صحيفة بريطانية تكشف تورط أحد الأئمة الأستراليين مع مستشارين لأردوغان في تهريب أسحلة ومقاتلين الى سوريا وليبيا

كشف محمد فهمى رئيس تحرير صحيفة " ذا انفستيجيتيف جورنال - تى آي جيه " البريطانية عن إطلاق النسخة العربية من تى أى جيه لتستكمل رحلتها فى الكشف عن جرائم تركيا وأفعال أردوغان، وفى أول تقاريرها يرصد الصحفي كريس راي تفاصيل عملية تهريب الأسلحة في سوريا.

سافر آلاف المواطنين الغربيين إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، غالبا في انتهاك صريح لقوانين بلادهم فيما يخص المقاتلين الأجانب. وفي الآونة الأخيرة، جرى تسليط الضوء على منتسبي "داعش" الذين ينتظرون مصيرهم بعد انهيار دولة الخلافة. وهناك آخرون ممن خالفوا القوانين من خلال المساهمة في النزاع بعيدًا عن ساحة المعركة، لكن تلك الفئة لم يلتفت اليها الكثيرون، وربما لم يعلم بها أحد على الإطلاق، مثل الاسترالي فداء مجذوب.

ثمة لاعب رئيسي ومثير للمشاكل في الدراما السورية نسيه الجميع تقريبًا حتى العام  الجاري، إلى أن ظهر على السطح مجددا إثر نشر تقرير ناري للشرطة التركية يربط بين كبار المسؤولين في إدارة أردوغان وشبكة تهريب الأسلحة برئاسة أحد عناصر تنظيم "القاعدة".

جرى إعداد تقرير الشرطة عام 2012 ونشره مرصد "نورديك مونيتور" ومقره ستوكهولم في يناير (كانون الثاني) ويزعم أن الشبكة قامت بتمرير أسلحة من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا.

ويزعم التقرير أن فداء مجذوب، الذي لم تحدد هويته، كان عضوًا في الشبكة وكان على اتصال باثنين من كبار مستشاري أردوغان.

فداء مجذوب اسم غير شائع ولم يحدد تقرير الشرطة ولا "نورديك مونيتور" جنسيته أو أدواره خارج شبكة الأسلحة المزعومة. وأمكن لصحيفة "ذا انفيستجيتيف جورنال (تي آي جيه)" أن تكشف أن فداء مجذوب إمام أسترالي بارز عمل كمحاضر جامعي في سيدني قبل أن يصبح المتحدث الرسمي باسم "المجلس الوطني السوري"، وهي جبهة سياسية متمردة مقرها تركيا.

تشير ادعاءات الشرطة ضد الدكتور مجذوب، إلى أن  "المجلس الوطني السوري" المفترض أنه معتدل، عمل مع عناصر "القاعدة"، كما تشير المزاعم إلى أن "المجلس الوطني السوري" ربما كان بمثابة جسر بين شبكة القاعدة وكبار المسؤولين الأتراك.

اليوم يعيش الدكتور مجذوب في اسطنبول كمحاضر رفيع المستوى في كلية اللاهوت في جامعة مرمرة، حيث تواصلت معه صحيفة "تي آي جيه". في مقابلتنا عبر البريد الإلكتروني وتطبيق "واتساب"، نفى مجذوب أن يكون متورطا في تهريب الأسلحة. ويعتبر الوحيد الذي وردت تصريحاته في تقرير الشرطة من بين الأشخاص الأربعة عشرة المذكورين في التقرير.

قبل عشر سنوات، كان الدكتور مجذوب، الذي ولد وتعلم في سوريا، إماماً رفيع المستوى، ويعد واحداً من أبرز علماء المسلمين في أستراليا. وعمل كذلك محاضرا مساعدًا في الدراسات الإسلامية في جامعة "تشارلز ستورت"، وعين كواعظ في السجن، وهو العمل الذي يتطلب مصداقية كبيرة.

عُرف الدكتور مجذوب، الذي ببلغ من العمر حاليا 51 عامًا، بأنه مؤيد للحوار بين الأديان وبأنه "بنى جسور للتواصل" مع الشرطة المحلية. كان عضوًا في مجلس الفتوى في مجلس الأئمة الوطني الأسترالي - الذي يصدر مبادئ توجيهية خاصة بالشريعة الإسلامية - وكان لديه فقرة منتظمة في الإذاعة الإسلامية تتناول "القضايا والتحديات المعاصرة التي تواجه المسلمين في أستراليا".

ومع ذلك كان تناغم الدكتور مجذوب وسط المجتمع الأسترالي المعاصر موضع تساؤل. فعلى الرغم من أن عائلته انتقلت إلى أستراليا عام 1985 عندما كان مراهقًا، فقد أمضى بعد ذلك حوالي 15 عامًا في الدراسة والتدريس في الجامعات الإسلامية في مصر والهند وسوريا.

كان مجذوب يسير على خطى والده حسن الذي تلقى تعليمه في المملكة العربية السعودية قبل أن يعمل إمامًا في منطقة اللاذقية غرب سوريا، مسقط رأس الدكتور مجذوب.

بعد عودته إلى أستراليا، عاش الدكتور مجذوب وعمل في ضواحي سيدني الغربية، التي تضم أكبر تجمع من المهاجرين المسلمين في استراليا، ولا تزال لغته الإنجليزية أقل من أن توصف بالطلاقة.

قد تكون دراساته الدينية الأجنبية قد زودته بالمعرفة ومكنته من الدعوة في مساجد أستراليا، لكنه بدا أحيانًا بعيدا عن القيم الأسترالية: ففي عام 2009، وصف تاجر مخدرات وعضو في عصابة في سيدني متورطً في سرقة قاذفات صواريخ عسكرية بـ"أب، وزوج، ومواطن صالح".

في عام 2011، عندما سقطت سوريا في حالة من الفوضى والحرب، انتقل الدكتور مجذوب إلى تركيا التي كانت في سبيلها للتحول إلى قاعدة دعم للتمرد ضد الرئيس بشار الأسد. وسرعان ما برز الدكتور مجذوب كمتحدث باسم "المجلس الوطني السوري" الذي ضم مؤيدوه الأجانب الأقوياء في البداية وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وأمير قطر.

كما دعم أردوغان علنا "المجلس الوطني السوري"، في حين قدم الدعم السري للقوات المرتبطة بـ"القاعدة"، ولاحقا "داعش". كما اشتكى نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن من أن السلطات التركية أرسلت الأموال والأسلحة "لأي شخص يقاتل ضد الأسد".

على الرغم من أن "المجلس الوطني السوري" قدم نفسه على أنه الوجه المعتدل للانتفاضة السورية، إلا أن المجلس يضم مكونا إسلاميا قويا بما في ذلك الإخوان المسلمون السوريون. عمل "المجلس الوطني السوري" كجبهة سياسية لما يسمى بالجيش السوري الحر - وهو اسم أطلق على شبكة فضفاضة من الجماعات المسلحة بدون هيكل قيادة موحد.

تنقل الدكتور مجذوب بين منزله في اسطنبول وقواعد المتمردين في شمال سوريا ومؤتمرات السلام في عواصم أوروبا. وبصفته العضو الأسترالي الوحيد في "المجلس الوطني الانتقالي"، فقد تحدث في مسيرات مناهضة للأسد في سيدني وملبورن، حيث كان كثيرون يتوقعون الإطاحة الوشيكة بالرئيس السوري.

وذكر مراسل "سيدني مورنينج هيرالد" الذي التقى بالدكتور مجذوب في شمال سوريا عام 2012 أنه كان زائرًا منتظمًا للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون. ويقال إنه تعامل بوصفه ممثل لـ"لمجلس الوطني السوري" لدي وحدات الجيش السوري الحر، وأنه سهل سير المحادثات بين الجماعات المتمردة.

لكن بحلول نهاية عام 2014، ظل الأسد راسخًا بقوة، وكان المجلس الوطني السوري متفرقًا غير ذي صلة بالنضال، واختفى الدكتور مجذوب من التغطية الإخبارية للحرب.

مزاعم مزعجة

يقال إن تقرير الشرطة التركية الذي أزال الغموض عن الدكتور مجذوب – وطعن في سمعته كمعتدل – كان من إعداد ضباط بإدارة المخابرات بالشرطة الوطنية التركية.

صدر التقرير بتاريخ 26 سبتمبر (أيلول) 2012 وتضمن مرفقات مشفرة أعدتها على ما يبدو وكالة المخابرات الوطنية التركية بتاريخ 6 أغسطس (أب) 2012.

وذكر الدكتور مجذوب لكاتب هذا المقال في فبراير (شباط) أنه "ينفي تماما" أي تورط في تهريب الأسلحة "إلى سوريا، أو لأي مكان آخر"، ووصف محتويات التقرير (التركي) بأنها "أكاذيب وتلفيق". ومن المعروف أن قانون العقوبات الأسترالي يحظر توريد الأسلحة أو بيعها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا منذ عام 2011.

أعطى الدكتور أحمد يايلا، مدير مركز الأمن الداخلي في جامعة "ديساليس" في بنسلفانيا، وعضو هيئة التدريس بجامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة، كاتب هذا المقال نسخة من تقرير الشرطة ليعزز مصداقيته.

وعمل الدكتور يايلا على مدار 20 عامًا في إدارة الشرطة الوطنية التركية لمكافحة الإرهاب والعمليات المرتبطة به، وكان رئيسًا لمكافحة الإرهاب في مقاطعة سانليورفا التركية المتاخمة لسوريا بين عامي 2010 و 2013. واستقال من عمله بالشرطة عام 2014 بسبب تسهيل إدارة أردوغان لما يسمى "الطريق السريع الجهادي" عبر مدينة "سانليورفا" التركية، إلى سوريا.

استشهد الدكتور يايلا بتقرير الشرطة لإعداد دراسة صدرت في مايو (أيار) 2019 عن هيئة الاغاثة الانسانية الخيرية، وأفاد بأنه حصل عليها من ضابط شرطة تركي سابق موثوق، وأكد "انها حقيقية بكل تأكيد".

استطرد الدكتور يايلا أن الوثيقة التي قدمت إليه قد جرى تداولها لإبلاغ الشرطة ومساعدتها في تحرياتها. وتضمنت الوثيقة تسجيلات للتنصت حيث استندت إلى عمليات تنصت ورسم خرائط للاتصالات الهاتفية "التي سمحت للشرطة بعمل تسلسل هرمي لمن يتصل بمن".

وتضمن التقرير مخطط علاقة تربط الدكتور مجذوب وأربعة رجال آخرين بالمواطن الليبي عبد العظيم علي موسى بن علي. ويوصف "بن علي" بأنه متورط في مخطط لتنظيم "القاعدة" في العراق - سلف داعش - لنقل الأسلحة من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا. وادعت الوثيقة أن "بن علي" كان "على تواصل" بالجيش السوري الحر.

تضمن الجدول التنظيمي الأدوار المزعومة وأرقام هواتف أعضاء الجماعة، ووصف دور الدكتور مجذوب بأنه "مورد للأسلحة" وأدرج رقم هاتفه المحمول التركي، وهو نفس رقم الهاتف الذي استخدمه الدكتور مجذوب للإجابة، عبر تطبيق "واتساب"، على أسئلة كاتب هذا المقال.

كذلك زعمت الوثيقة أن الدكتور مجذوب كان على اتصال أيضا مع علي موسى عبد الله الجبوري "الذي كان يستعد لإرسال أسلحة إلى المعارضة في سوريا".

إنكار الدكتور مجذوب

ذكر الدكتور مجذوب لكاتب هذا المقال أنه لم يتواصل مع "بن علي" أو "الجبوري" أو أي شخص آخر على صلة بمجموعة "بن علي"، وأنه أنه يعتقد أنه ورد اسمه في تقرير الشرطة لأنه "شخصية عامة معروفة" في المعارضة السورية، ولديه "اتصالات واسعة".

ومع ذلك، ومما يضعف هذا الجدل هو أن التقرير لا يشير إلى الهوية الأسترالية للدكتور مجذوب، أو إلى صلته بالمجلس الوطني السوري. ولم يعرض سوى اسمه ورقم هاتفه فقط.

وقال الدكتور مجذوب إنه يعتقد أن تقرير الشرطة ظهر الآن فقط بسبب "تورط الحكومة التركية الحالي في الصراع الليبي". فقد أرسلت تركيا بمرتزقة سوريين وبقواتها للقتال في الحرب الأهلية الليبية.

أخبر الدكتور مجذوب كاتب المقال أنه قد جرى "استضافته والترحيب به" بوصفه ممثل للمجلس الوطني السوري، من قبل المجلس الانتقالي الوطني الليبي - حكومة الأمر الواقع الليبية قصيرة الأجل - عام 2012. ولم يرد مجذوب على أسئلة بشأن رحلته إلى ليبيا، لكنه قال إن المقاتلين الاجانب والأيديولوجيات أثبتوا أنهم "آلة تدمير  للثورة السورية في مواجهة ديكتاتورية الأسد. هذا هو اعتقادي، وهذا ما كنت أحذر منه (المسؤولين عن) الثورة السورية".

كما لم يرد الدكتور مجذوب على أسئلة حول دقة رسم بياني منفصل في تقرير الشرطة يظهر ثمانية رجال زعم التقرير أنهم على اتصال به. كان من بينهم نائب قائد الجيش السوري الحر مالك كردي وكبار المسؤولين في "هيئة الاغاثة الانسانية" الخيرية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي أفادت التقارير أنها ساعدت في نقل أسلحة من ليبيا إلى سوريا عام 2012.

كما تضمنت قائمة اتصال الدكتور مجذوب كلا من إبراهيم كالين، وسيفر توران، وهما كبار مستشاري رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، قبل أن يصبح  رئيسًا لتركيا منذ أواخر عام 2014. كالين هو المتحدث الرسمي الرئاسي وتوران هو كبير مستشاري أردوغان.

يصف عبد الله بوزكورت، مؤلف كتاب "نورديك مونيتور"، سيفر توران، بأنه مؤيد "راديكالي جداً" للإخوان المسلمين. وذكر بوزكورت في تصريح لـ"تي آي جيه" أن سيفر "يتحدث العربية بطلاقة كبيرة وكان الشخصية الرئيسية في تنسيق حركة المرور بين أردوغان والمجموعات العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط"، وأنه "شخصية مهمة".

كذلك جادل الدكتور مجذوب بأن أجزاء من التقرير كانت بلا معنى. وتساءل في رسالة عبر البريد الإلكتروني قائلا، "هل سيعمل جهاز الاستخبارات التركي - وهي هيئة ذات ولاء كبير للرئيس أردوغان - ضد الرئيس ومستشاريه وتتجسس عليهم إلى حد تجريمهم؟ هل ستطلق النار على نفسها؟"

في الواقع، ورد اسم مستشاري أردوغان على أنهم جهات اتصال الدكتور مجذوب في تقرير الشرطة، وليس في مرفقات جهاز الاستخبارات التركي. وأوضح الدكتور يايلا أن جهاز الاستخبارات التركي يزود الشرطة في بعض الأحيان بتفاصيل عن "حركات الأسلحة والأنشطة الإرهابية الأخرى، حتى لو اعتبرها جهاز الاستخبارات  ودية، والسبب هو أن جهاز الاستخبارات سيتعرض للمساءلة إذا لم يبلغ عن تلك المعلومات الاستخبارية".

كما أشار الدكتور يايلا إلى أن أردوغان لم يعزز سيطرته الشخصية على قوة الشرطة الوطنية حتى أواخر عام 2014، وهو تاريخ التطهير والتخلص من كبار ضباط الإدارات الرئيسية بما في ذلك المخابرات ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وقال الدكتور يايلا إن المزاعم التي وردت في تقرير الشرطة بأن شخصيات القاعدة "على تواصل" مع  الجيش السوري الحر، كانت ذات مصداقية. وأضاف أن "الجيش السوري الحر كان كبير العدد، وغير منظم بشكل جيد، ولم يتلق أي تدريب". وعندما ظهر تنظيم القاعدة في المنطقة كان يملك الانضباط والمعرفة، وكان أفراده منظمين بشكل جيد للغاية. لذا كان من السهل عليهم التسلل إلى الجيش السوري الحر واستغلاله".

ربما ليس بهذا الاعتدال

بالإضافة إلى عضويته في "المجلس الوطني السوري"، كان الدكتور مجذوب المتحدث باسم "المجلس الإسلامي السوري" عند تشكيله عام 2014، وكان الهدف أن يصبح (المجلس الإسلامي) المرجع الديني السني للمعارضة المنقسمة في مواجهة الأسد. وبعد أربع سنوات، في مارس (أذار) 2018، أصدر "المجلس الإسلامي السوري" فتوى أو مرسومًا دينيًا يبرر قتل المقاتلين الكرد على يد الجهاديين المدعومين من تركيا. فقد ارتكبوا فظائع عندما غزوا عفرين في مارس (أذار) 2018.

وقال الدكتور مجذوب لكاتب المقال إنه لم يعد يشغل منصب المتحدث الرسمي للمجلس الاسلامي السوري. وقام بإيصال رسالة في 2019 من مسؤول في "مجلس الكنائس العالمي" هو السيد ميشيل نصير، يشيد فيها بدوره (مجذوب) في بناء "الحوار والتعاون" بين المسلمين والمسيحيين السوريين "الذين يتشاركون قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان".

ومع ذلك، فقد ظهر الدكتور مجذوب في العديد من الأحداث المثيرة للجدل بعد أن علق أمالا عريضة على المعارضة السورية عام 2011.

كذلك اتهم مجذوب السلطات الأسترالية بتعريض أمن اتصالاته للخطر داخل سوريا وخارجها عندما فتشته واستجوبته هو وشقيقه الشيخ مصطفى في مطار سيدني مرتين في 2012. أصبح مصطفى أول أسترالي معروف يُقتل في الصراع في شمال سوريا في أغسطس (اب) 2012، وسار الدكتور مجذوب في مقدمة جنازته.

قُتل الشيخ مصطفى في هجوم صاروخي أثناء قيامه "بأعمال إنسانية وخيرية"، بحسب عائلته ومتحدث باسم الجالية الإسلامية الأسترالية. ومع ذلك، تشير التصريحات والمشاركات على فيسبوك، من قبل أنصار المتمردين والشيخ مصطفى نفسه، إلى أنه ربما مات في القتال. فقد كان بالفعل "تحت أعين الأجهزة الأمنية كواعظ متطرف" وكان "مُجَنَّدًا قويًا للثورة السورية".

على الرغم من أنه ولد في المملكة العربية السعودية، حيث درس، كان والده حسن يُدرس الشريعة الإسلامية، فقد كان الشيخ مصطفى يتحدث الإنجليزية بشكل أفضل وبدا أكثر دراية بالثقافة السائدة في أستراليا من أخيه الأكبر. وصف الزملاء مصطفى بأنه معلم "محترم للغاية ومحبوب للغاية" في مدرسة سيدني الإسلامية.

ومع ذلك، قال حسن مجذوب في خطاب ألقاه في حفل تأبين ابنه في سيدني إن "حب مصطفي للجهاد" يرجع إلى الوقت الذي قضياه معًا في باكستان وأفغانستان.

تصف بعض محاضرات الشيخ مصطفى الأسترالية التي تم نشرها على موقع "يوتيوب" الصراع السوري بعبارات طائفية بحتة، مؤكدة أنه لا يجوز لغير المسلمين (إشارة إلى النظام العلماني في سوريا) أن يحكموا المسلمين. وفي منشور حماسي من سوريا ، قال "الله أكبر.. الله أكبر، لقد تم القبض على 72 من الشبيحة (مؤيدي العلويين الموالين للأسد) في جبل الأكراد في اللاذقية.. هنا". سأل أحد متابعيه على فيسبوك: "هل تم ذبحهم بعد؟"

في ديسمبر (كانون ثاني) 2013، اتهم وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، الدكتور مجذوب بالتورط في اختطاف نساء وأطفال خلال مذبحة قام بها المتمردون ضد المدنيين في اللاذقية قبل أربعة أشهر. وتوصلت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن المتمردين قتلوا ما لا يقل عن 190 مدنياً واحتجزوا أكثر من 200 - معظمهم من النساء والأطفال - كرهائن في "هجوم منسق ومخطط على السكان المدنيين" في قرى غير محمية يسكنها أفراد من الأقلية العلوية. وانطلق الهجوم من بلدة سلمى بالقرب من الحدود التركية حيث قتل مصطفى مجذوب في العام السابق.

وزعم الزعبي أن الحكومة الأسترالية كانت "على دراية تامة" بدور الدكتور مجذوب في الحادث لكنها "غضت الطرف ولم تفعل شيئاً حيال ذلك. هذا الرجل موجود الآن في أوروبا ويعمل في أوروبا، ولم تفعل أي من الحكومات الأوروبية أي شيء حيال ذلك". قد يكون في ذلك إشارة إلى حضور الدكتور مجذوب في باريس ولندن استعدادًا لمؤتمر السلام "جنيف 2" الذي جرى تعليقه مؤخرا والذي تدعمه الأمم المتحدة بشأن سوريا.

لم يقدم الزعبي أي دليل على تورط الدكتور مجذوب باستثناء الإشارة إلى استخدامه المزعوم لشبكات الهاتف الأسترالية خلال هجوم اللاذقية. ونفى الدكتور مجذوب أن يكون متورطا في ذلك. وذكر عنوان لإحدى الصحف أنه كان "الإمام الاسترالي المحترم الذي لطخه نظام الأسد".

ومع ذلك، بعد 17 شهرًا من المجزرة، ظهر الدكتور مجذوب كمفاوض بين الحكومة السورية والمتمردين الذين ما زالوا يحتجزون معظم النساء والأطفال المختطفين. وقال موقع "زمان الوصل" الإخباري المؤيد للمعارضة إن دكتور مجذوب قد "قبله المتمردون لإنهاء المأساة الإنسانية" عن طريق التفاوض على تبادل الأسرى.

كما ظهر الدكتور مجذوب في وسائل الإعلام إثر هجوم على بلدة "كساب" ذات الأغلبية الأرمينية في شمال سوريا في مارس (أذار) 2014. وكان فرع لتنظيم "القاعدة" من بين الجماعات المتمردة التي هاجمت البلدة وأحرقت كنائسها.

 ووفقا لصحيفة "ديلي صباح" التركية التي تسيطر عليها الحكومة والتي تعاطفت مع المتمردين السوريين، فقد نظم الدكتور مجذوب عملية "إخلاء" (أطلقت عليها مجموعة أرمينية اسم اختطاف) لمجموعة من كبار السن من الأرمن من قباب إلى تركيا، حيث ظهروا في دعاية الحكومة التركية.

ونقلت الصحيفة عن الدكتور مجذوب قوله "لقد استولينا على المدينة كجزء من استراتيجيتنا الحربية.. لقد ساعدنا كبار السن وأرسلناهم إلى تركيا"، ولم يستجب الدكتور مجذوب عندما سأله معد هذا التحقيق الصحفي عما إذا كان حديثه قد اقتبس بدقة.

إن تأكيد أن الدكتور مجذوب هو الشخص الذي ذكرته الشرطة التركية هو تطور كبير في قصة تتكشف عن تهريب الأسلحة من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا. إن ذلك   يوسع مزاعم التورط خارج نطاق المتطرفين المرتبطين بالقاعدة ليشمل الجناح "المعتدل" للتمرد السوري – ويزعم وجود تواطؤ بين المعسكرين.

وأكد الدكتور مجذوب لصحيفة "تي آي جيه" أنه سافر إلى ليبيا لكنه لم يُجب على أسئلة حول أنشطته هناك. ونفى تورطه في تهريب الأسلحة أو في التعاون مع جماعة "بن علي".

كان الدكتور مجذوب هو الشخص الوحيد الذي ورد اسمه في تقرير الشرطة باعتباره يلعب دورًا في مجموعة "بن علي"، بينما كان على اتصال أيضًا بالأعضاء المؤثرين في إدارة أردوغان. يبدو أن الشرطة كانت تراقب مكالماته الهاتفية مع مساعدي أردوغان. إذا لم يكن نقل أسلحة، فماذا ناقشوا إذن؟

تعيد هذه التطورات إحياء الأسئلة السابقة حول الدكتور مجذوب وعلاقة "المجلس الوطني السوري" بقوات المتمردين الذين ارتكبوا فظائع ضد المدنيين العلويين والأرمن وغيرها من الجرائم بدعم من تركيا عبر الحدود.

ونظرا لتورط السلطات التركية في كل هذه الأحداث، فمن غير المحتمل أن يُطلب من الدكتور مجذوب تفسير دوره، على  الأقل  في الفترة القادمة.