واحدة من السمات التي تميّز القائد عبد الله أوجلان كسياسي مخضرم, معرفته التامة بالشروط والظروف التي كانت تمرّ بها المنطقة, ووضعه لتحليلات كانت تلامس واقع التغيّرات المتسارعة في تلك المنطقة التي تمزّقها الصراعات الإقليمية والدولية. وكان دائم السعي لإيجاد مناخٍ ملائم لتلك التغيّرات بما يتناسب مع مصلحة الشعوب.
بدون أدنى شك, لم يكن من السهل أبداً أن يدخل في العام 1979 إلى سوريا, ويؤسّس وحده من هناك حركة حرّية الشعب, وهذا ما يجعل من تجربته في سوريا فريدةً من نوعها, إذ أنّها مليئةٌ بالعبر والدروس التاريخية, حيث يشير إلى تلك التجربة بقوله: "لا بدّ من معرفة الظروف التي نمرّ بها جيّداً. في سوريا كان يوجد ’الأسد’, عملت طوال 20 عاماً على خلق توازنٍ مقابل الأسد, وهكذا كنت أعمل في السياسة. لكن لم يفهم أحد هذا الأمر بشكلٍ مناسب".
أوجلان سياسيٌ ديناميكي, كان يعي التطورات المتلاحقة في المنطقة, وحلّلها بشكلٍ واقعي, هو قائدٌ يقول ما يؤمن به, ويترجم ما يقوله إلى واقعٍ عملي. لذا فإنّه قال: "لو انتفض الشعب الكردي في سوريا, فإنّ انتفاضته ستكون أقوى من أيّ انتفاضةٍ أخرى في المنطقة". حينها لم يكن لأحدٍ أن يستوعب ماهي معنى الثورة الحقيقية.
بعد ما تعرّض أوجلان لمؤامرة 15 شباط الدولية, تابع تحليلاته وشرحه للوقائع. خاصةً بعد العام 2004, حيث كثّف من طرح رؤاه السياسية عن الكرد في سوريا, وبالعودة إلى كل تنظيراته عن الوضع السوري بشكل عام, سنرى بأنّ كلّ ما قاله يطبّق حرفياً على أرض الواقع.
2004: "مبدأ الحماية الشرعية يجب أن يقيّم على أسسٍ سليمة"
لننظر سويّةً إلى العام 2004 والأحداث التي جرت فيه!
كلّ التنبيهات والتوصيات التي قدّمها أوجلان في هذا العام كانت موجّهة وبكثافة للكرد وما عليهم القيام به, وتحدّث عن أسس الديمقراطية وممارسة السياسة على هذا النحو:
*على الكرد في سوريا أن يقدّموا برنامجهم عن حرّية المواطنين, حقّ التعليم والتربية والحقوق الثقافية الخاص بهم, ويقيّموا مبدأ الحماية الشرعية على أسسٍ سليمة وواقعية. من الضروري جدّاً أن تُتّخذ في سوريا التدابير اللازمة لذلك.
*إذا ما رفضت الحكومة السورية الحقوق المشروعة للكرد في الحرّية, فإنّها ستواجه مصاعب كثيرة. من الأهمية بمكان أنّ يٌؤسّس كرد سوريا أحزابهم السياسية وأن يطالبوا بالحرّية والديمقراطية بشكلٍ منظّم, وفي مواجهة المواقف القذرة للسلطة, عليهم أن يتّخذوا الإجراءات اللازمة.
*على الشعب الكردي في سوريا أن يناضل لأجل نيل حقوقه, أطالبهم بأن يسيروا باتجاه حقوقهم في الحرّية والديمقراطية والحفاظ على هويّته الثقافية بخطى ثابتة, لأن ذلك سيؤثّر على باقى الأجزاء الأخرى. في الشرق الأوسط, تُدار اللعبة من داخل اللعبة بلعبةٍ أخرى. هناك الكثير من الفوضى, وإن كنتم تناضلون علانيّةً, عليكم أن تتحرّكوا وفقاً لذلك, وهكذا يمكنكم لعب دورس أساسي في الأحداث.
*مسألة حقوق المواطنة هي مسألة أساسية في سوريا, وعلى الأصدقاء أيضاً أن يقوم بحماية هذه الحقوق. عليهم القول بأنّ الوطني يرغب بتقديم الأفضل لسوريا.
2005: "سيقاوم الكرد بكلّ قوّتهم"
من خلال اللقاءات التي أجريت في العام 2005 معه, تحدّث أوجلان عن الحرب القائمة في وقتنا هذا, وقال بأنّ هذه الحرب ستنحى اتجاه تركيا أيضاً. (كان يقصد بالحرب, التدخّلات وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط). حيث قال عنها: "إن تفهّمت تركيا, سوريا وإيران أم لا, لا يهمني. كلّ ما يهمني وأناضل لأجله هو أن لا تصبح كردستان بوّابة للدماء".
وقد قدّم في العام 2005 جملة من المقترحات والتوصيات لسوريا بالعموم, وكردها على وجه الخصوص إذ قال:
*إذا استمرّت سياسة الإنكار هذه, وإن حاولوا وضع أزلامهم من الكرد في الواجهة, فعليكم البدء بمقاومة لا نظير لها. سيدوم الوضع كذلك لشهرين, فإذا واجهوكم بسياسة الإنكار لإنهائكم, عليكم بالطرق السياسية والديبلوماسية مواصلة مقاومتكم.
المقاومة التي يجب أن تبدونها, ستكون مقاومة ثابتة, لأنّها في سبيل تحقيق حرّية شعبكم وعيشه بكرامته. أولئك لا يفهمون, هم فقط مستمرّون لسياسة الإنكار والإبادة.
*يفرض العالم بأسره الديمقراطية على سوريا, وعليكم أن تكونوا مستعدّين على كافة الأصعد, يجب أن تتّخذوا تدابير الحماية والمقاومة دوماً. الشعب بالنسبة لي, يشكّل أكثر الأمور التي يجب الإخلاص من أجلها.
2008: "سيقومون بعمليات عسكرية في سوريا"
خلال العام 2008, تحدّث القائد عبد الله أوجلان عن العمليات العسكرية التي ستندلع في سوريا مرّات عدّة:
*في وقتٍ قريب, سيبدأون بعملياتٍ عسكرية في سوريا, خلال أشهر أم سنين ليست بالبعيدة, لا أعرف بالضبط, كما أن العمليات ستصل إلى داخل تركيا أيضاً.
*الدول التي تنادي بالديمقراطية أيضاً ستشارك في اندلاع الحرب داخل سوريا, وحتى دول المنطقة أيضاً. الكلّ سيشارك بنفس المستوى وسيقومون بالشيء ذاته.
2009: "سيصدرون فتاوى قتل الكرد"
لأجل قتل الكردي بشكل وحشي في عفرين, أصدرت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا فتاوى تحضّ على ذلك. قبل 9 أعوام, ذكر القائد أوجلان ذلك من خلال اقواله:
*إن لم تتحقق الوحدة القومية, فإنهم يخططون لارتكاب مجازر ضدّ الشعب الكردي أكثر وحشية من تلك التي اُرتكبت بحق الفلسطينيين. سيصدرون الفتاوى الدينية لحضّ الجميع على المشاركة في مجازر الكرد. على الكرد أن يتوحّدوا, كي لا يواجهوا مصيراً كهذا.
2010: "على كرد سوريا أن يديروا شؤونهم بانفسهم"
شعر أوجلان منذ الاعم 2010 بالفوضى التي ستحدث في سوريا, لذا طالب أكثر من مرة كرد سوريا بالوقوف في صفّ واحد, إذ قال بأنّهم في مرحلة البقاء أو الفناء.
ومما قالة القائد أوجلان بهذا الخصوص:
*تردني معلومات بأنّ الأسد سيجلس مع وفودٍ من العشائر الكردية. يوجد هناك أحزاب وتنظيمات سياسية يجب أن يجلس معهم, لا مع العشائر. هناك حزب الاتحاد الديمقراطي PYD, عليه الجلوس معه. إن قدّم الاسد اطروحات ديمقراطية, سندعمه, من بين تلك الاطروحات يجب ان تكون هناك الإدارة الذاتية الديمقراطية, يجب الاعتراف بهوية الشعب الكردي. إن فعل ذلك, سندعمه بكلّ تأكيد.
سوريا بلد هامّ جدّاً, ويجب معرفة ذلك جيّداً. الأسد على علم تام بمنهجي في إيجاد الحلول للقضية. إن اقتنع بمبدأ الإدارة الذاتية فإنّنا سنجعل الأحزاب الكردية هناك تدعمه وتدعم سوريا الجديدة.
*أستطيع قول هذا أيضاً, في البداية عملت أمريكا على جعل الأسد قريباً منها, لكنّ الآن المرحلة حرجة جدّاً, أمّا سيفعل ما فعله زين العابدين في تونس بتسليمه السلطة, أو أنّ يفتح الطريق للحلول. أم أنّه سيواجه مصيراً بالتصفية, حينئذٍ ستغادر عائلته السلطة. وعلى الكرد في هذه المرحلة أن يتحرّكوا بشكل مكثّف.
*يستطيع كرد سوريا أن يقوموا بحماية أنفسهم حماية ذاتية. عليهم أن يتحرّكوا بسرعة لبناء مؤسّساتهم وأطرهم التنظيمية. كنت قد قلت في العام 2003 بأنّ ثمّة "ربيع لشعوب الشرق الأوسط", أرى الآن أنّ الإعلام يستخدم مصطلح "الربيع العربي", هذا ليس فقط ربيع عربي, بل ربيع جميع الشعوب, وسيكون مركزها هو كردستان.
*إن تحرّكتم مع المعارضة السورية, يجب أن تضمنوا حقوقكم الديمقراطية. إن لا, فإنّ الكرد سيواجهون احتمالات الإبادة هناك. الكرد في مرحلة البقاء أو الفناء, يتمّ فرض القتل والإبادة على الكرد, عليهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة ذلك.
*أتوجّه بالنداء لشعبنا في سوريا, يجب أن يتمّ تأسيس وحدات الإدارة الذاتية الديمقراطية, يجب تأسيس وحدات للحماية في سوريا. على شعبنا في العراق أيضاً أن يمتّن من نضاله بشكل تنظيمي. يجب أن يعقد مؤتمرٍ في إطار الوحدة القومية, وعلى أساسه يجب التأسيس للمرحلة الحالية التي سيكون للكرد دورٌ هام فيها إن توحّدت قواه.