سقطة "أردوغان" تكشف عن هدفه الحقيقي من شمال سوريا

الجميع يعي هدف أردوغان من شمال سوريا، لكنه ولأول مرة يعلن شيئاً من هذا الهدف، فقد أصبح يتحين الفرص من أجل القضاء على مشروع الادارة الذاتية وقواتها العسكرية التي تستمر في دحر داعش  في شمال سوريا التي دافعت عن المنطقة من السقوط في فخّ الإرهاب والاحتلال.

رغم المشهد التمثيلي الواضح الذي اتبعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في رفضه لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي يبحث مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين سبل التحرك في إطار سحب القوات الأمريكية من سوريا، سقط أردوغان في فخّ عبثه ليعلن وبصورة مباشرة أن هدفه من التدخل القادم في سوريا بعد خروج القوات الأمريكية هو القضاء على "وحدات حماية الشعب".

والحقيقة إن أردوغان يريد بتحرّكه القضاء على الكرد وإنهاء أيّ أمل في تواجد قوي للكرد في الشمال السوري وما يسمح لهم التأثير من خلاله وبقوه في اعادة تشكيل نظام ديمقراطي في سوريا.

الإرهاب في منطق أردوغان

أردوغان في حديثه الاستباقي لإعلان رفضه للقاء جون بولتون خرج ليقول: "لقد أكملنا استعداداتنا العسكرية، نحن مصممون على اتخاذ خطوات بشأن وحدات حماية الشعب. سوف نتحرك قريباً للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا".

كلّ المشاهد السابقة لذلك تؤكد أنّ أردوغان لم يعمل على القضاء على داعش بأي صورة وأنّ التدخل العسكري التركي السافر في العراق وسوريا كان غرضه الأساسي استهداف الكرد، وليس هذا فحسب، لكن هناك العديد من الشواهد التي تؤكد على أنّه كان أحد أبرز الداعمين للتنظيم الإرهابي الذي بدأ يلتقط أنفاسه مؤخراً في المواجهة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية مع التنظيم في حملة عاصفة الجزيرة الأخيرة "معركة دحر الإرهاب"، بعد إعلان تصعيد أردوغان وإعلانه عن حملته العسكرية شرق الفرات، وكأنه كان يسعى لمنح التنظيم قبلة الحياة قبل خطوات من القضاء عليه.

هذه المرحلة هي الأعقد وهي في الوقت نفسه التي يتشكل فيها مستقبل المنطقة ككل، وأردوغان يعي مجمل المحددات والمتغيرات الراهنة لذا فهو منذ قرابة العام، بدأ تحركه في سوريا تجاه عفرين ولن يتوقف عن مواصلة مسيرته، لكنه في الوقت نفسه يبحث عن أرضية دولية تبيح له تحركاته.

والواضح أن أردوغان كان من أوائل الذين رحبوا بقرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وربما كان سبباً في هذا القرار الذي جاء رغماً عن البنتاغون والقادة العسكريين في الولايات المتحدة الذين وضعوا في أزمة كبرى من منطلق أن السلطات الفعلية في الولايات المتحدة ذات النظام الرئاسي في يد الرئيس وهو الذي في يده كل خيوط هذه المسألة، فدونالد ترامب لا يتخذ قرار الحرب، لكن لا شيء في الدستور ولا القانون يمتعه من سحب القوات، ويبدو أن عقلية رجل الأعمال كانت السبب في القرار الذي وبعد عشرين يوماً بدى تراجعه عن مسألة الفورية التي كان يتعامل بها في الساعات الأولى من اتخاذ القرار.

أردوغان يخاطب الشعب الأمريكي

مناورة أردوغان التمثيلية تجاه سوريا لابد أن تصل بطريقة أو أخرى للشعب الأمريكي الذي سمع وزير خارجيته يقول إن الولايات المتحدة لن تسمح لتركيا بذبح الكرد، وحديث أعضاء الإدارة الأمريكية البارزين عن وضع الكرد ودور الولايات المتحدة في تقديم الدعم للحلفاء كان لابد معها من توجهه إلى الشعب الأمريكي لتطمينه من أمر آخر مختلف وهو خاص بمقدرة تركيا على هزيمة داعش بل وإلتزامه بذلك. وذلك من خلال مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشره قبل إعلان موقفه من لقاء بولتون.

والغريب أنّ مقال أردوغان يأتي قبل يوم من لقائه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، الذي يزور المنطقة حالياً، والذي سبق له أن أعلن، الأحد الماضي، أن على تركيا الموافقة على حماية حلفاء الولايات المتحدة الكرد، الذين تنظر إليهم أنقرة بوصفهم أعداء.

أهم ما جاء في مقال أردوغان

واعتبر أردوغان أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا كان صائباً وصحيحاً داعياً إلى ضرورة التخطيط للانسحاب بعناية مع من وصفهم بالشركاء المناسبين، وهنا يكون السؤال، فإذا كان بالفعل هو أحد هؤلاء الشركاء، فلم رفض استقبال بولتون ولم أيضاً اقتصرت لقاءات بولتون أيضا في بلاده على درجة نواب وزيري الخارجية والدفاع وكذا الاستخبارات؟ ولماذا لم يفتح الباب للنقاش والتخطيط مع الرجل الثاني في الولايات المتحدة من درجة الأهمية (بعد الرئيس) للنقاش حول الوضع وحتى لمناقشته في الشروط التي تحدث عنها بولتون قبل الزيارة؟.

أردوغان في مقاله يلعب على وتر (حماية المصالح الأمريكية) التي تعد هاجساً لدى الشعب الأمريكي. كما أنه يقول إن بلاده ملتزمة بهزيمة تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية في سوريا، ما يعني أن تنفيذ قرار ترامب بسحب القوات لن يؤثر على عملية القضاء على داعش وهو الأمر الذي تؤكد كافة المشاهد زيفه فمتى حارب الجيش التركي داعش على الأرض فعلياً؟ (داعش التي كانت تجاور تركيا على طول 200 كم لاكثر من عامين من مبروكة وسلوك وتل ابيض وحتى جرابلس).

ويستعرض أردوغان في مقاله أيضاً قواه ليقول إن بلاه هي "الوحيدة التي تمتلك زمام القوة، ولديها القدرة على الالتزام لتنفيذ مهمة هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا، فهي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو".

وليس هذا فحسب، لكنّه يلمّح إلى أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وقعوا في خطأ كبير في العراق بعد هزيمة "داعش"، عبر الإعلان السابق لأوانه للانتصار، وبالتالي فإن الأمر نفسه في سوريا فهو لا يريد أن يتم الوصول لإعلان الانتصار على الإرهاب والقضاء على داعش فداعش على ما يبدو سيكون ستاره أمام العالم بأسره في حربه التي يجهز لها بضراوة على الكرد في سوريا، وكلّ حلمه أن يستطيع القضاء على تجربتهم التي في طريقها لقطف ثمارها مع حالة التحول والتغير الأخيرة على الساحة السورية.

وأخيراً، يبقى التأكيد على أنّ حديث أردوغان وسقطته بشأن وحدات حماية الشعب، تؤكد أنّه لن يغيّر موقفه من الكرد وسيشنّ حروبه عليهم في كلّ مكان وصولاً إلى هدفه، حتّى وإن كان عبر احتلال الأرض في عالم انتهى فيه الاحتلال المباشر للأراضي، وهو الأمر الذي يستدعي ضرورة الانتباه لهذا الطامح لاستعادة حلم الخلافة المزعوم.