدولة عنها.
ويرى الباحث والمتخصص في الشؤون التركية خورشيد دلي، إن هناك زيادة في الأشخاص الذين باتوا يعتبرون أنفسهم أنصاراً لتركيا في لبنان والذين أصبحوا يخرجون إلى العلن في الشوارع ويؤيدون السياسة التركية، مؤكداً أن "مثل هذا الدعم يحظى برعاية رسمية من السفارة التركية في لبنان والحكومة التركية".
وبالاضافة لاستهدافها مزاحمة الدور العربي في تركيا، يقول الباحث إن "هدف تركيا في لبنان هو السعي لأن تتحول إلى دولة تؤثر في السياسة الداخلية أي بمعنى أن تكون لها جماعات سياسية تتبعها وتجعل منها مرجعية، وتركيا في هذا الامر تعتمد على جماعات الإسلام السياسي ولا سيما تيارات الإخوانية، ليكون هدفها إعادة دور التركي بشكله الجديد أي كما يقال العثمانية الجديدة".
وتابع "أما الهدف الثاني فله بعد اقتصادي وهو أن تركيا الآن في صراع على الطاقة والغاز والنفط في المتوسط، هناك محاور اقليمية تتشكل، واعتقد ان أحد اهدافها الاساسية هو الوصول إلى مثل هذه التحالفات مع لبنان كي يدخل معها في الصراعات القائمة على الطاقة في المتوسط".